الاحدثدوليقراءات معمقة

نيكتا خروتشوف وإدارة التغيير من الصعود إلى السقوط (2)

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الكاتب السياسي / مجدى منصور يفتح ملف تجربة الزعيم السوفيتي نيكيتاسيرجيفيتش خروتشوف في التحول السياسي.

 

النجم يستقر في قلب الكرملين وينفذ مشروعه

كان خروتشوف يرى منذ مشاركته كقوم يسيراً سياسياً من (الحزب الشيوعى) في الحرب ضد هتلر أن الشعب ، هو الذي استطاع أن يقود الحرب أو على أقل الفروض فإن الشعب شارك الحزب في تحقيق الانتصار على جيوش الفوهرر أدولف هتلر.

لكن الحرب انتهت بتضحيات مهولة للشعب وبانتصار للحزب دون مشاركة الشعب!

وبدأ خروتشوف في نقل القيادة من الأجهزة الكئيبة التي فرضها ستالين على مقدرات الشعب السوفيتي خلال الثلاثينيات المظلمة إلى عناصر جديدة.

عناصر جديدة من القواد العسكريين الموهوبين من أمثال «زوكوف»، و«سوكولوفسكي»، و«مالينوفسكي».

وعناصر جديدة من المثقفين والمفكرين الذين راحوا يتحدثون إلى الشعب بلغة أخرى ليست «جامدة» وليست «مغلقة» من أمثال «أهرنبورج» و«شولخوف».

وعناصر جديدة من مديري مراكز الصناعة المتخصصين. إلى جانب عناصر جديدة من الحزب نفسه ، لمحت الحقيقة المتغيرة و استوعبتها أمثال (شيلبين ، شبيلوف ، ومازاروف ، وأندربوف).

كان خروتشوف مدركاً أن روسيا بعد الحرب لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبلها وتقبع مستسلمة وراء الستار الحديدي الذي أقامه ستالين.

كما أدرك خروتشوف أن هناك عناصر جديدة من الفنيين والمفكرين بل والعسكريين ، يشعرون بقيمتهم الجديدة المستمدة من قيمة النصر على النازي.

 وأن هؤلاء لن يعودوا إلى القبول بحكم الأجهزة الرهيبة التي «أساءت» إلى الوطن وإلى الحزب معاً قبل الحرب وبعدها.

وربما وقتها تذكر (خروتشوف) كلمة (ستالين) المهزوزة بالعصبية في الساعة الأولى من الحرب ، حين قال:

«أيها الرفاق، إن الدولة التي بناها لينين قد انتهت».

وفي وجدانه تحولت هذه العبارة لتصبح:

«إن الدولة التي بناها لينين يجب أن تبقى ، وأما الدولة التي بناها ستالين فهي التي أصبح مُحتماً أن تنتهي».

كان «خروتشوف» قبل غيره يُدرك أنه يتحمل مسئولية الانتقال والتغيير. 

لكنها أصعب المسؤوليات.

كانت المعضلة التي تواجهه الآن هي:

كيف يستطيع أن يفك نظام ستالين الحديدى، ويرفع حواجزه ، ويطلق الحياة الجديدة تطور نفسها على شرط ، أن لا يؤثر ذلك على النظام كله؟

أي كيف يستطيع أن يفرق بين ما كان مفروضاً (بالقهر) من ستالين ، وبين ما هو مطلوب بالضرورة لسلامة النظام الشيوعي في ظل الحرب الباردة الطاحنة؟!

أى أن مشكلة ومعضلة خروتشوف هى:

كيف يستطيع أن «يحنو» على الشعب دون أن «يُفكك» النظام وأن «يُمسك» بالأمن دون أن «يخنق» الحرية والإبداع؟

(1)

«أعطي للناس أملاً أيها الرفيق»!

نصيحة كوزنتسوف لخروتشوف

 

وعندما جاء «نيكتا خروتشوف» لحكم الاتحاد السوفيتي بعد سواد وعتمة فترة «جوزيف ستالين» ، وقائد أمنه الرهيب «ليفنتى بريا» والذى كان يقال عنه:

«أنه يسمع حتى همهمة الصدور في الاتحاد السوفيتي كله».

 جمع خروتشوف مستشاريه (ليسمع منهم) ، لكنهم  (لم يقولوا شيئاً) ، فقد كان «الخوف» كبل أفواههم قبل عقولهم.

حتى أخرج «خروتشوف» مثقفاً معروفاً هو الرفيق «كوزونتسوف» من سجنه المُوحِش في سيبيريا ، وكان ستالين «سجنه» بعد مخاطبة كوزنتسوف له قائلا:

 ‏«أيها الرفيق ..ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، ولكن بالحرية أيضا».

 ‏و بعد خروجه طلب الرفيق السياسي «خروتشوف» نصيحة من الرفيق المثقف «كوزونتسوف» فقال «كوزونتسوف» لخروشوف»:

«أعطى للناس أملاً أيها الرفيق.. أعطيهم أملاً في الحياة بدلاً من عتمة السجون».

كان خروتشوف يعرف أن ستالين بعد محاكمات موسكو (1937) قد حول الاتحاد السوفييتي كله إلى سجن كبير، ونصب ستالين نفسه بدون دعوة من أحد قائداً أعلي لذلك السجن.

كان خروتشوف يعرف كافة التفاصيل المؤلمة  وقد فضحها فيما بعد!

 

 (2)

محاكمات موسكو (١٩٣٧)

يا كوبا (تدليل ستالين) «ماذا ستستفيد من موتى»؟!

بوخارين مخاطباً ستالين

ففي عام 1937 شعر رجل الاتحاد السوفيتي الحديدي “جوزيف ستالين” بالتهديد من المقاومة الداخلية لخططه ورؤاه الفاشلة من بعض الرفاق في الدولة و الحزب الشيوعي ، والجيش ، فأعلن الحرب عليهم وعلى كل من يؤيدهم بما سماه (التطهير العظيم).

كان قلق ستالين من المعارضة الداخلية أسفر عن أكثر من 700 ألف ضحية من خيرة الرفاق ، فقد اتهم ستالين جميع معارضيه بتدبير مؤامرة اغتيال ضخمة ضده هو وحكومته.

فبدأ بمطاردة «التروتوسكيين» ، بالإضافة لأعداء آخرين حقيقيين أو متخيلين ، حتى ضد زملائه أبطال الثورة الكبار ، مثل “نيكولاي بوخارين” الرجل الذى أشار إليه “لينين” يوماً بإسم «الفتى الذهبي للحزب» لم يسلم من المحاكمة.

 

ستالين و بوخارين

ستُسجل تلك التصفيات القاسية تحت اسم (محاكمات موسكو).

ومن غرائب تلك المحاكمة أن المتهمين لم يظهروا فيها ، لأن حالتهم كانت يرثى لها من أثر التعذيب الوحشي الذى تعرضوا له ، وظهورهم كان سيعد دليل (إدانة) ضد النظام الستاليني وليس دليل (براءة) له.

كان ما اثار الذهول آنذاك هو هول الاتهامات الموجهة في تلك المحاكمات ، على نحو غير مسبوق، فقد كانت الاتهامات ضد رجال كرسوا حياتهم لتحرر الطبقة العاملة.

كان هؤلاء الرجال مروا من السجون و المنافي و النضال السري في عهد القيصرية ، وواجهوا الموت إبان الحرب الأهلية ، ثم قادوا بناء الدولة السوفيتية الفتية.

‏ولكنهم اليوم حسب اتهامات سيد الكرملين الجديد «القيصر الأحمر» “جوزيف ستالين” ، ألد أعداء الاتحاد السوفييتي والشيوعية والطبقة العاملة!  !و للإشراف على الاغتيال المادي والمعنوي للرفاق القدامى ، (أصدقاء وحلفاء الأمس أعداء وخصوم اليوم) ، اختار ستالين “أندريه فيشينسكي” كمدعي عام.

وهو نفس الشخص الذي (أصدر أمر اعتقال للينين في 1917) و الذي سيطلب «الحكم بالموت على هذه الكلاب المسعورة» قاصداً القادة البلاشفة السابقين!!.

أندريه فيشينسكي

حسب مزاعمه ، فلقد دبر هؤلاء أعمال تخريب لتعطيل المنجزات الثورية الستالينية!(كان النظام بحاجة إلى مبررات لستر لفشله الاقتصادي).

بالإضافة إلى محاولات اغتيال لستالين ومساعديه ، كما اغتال المتهمين الكاتب “مكسيم غوركي” لأنه أصبح ستالينياً! ، وتآمروا لتسليم الاتحاد السوفييتي للإمبريالية بالتجسس لصالح بريطانيا وألمانيا واليابان!!

صورة من جنازة غوركي

كانت أكثر الاتهامات هذياناً الخارجة من خيال ستالين الدموي تتراكم دون أي اكتراث بقابلية تصديقها ، فقد كان مطلوباً (إرهاب) كل من يرون أن سياسة ستالين (تقود) الاتحاد السوفييتي إلى (الكارثة).

وأن النظام لم يبق له أي علاقة مع الاشتراكية ، وأن الطبقة العاملة التي بنت هذه الدولة قد أزيحت من السلطة.

وكان ستالين يرمي أيضاً إلى (إفزاع) جهاز الدولة بقصد (التحكم) فيه دون أي مقاومة من أحد.

من ناحية أخرى، ظهر النائب العام “أندريه فيشنسكي” ليدين جميع خصوم ستالين ويضع التهم فوق رؤوسهم ، بنفس الأساليب الستالينية المعروفة ، وبنفس التهم المعلبة:(العمالة ، التآمر لبيع البلاد للإمبريالية أعداء الشعب ، الجاسوسية) ، وطالب فيشنسكي بإطلاق النار عليهم كالكلاب المسعورة.

فالشعب يطالب بقتل تلك النفايات (على حد وصفه).

‏وستكون مكافأة فيشنسكي بعد إعدام الرفاق القدامى ، تعيينه عضواً دائماً للاتحاد السوفيتي بمجلس الأمن.

تعليق:

عندما كان “أندريه فيشينسكي” مندوب الاتحاد السوفيتي حدثت بينه وبين وزير الخارجية الأمريكي “دين اتشيسون” مشادة تحاكي عنها مجلس الأمن طويلاً.

فقد تكلم اتشيسون ، مرة في موضوع كوريا ، ووقف “فيشينسكي” يرد عليه ، فإذا هو يقول له:

إنني أعلم أن وزراء الخارجية الأمريكية لا يكتبون خطاباتهم التي يلقونها هنا بأنفسهم ، وإنما يكتبها لهم سكرتيريهم.

وهكذا فإنني عندما أرد على ما قاله المستر اتشيسون هنا لا أوجه حديثي إليه ، وإنما أوجه حديثي إلى سكرتيره الذى كتب له ما قاله أمامنا الأن.

ثم راح “فيشينسكي” يرد على اتشيسون بقوله:

«إن سكرتيرك يا مستر اتشيسون أخطأ حين كتب لك كذا ، وكذا، سكرتيرك يا مستر اتشيسون كتب لك كذا وكذا وقد أخطأ ، سكرتيرك يا مستر اتشيسون.. إلى آخر الخطاب».

كل هذا ووجه وزير الخارجية الأمريكية يحتقن بالغضب ، ويزداد احتقاناً مع كل عبارة توجه القول ل”سكرتيره”.

ثم ختم فيشنسكي كلامه قائلاً:

« إن لدى نصيحة أوجهها لوزير الخارجية الأمريكية ، وهى أن عليه من الآن فصاعداً أن يكتب ما يريد أن يقوله بنفسه حتى يستطيع أن يتحقق  من مصادر القول  ويراجعها ».

وجلس والمتفرجون جميعاً معجبون به طرباً.

وجاء الدور على اتشيسون لكي يرد ، فإذ هو يقف ليقول:

إن لدى رجاء إلى المندوب السوفيتي ، وهو أن يلجأ إلى أحد لكى يكتب له ما يقول أمامنا هنا ، لأنه حين يتكلم من وحى تفكيره يقول كلاماً لا رابطة فيه ولا منطق.نعم إن لدى مساعدين شاركوني في التفكير ، وأما هو فكعادة الديكتاتوريين في الاتحاد السوفيتي ، يأمر ويفرض آراءه الفجة منفرداً وبالقوة

ومرة ثانية صفق المتفرجين الحاضرين.

انتهى التعليق ، وعودة لسياق الموضوع من جديد.      

لقد هزت محاكمات موسكو الرأي العام العالمي ، فقد كتب الكاتب الفرنسي “أندريه بريتون” (وهو مؤسس حركة السريالية في الفن) يقول:

« بتلك الفعلة الشنعاء ، لقد حط سوء حظ كبير على الاشتراكية التي سحقتها مسرحية العدالة المروعة هذه في موسكو».

وكالعادة ظهرت حاشية النظام (كل نظام) تقول وتطالب بأعلى الأصوات:(لا رحمة بأعدائنا ، علينا أن نقتلهم كالكلاب الكريهة! (

ويقول آخرون: (الموت لخونة الوطن).‏ وكانت أشهر الصيحات وأطرفها في الوقت ذاته صيحة:

(أقتلوا أعداء الحرية)!!

وفى 11 مارس 1938 تم الحكم على جميع المتهمين بالإعدام.

و من سخرية الواقع أن هؤلاء جميعاً ساعدوا ستالين للاستيلاء على السلطة مثل «بوخارين ، زينوفييف ، وكامنيف ريكوف ، كرستانسكي ، راكوفسكي ، مورالوف ، دروبنيس ، بوغوسلافسكي».

بالإضافة إلى معظم قيادات الجيش الأحمر برئاسة الماريشال «توخاتشيفسكي»!

ستالين ورفاقه قبل أن ينقلب عليهم

كتب “بوخارين” لستالين أثناء المحاكمات :

يا كوبا (تدليل ستالين) «ماذا ستستفيد من موتى»؟

 

 لكنه لم يتلقى رداً.أما كامينيف” ، الذى أنقذ ستالين من موت محقق قبل عشرين سنة ، (فقد كان أسعد حظاً من بوخارين،  فقد أرسل يسأل ستالين):

 ( هل تعرف ما معنى الامتنان)؟

فأرسل له ستالين الاجابة على سؤاله:

«إنه مرض تعاني منه الكلاب»!

وبعدها اختفى آلاف المعارضين الشيوعيين بلا محاكمة في معسكرات الغولاغ في 1937-1938.

لم يستطيع ستالين تحطيم التروتسكيين فقام بإعدامهم بالجملة!!

كانت الرسالة واضحة للجميع بأن:

«كل الذين سيقاومون ستالين سيتم تدميرهم و محوهم من الوجود إلى الأبد».

الرفاق قبل المذبحة!

ودانت الدنيا لستالين ، وأصبح بعدها سيد الكرملين بمثابة إلهاً أحمر للسوفييت ، حتى جاء الرفيق “نيكيتا خروتشوف” ليزيح الستار عن العهد الستاليني الأحمر بلون الدم.

 

(3)

خروشوف يكشف خفايا عهد ستالين

«إن الخوف دفع الناس إلى اليأس». 

خروتشوف عن عهد ستالين

كانت من أولى خطوات خروتشوف قيادته لمعركة كشف خبايا عصر «ستالين» بشجاعة نادرة في المؤتمر العشرين للحزب، حينما وقف قائلًا:

«لقد كان ستالين لا يُطيق أي معارضة لرأيه، وكان الموت نهاية كل من يقف أمامه.. لقد كان الناس يُعتقلون بالجُملة بالآلاف كانوا يُقتلون من غير مُحاكمة.

«إن الخوف دفع الناس إلى اليأس».

ويُضيف خروتشوف: 

هل تعرفون ماذا حدث لأعضاء اللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي؟لقد كان عددهم ما بين أعضاء أصليين واحتياطيين – 137 عضواً، إن 95 واحداً منهم اعتُقلوا وضُربوا بالرصاص أي بنسبة 70 في المائة منهم.

ولقد حل نفس المصير بأعضاء المؤتمر ذاته ، المؤتمر السابع عشر للحزب. لقد كان عددهم 1966، ولقد اعتقل منهم بتهمة معاداة الثورة 1108 عضو، أي أكثر من الأغلبية!

هل تعرفون كم من الناس أخرجهم ستالين من بيوتهم ونفاهم إلى البقاع النائية في سيبيريا؟ عددهم بالملايين!

«وفى كل الأحوال لم يكن من حق ستالين أن يقود الناس الى جنته الموعودة بالعصا!». 

وأضاف خرشوف:

«وأنا بدوري لاحظت أن صاحب السؤال نسي أو لعله تناسى أن يذكر اسمه ولهذا فأنا أريده أن يقف أمامنا الآن كي أستطيع أن أرد عليه».

وغطت القاعة في صمت عميق علَ من ارسل السؤال يجد في نفسه الشجاعة ويقف.

ولكن كالعادة.. وبعد لحظة.. وبعد لحظات .. لم يقف أحد!!

وصاح (خرشوف) مرةً أخرى قائلًا:

«جوابي أنني كنت مع الرفيق صاحب السؤال الذي لم يكتب اسمه ولم يستطع أن يقف أمامنا الآن، جوابي أنني كنت معك أيها الرفيق ونحن الاثنان صمتنا ولم نتكلم»!

والآن – انتهت السطور المخصصة لذلك المقال ولكن لم تنته بعد قصة «الفلاح» الشيوعي الذي حكم الإمبراطورية السوفيتية من قصر (الكرملين) بموسكو.

إنه الرفيق «نيكيتا سيرجيفيتش خروشوف» أيها الرفاق!

المراجع :

ستالين الواقع والأسطورة – دميتري فولكوغونوف.

خروتشوف المجدد – جورجي هادييف

خروشوف وأسراره – محمد حسنين هيكل

 

لمن فاتته متابعة الجزء الأول :

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى