الظاهرة الترامبية ونظرية العبث كتب بابوزيد محمد سعيد
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
دخل الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدون البيت الابيض على تركة كبيرة من الفوضى والعبث تركها سلفه الرئيس المثير للجدل المنتهية ويلاته و المغادر لبيت الأبيض بعد ايام دونالد ترامب .
ربما سيقول الكثيرون ان ترامب شكل نهجا جديدا في تدبيره لكثير من الملفات الساخنة والمهمة، حيث أعتمد على سياسة مبنية على البراغماتية الصرفة الغير محكومة لأي ميزان ولا لأي اعتبار غير مصلحة القوى الاقتصادية المستحكة والمتنفذة في العالم ، وهذا القول لا خلاف فيه وان كنت أزيد عليه ان ما بات يعرف بالظاهرة الترامبية أظهرت للعالم طبيعة وشكل توجه اليمين المتطرف داخل الإدارة الأميركية من خلال تعامله مع العالم كمصلحة يفترض بها خدمة أميركا وخصوصا مصالح الشريكات الكبرى والمتعددة الجنسيات و المتنفذين الاقتصادين الذين يأكلون بشراهة كل خيرات ومقدرات الشعوب ويشكلون بنية نهب منظمة وممنهجة تحاول جعل العالم أكثر قابلية الاستغلال .
لقد ظل نهج السياسية الأميركية الى وقت قريب يتقولب تحت غطاء مجموعة من المسميات على سبيل الذكر منها ( *دمقرطة العالم* و *إستقراره* و الدفاع عن *حقوق الإنسان* و الحرب على ما سمي *بالإرهاب* و *أسلحة الدمار الشامل* ) التي كانت الى البارحة ذريعة لغزو العديد من الدول كالعراق سوريا وليبيا ، لتبرير التدخل خارج الحدود وفي شؤون الدول الاخرى حيث نصبت أميركا نفسها كشرطي العالم.
اما اليوم مع بروز الظاهرة الترامبية المرتدة على هذه كل هذه المفاهيم التي شكلت عبر عقود من الزمن وتحديداً منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي محور البنية المفاهمية في الخطاب السياسي الأميركي، حتى انقلب بارون الكازينوهات الرئيس المثير للجدل عليها ليحدث نهجا خارج السياق الأميركي غير مبال بأي اعتبار كان.
الظاهرة الترامبية او هكذا ما بات يعرف في القاموس السياسي الحديث مع تولي رجل جعل من الجدل جلباب له ، رجل مهوس بالمال وجمع المال فقط و تكريس السلطة لذلك.
عقد مجموعة صفقات سياسية عبر تنزيل ما يسمى *صفقة القرن* التي صاحبها تهافت مجموعة من الأنظمة العربية المتساقطة في حضن الكيان الصهيوني واقدامها على تطبيع العلاقة مع هذا الكيان العنصري حسب تصنيف الامم المتحدة ، لتشكل أطراف في صفقة سياسية مشبوهة مبنية أساسا على حساب حقوق شعوب المنطقة وتقسيم مقدراتها مقابل حفاظ تلك الانظمة على كراسيها.
لقد ظلت الإدارة الأميركية قبل ظهور ترامب على علتها وعيوبها وانقاصها تحافظ الى حدود معينة على الاقل على جانب من القانون الدولي والأعراف السياسية التي فصلتها هي نفسها لخدمة مصالحها، الى ان جاء ترامب لينقلب على كل تلك (اللياقة) ، ويحدث شكل جديد مبني على الغطرسة والمكيافيلة في أقبح صورها و تجلياتها متجاوزا بذلك كل الضوابط والاعتبارات ، ليحدث نوعا من اللا استقرار والفوضى والعبث مقابل تأمين صفقات إقتصادية لاطراف معروفة بأي ثمن كان ، حيث لم يغادر حتى احدث الكثير من العبث على مستوى المنطقة العربية و المغاربية على وجه الخصوص.
أعلن النظام الإماراتي تطبيعه للعلاقات مع الكيان الصهيوني في صفقة سياسة فإذا بالانظمة تتساقط تباعا لتعلن مسيرة الاستسلام البحرين ثم السودان ثم المغرب أخيرا الذي قايض ترسيمه لعلاقة مع الكيان العنصري حسب تصنيف الامم المتحدة مقابل اعتراف ترامب عبر تغردة على توتير بسيادته على الصحراء الغربية ووكيل يكرس كل جهده لإستمالة أنظمة اخرى لركوع.
فإذا بالانظمة تتساقط تباعا لتعلن مسيرة الاستسلام البحرين ثم السودان ثم المغرب أخيرا الذي قايض ترسيمه لعلاقة مع الكيان العنصري حسب تصنيف الامم المتحدة مقابل اعتراف ترامب عبر تغردة على توتير بسيادته على الصحراء الغربية. استغل اللوبي الصهيوني المتحكم في السياسة الخارجية خلال عهدة ترامب ، حاجة هذه الأنظمة الى الشرعية من خلال تهافتها بأي شكل من الأشكال عن الشرعنة لو عبر هذه الصفقات السياسية المشبوهة ، فالنظام الإماراتي الذي دشن الحرب على اليمن وعلى ليبيا وعلى سوريا وشارك في تنفيذ اجندات مشبوهة خلال العقد المنصرم بات في حاجة الى رسم تواجد دولي مهما كان نوعه في ظل سخط شعوب المنطقة عليه ، وفتحه لجبهات مع كل من إيران وتركيا.
وكذلك النظام البحريني المهدد بثورات شعبية تهدد تواجد النظام ، بل باتت تشكل هاجس حقيقي يرهق حساباته ، ثم هناك عوامل اخرى من بينها انخراطه مع أنظمة كل من السعودية والإمارات في تكريس واقع معقد في الشرق الاوسط يكون فيه السلام مع اسرائيل والعداء مع إيران.
وفي حالة تطبيع النظام السودان الذي يتشكل من فلول النظام السابق والذي لا يحظى بتأيد شعبي ويعيش على وقع التهديد الذي لا يختلف كثيرا عن وضع النظام في البحريني والذي طبع مع الكيان مقابل إخراجه من لائحة الإرهاب وحمايته.
اما الوضع بالنسبة للنظام المغربي الذي يعيش عقدة سياسية حقيقة بسبب القضية الصحراوية ، حيث دخل خلال السنة الماضية في رحلة البحث عن شرعية تواجده بالصحراء الغربية حيث أفتتح مجموعة من القنصليات داخل مدينتي العيون والداخلة الصحراويتين ، وظل يسابق الزمن في محاولة خلق واقع جديد وخلط الأوراق فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية ، لتأتي صفقته من خلال ترسيم علاقته مع الكيان الصهيوني ومقايضته بالاعتراف الترامبي المشبوه الذي يخرق القانون الدولي و ويقود مساعي و جهود الامم المتحدة والاتحاد الافريقي المبذولة بهذا الخصوص ويتعارض مع مبادئ ويلسون14 التي تأسست عليها أميركا نفسها والتي منها الحق في تقرير المصير.
هكذا رسمت العجرفة ترامبية خريطة من العبث من خلال ” الانسحاب من إتفاقية المناخ و إنهاء العلاقة بمنظمة الصحة العالمية وتقويد الإتفاق الأميركي الإيراني واتهامها بإحتضان الإرهاب وفتح سفارة بمدينة القدس والاعتراف بالسيادة الصهيونية على مرتفعات الجولان وبالسيادة المغربية على الصحراء الغربية و إعلان فتح تمثيلية ديبوماسية افتراضة بمدينة الداخلة الصحراوية…” والكثير من الفوضى أكلت كل الأعراف وتحدت كل القوانين وقفزت على كل الضوابط والاعتبارات وضربت عرض الحائط بالشرعية الدولية وجعلت اللبيرالية الأميركية مسخرة القرن.
فكيف سيتعامل الوافد الجديد الى البيت الابيض مع كل هذا العبث ؟
وكيف سيقنع العالم ان المصالح الاميركية لا تتعارض مع حقوق الشعوب، ولا تأتي على حساب مصائرهم ؟
كيف يمكن للقوى التقدمية والديمقراطية ونخب المنطقة مجابهة هذا الواقع الذي فرض فرضا على شعوبنا ؟