Uncategorized

لبنان طبيعة الصراع وطريقة الخلاص

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

بعد الحرب العالمية الأولى تقاسمت القوى المستعمرة تركة الرجل المريض “الدولة العثمانية” تحت مظلة اتفاقية سايكس- بيكو ورسمت وظائف لكل دولة مرتبطة مع مصالح الغرب وكل دولة تحمل في داخلها تشوهات اجتماعية ومذهبية وطائفية تتساكن مع بعضها وتحمل تناقضات على المستوى القريب والبعيد وضمن هذه التقسيمات الجغرافية المعقدة نشأت دولة اسرائيل بفعل وعد “بلفور” المشؤوم لتكريس الصراعات الداخلية وحماية لمصالح القوى الاستعمارية في المنطقة.
على إثر استقلال لبنان عام 1943، أقيمت هدنة 48 وأقتطع العدو المستجد من لبنان قسما كبيرأ من أرضه. بالموازاة تم اقامة نظام سياسي طائفي على أساس التوزيع بين الطوائف والمذاهب للسلطات الرئاسية التنفيذية والتشريعية وأهدرت حقوق أقليات كثيرة وأعطيت الوظائف والصلاحيات لمسؤولي الأحزاب والطوائف بعيدا عن الكفاءة و المصلحة الوطنية العليا.
و هذا ما أدى الى تركيبة اجتماعية مشوهة تتميز بالاحتكارات و النفوذ العائلي الذي يتسم بعامل الوراثة و الاستفراد بمراكز السلطة والبنوك واتساع دائرة الهجرة والحرمان والفقر على مستوى واسع من قطاعات وفئات الشعب اللبناني، وهذا ما جعل هذا التركيب الاجتماعي يحمل ثقافة اجتماعية برزت من خلال أحزاب طائفية لها فعل سياسي جمعي واضعة المصلحة الطائفية فوق المصلحة الوطنية العليا مما أدى الى صراعات متعددة بدءاً بحرب 58 وبعدها الحرب الأهلية والتعامل من قبل البعض مع الاحتلال الصهيوني في الثمانينات و كله من أجل مصالح ذاتية ورغبة بالارتباط خارجي.
بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982 ومواجهته من قبل المقاومة اللبنانية وفي ظل ضغوط كبيرة من أجل حل استسلامي مع العدو من خلال اتفاق 17 أيار كان سيحصل لولا انتفاضة التي قادها رئيس حركة أمل الاستاذ نبيه بري ومعه القوى الوطنية المؤمنة بهوية لبنان وانتمائه، على أثر ذلك وفي ظل بروز اتجاهات كبيرة تتعامل مع هذا العدو، تأطرت هذه القوى ميدانيا مدعومة من دول ثورية شكلت محور الممانعة وصمدت وأنجزت تحرير الارض من خلال انسحاب العدو الصهيوني عام 2000 ثم تحقيق انتصار على هذا العدو عام 2006 وأصبحت رقما صعبا أعاد للدولة هيبتها و اعادة انشاء مؤسساتها وبالأخص مؤسسة الجيش على أساس عقيدة جديدة معادية لاسرائيل ولكن بقي مسألة تجهيزه وسلاحه من أمريكا والغرب.
مع الوقت استطاعت هذه المقاومة أن تبني قوة ردع دفاعية في وجه العدو الصهيوني تثير تحفظات الكثير من الجهات المرتبطة بأعداء لبنان وقد خاضت مواجهات سياسية وعسكرية متعددة وكان النصر والنجاح حليفهم الدائم وهزمت اسرائيل وعملاؤها تحت شعار مقاومة – جيش و شعب أو المثلث الماسي المنتصر. وأكثر من ذلك فأنها قامت بدور كبير في انشاء حلف مقاوم يثير أمريكا واسرائيل من خلال الاجهاز على الاتفاقيات المنفردة مع العدو من كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وغيرها ويعطل مشروع الغطرسة والهيمنة الاميركية على المنطقة، وبالتالي منع سياسة الهرولة والتطبيع مع هذا العدو من قبل العديد من الدول العربية.
وهذا الاهتمام بالصراع العربي الصهيوني وتقديم مسائل التحرير على أساس أهداف حركة التحرر العربية أغفل العامل الاجتماعي والاقتصادي فترك الى جزء من الطبقة السياسية المتحكمة بمفاصل الدول اللبنانية العنان الى احكام سيطرتها على موارد الدولة وعلاقاتها العامة وانتشار الفساد والهدر بشكل واسع حيث مارست ضغوطات لعدم تطبيق كافة بنود اتفاق الطائف ومن ضمنها الغاء الطائفية السياسية والى تجاهل مطالب رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري بالتحول من مفهوم السلطة الى مفهوم الدولة، فهجرت العقول والاختصاصات وازداد معدل البطالة وأغلقت الكثير من مؤسسات الخاص الخاص.
بعدها انخفض مستوى الثقة بالمؤسسات العامة وقد لعب البنك المركزي وسلوك ما سمي بالحريرية السياسية في اللعب بين الدولار والليرة بافقار كل الشعب اللبناني ما عدا قلة حاكمة، سقطت الطبقة الوسطى للحضيض و تم الدعوة الى الخصخصة و بيع ممتلكات الدولة والدعوة الى اقتصاد السوق مما ينبأ بالانهيار الاقتصادي وهبوط في قيمة الليرة الشرائية ما أدى الى الانفجار والخروج الى الشارع تحت اسم حركات اجتماعية ومجتمع مدني وقوى حية ومحرومة من الشعب اللبناني وهنا كان خطأ قوى المقاومة والتنمية والتحرير التي صنعت الانتصار وهزمت اعداء لبنان بأنها لم تبادر للعمل الجاد بالاصلاح ولا بقيادة هذا التحرك الشعبي الواسع و الذي هو على المدى الاستراتيجي والبعيد سيشكل القاعدة الواسعة لها لأن هذه القوى هي صاحبة المصلحة بالتغيير والحفاظ على التحرير. ان دخول قوى المعارضة خادمة الغرب وأمريكا ستفشل هذا التحرك و تعيد العقارب للوراء و ستزيد أزمة هذه الجماهير الواسعة الطامحة لتحقيق بعض المكاسب في الوظائف والمعيشة وبعض البنى التحتية من الكهرباء والماء والطرق والمصانع و بقية الوظائف وستفسده وتقوض نتائجه، وهو الطريق الى جهنم معبدا بالنوايا الحسنة.
من هنا نرى أن أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير مجبرين على التحالف والتنسيق مع قوى المقاومة لأن هذه الرافعة هي المسؤولة الحقيقية عن بناء صرح لبناني جديد يؤمن للمواطن اللبناني حقوقه على أن يقوم هذا المواطن في واجباته في بناء الوطن على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والوطنية… نحن أمام مرحلة جديدة الى لبنان حقيقي متلائم مع قوى المقاومة المتعاظم وأداء وظيفة تغييرية في المشرق العربي والقيام بواجبها القومي والديني بتحرير المقدسات واعادة النازحين السوريين لبلادهم واللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم من أجل مستقبل زاهر للبنان وللأجيال القادمة.
في المقترحات:
يبدأ حل الازمة عبر جملة خيارات لأن الأوضاع الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية أبرزها:
1- المبادرة من قوى المقاومة والاصلاح والتغيير بمسك الساحات ودعوة الكادحين والمحرومين والمغبونين اليها والالتحام معها وتبني مواقفهم والنضال من أجل تحقيقها بدءا بورقة الاصلاح وأي قوانين تخدم المواطن والوطن و بالأخص الغاء الطائفية السياسية و اقامة الدولة المدنية حقا.
ب- تشكيل حكومة انقاذ تأخذ على عاتقها الحوار مع سورية وصولا لتأمين اتفاقات تامة وحتى الوصول الى حالة توأمة اقتصادية معها وفتح المجال لأى اشكال وحدة مع الدول الحريصة على لبنان ووحدته واقامة انتخابات مبكرة وفقا لقانون الانتخابي الذي نادى به الرئيس بري على أساس الدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي.
ت- دور المصرف المركزي لم يكن بالمستوى المطلوب وبالتالي فإن المصرف مطالب بوضع أسس وسياسة جديدة تكفل حماية صغار المودعين وتحفظ الطبقة الوسطى من الانهيار والتي ينهار معها الاقتصاد برمته، ورفع القيود على التحويلات المالية وهذا يتطلب ادارة سليمة بعيدا عن الشبهات والتبعية والتأثر بالقرار الخارجي.
ج- اعلان حالة استنفار شاملة ضد الخطر الاسرائيلي وعملائها وادواتها وكل من يدعم القوى المضادة للسلم الاهلي في لبنان.
ح- تفعيل سلطة المؤسسات الرقابية ومعالجة المؤسسات المتعثرة والحد من الفساد. والعمل على حماية المستهلك النهائي للمحافظة على قدراته الشرائية وزيادة معدل الاستهلاك الذي ينعش الدورة الانتاجية.
د- الاعتماد على عدة عملات اجنبية والانفتاح أكثر على الشرق وفتح السوق المحلي لهم وابرام معاهدات اقتصادية ودفاعية معهم.
د- دعم الجيش الوطني اللبناني بالعتاد والتجهيزات وتنويع مصادر السلاح الالتفاف حوله واعتبار المقاومة جيش الشعب.
ه- اقرار قوانين عصرية للأحزاب تغير من اللون الطائفي وتشجع التعددية وحرية الاعلام واقرار قوانين محاسبة قوى الفساد و الهدر، وفصل القضاء عن التدخل السياسي.
و- مشاركة فعالة للمرأة و الشباب في ادارة شؤون البلاد وتربية الأسس لنظام تعليمي جديد و حديث يستعمل التكنولوجيا.
ز- تعزيز الاستثمار من خلال تفعيل القوانين والسياسات الحكومية التي تحفز الشركات المتعددة والعالمية على فتح مصانع ووحدات انتاجية لها على الاراضي اللبنانية واحياء الانظمة التي تسهل عملها عبر اعفائها من الرسوم والضرائب لفترة زمنية محددة.
ن- بناء وتحصين المجتمع المقاوم وتأمين متطلباته المعيشية وتحسين البنى التحتية من خلال حل أزمات الكهرباء والصرف الصحي والنفايات والتلوث عبر قرارات جريئة وتاريخية.

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الدكتور حسين النابلسي، كاتب في الاقتصاد السياسي واستاذ جامعي

د. حسين نابلسي، حائز على دكتوراه في الاقتصاد العام حول الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال الاجتماعي. قيادي جامعي في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، امين الصندوق في صندوق التعاضد الصحي اللبناني وعضو الهيئة إلادارية في العديد من الجمعيات الانسانية. ناشر للعديد من المقالات والابحاث في عدة مجلات علمية محكمة.

‫2 تعليقات

  1. مقال مميز يعبر عن رؤيه واضحة مبنية على سرد دقيق للاحداث التي لعبت دوراً اساسياً في المآل التي آل اليه واقعنا الحالي فضلاً عن الافكار المطروحة للحل وان كنا لا نتماشى مع البعض منها الا انه يمكن البناء عليها للخروج من عنق الزجاجة.

  2. مقال مميز يعبر عن رؤيه واضحة مبنية على سرد دقيق للاحداث التي لعبت دوراً اساسياً في المآل التي آل اليه واقعنا الحالي فضلاً عن الافكار المطروحة للحل وان كنا لا نتماشى مع البعض منها الا انه يمكن البناء عليها للخروج من عنق الزجاجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى