الحريرية الجديدة: بهاء للحكومة وسعد للتيار!
لا يزال المشروع السياسي لرجل الأعمال الشيخ بهاء الحريري عرضة لكثير من التكهن. تتوزع وجهات النظر بين من يقول أنه يرغب بأن يرث أخوه سياسياً، وبين من يقول بأنه يمثل إستمرار لمشروع والده رئيس الوزراء الراحل الشهيد رفيق الحريري وبين من يعتبره اخيرا” جزءا” من مشروع التطبيع القادم الى المنطقة.
في الكثير من التصريحات التي أطلقها منذ إنطلاق ثورة 17 تشرين وحتى اليوم، يؤكد بهاء أنه ليس له طموح سياسي، ولكنه يريد خدمة بلده من حيث يستطيع.
في إحدى هذه التصريحات يشدد على أنه ” من المستحيل على هذه الطبقة التي سقطت سياسياً وإقتصادياً وفشلت فشلاً ذريعاً في إيصال الخدمات للشعب اللبناني ” ان تستمر، بطبيعة الحال يحمل هذا الموقف الكثير من المواقف المتفرعة ليبقى السؤال الأبرز : هل لدى بهاء الحريري فرصة سياسية متكاملة؟.
مما لا شك فيه أن الظهور الإعلامي ولاحقا السياسي لبهاء بالتزامن مع إنطلاق الثورة إرتبط بإنهيار مشروعية الطبقة السياسية، وباستحالة إستدامة النموذج الإقتصادي الذي شكلته عبر العقود الاخيرة.
والواقع أن بهاء بات يمثل اليوم نقطة تقاطع رئيسية بين أمزجة داخلية ومصالح خارجية متعددة. في مقابل ذلك تبقى مشكلة الرئيس المكلف أنه كان ولا يزال يُشكل جزء أساسي من الطبقة السياسية المسؤولة عما وصل إليه البلد؛ بما في ذلك عقود من التفلت المالي والفساد وسيطرة المحسوبية، ونظام مجموعات المصالح الخاصة المتحكمة بموارد البلاد.
وفي هذا السياق مهما حاول الرئيس المكلف القول إنه سيكون مختلفاً، في حال قام بتشكيل ما يسميه “حكومه الكفاءات”، فإن ذلك سيبقيه عرضة للتشكيك والنقد وحتى الرفض، خصوصاً أن اللاعبين – الشركاء هم أنفسهم وقواعد اللعبة هي ذاتها وأساليب المعالجة ستبقى اسيرة المصالح المتكونة عبر الحكومات المتعاقبة.
وعلى الرغم من أن الأفرقاء والانصار المؤيدين للرئيس الحريري لا يرغبون بسماع أي إنتقاد له، خاصة من جانب التيار الوطني الحر أو رئيسه النائب جبران باسيل تحديداً، إلا أن هؤلاء على قناعة بأنه فشل في التعامل الحازم وباقل مستوى من التنازلات للطوائف والمحاور المقابلة، بل هم اصبحوا على يقين أن أخصامه – ومن خلال مناورات قوية جداً- نجحوا في تحويله إلى جزء من مشروعهم السياسي بارادته او مكرها”.
وهذا ما يحيلنا إلى خفايا المشهد السياسي اليوم، فقوة الرئيس الحريري هي في إستمرار السياسة الفرنسية في إعتماده كممر اجباري لسياساتها في لبنان، لكن التطورات السياسية بعد إنفجار الرابع من آب، ومساعي الدبلوماسية الفرنسية لتشكيل حكومة برئاسة السفير اديب ثم برئاسته أتت مخيبة للآمال. بمعنى اشمل حاولت الدبلوماسية الفرنسية الركون إلى نفس توازنات الطبقة السياسية القائمة في سعيها لإحداث تغيير كبير في المشهد اللبناني.
في المقابل يمتلك بهاء اليوم أوراق – “جواكر” عدة تعطيه أفضليتين:
– أن يفعل ما يفعله غيره بطريقة أفضل.
– أن يفعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله.
وهذه” الجواكر” يمكن تكثيفها كما يلي :
- الرجل غير متورط بأي شكل من الأشكال بكل موبقات السلطة في لبنان، وهذا أمر لا ينطبق على أي من المرشحين المحتملين المقبولين في البيئة السنية بمختلف تشكيلاتها بمن فيهم الرئيس الحريري .
- الرجل يتمتع بشبكة علاقات خليجية وإسلامية ودولية، يمكن أن تسهم ايجابا” في التعامل مع الحظر الخليجي على لبنان وعلى شخص الرئيس الحريري ضمنا”.
- الرجل هو شخصية أعمال ناجحة، يتوافق مع المواصفات الأساسية المفترضة للحكومة المقبلة ولرئيسها وهي الإختصاص، ويمكن أن يسقط حجة النائب جبران باسيل بعدم الأهلية الإختصاصية لسعد الحريري.
- الرجل يمكن أن يحظى بثقة الفريق المسيحي من قوى ١٤ آذار وخصوصاً القوات اللبنانية، بما يسمح بإنتاج حكومة لا تخضع للأكثرية النيابية ثقةً وتشكيلاً، كما يمكن أن تحظى بتغطية الفريق الجنبلاطي. حكومة كهذه يمكن ان تتجاوز قطوع العقوبات الاميركية المحتملة في حال تشكيل حكومة تتحكم بها قوى الثامن من اذار ورئيس الجمهورية.
- الرجل قادر على المواجهة السياسية بالضبط لكونه غير متورط، وبالتالي يمكن أن يلعب دور “بونابارتي” فوق التوازنات والمصالح المنتاقضة للطوائف والأطراف المختلفة.
يبعث أكثر من فريق معارض للحريرية داخل وخارج لبنان رسائل غزل متواترة لبهاء الحريري. قد يكون ذلك من باب إبتزاز الرئيس المكلف وتيار المستقبل، ولكن يعني أيضاً أن بعض هؤلاء قد يكون لديه الإستعداد والرغبة للانفتاح على خيار بهاء كمخرج محتمل من مازق مستعصي.
العقدة الاساسية التي تقف بوجه بهاء الحريري لن تكون لدى فريق رئيس الجمهورية ولا في بيئة تيار المستقبل ( رغم قوة هاتين العقدتين) ولكن لدى حزب الله تحديدا”، الهمة على عاتق التطورات الاقليمية والمهمة ستكون مرة جديدة على عاتق الرئيس نبيه بري حامل مفاتيح “مغارة علي بابا”. بري غطى الرئيس الحريري حتى برصيده الشخصي، ولكن ماذا لو وصل الاخير ومعه الطبفة السياسية إلى الطريق المسدود؟
اسلوب بهاء اليوم ييستند إلى الإعلام والنخب الضيقة ( خاصة بعد التباعد مع المنتديات التي يرأسها المحامي نبيل الحلبي والتي تنافس تيار المستقبل في بيئته ومناطقه ). يشبه في ذلك مقاربة والده الشهيد لكن بدون المؤسسات الاجتماعية، الفارق أن والده إستند إلى مشروع تسوية عربية – إسرائيلية والى حقيقة توافق عربي – عربي. فهل نتجه إلى أجواء شبيهة في المنطقة؟
في حال فشل تشكيل حكومة برئاسة الرئيس الحريري بعد استلام الرئيس الاميركي المنتخب بايدن مقاليد الحكم واستمرار اسنتكاف القوات اللبنانية وتصلب فريق رئيس الجمهورية، سوف يكون من مصلحة الرئيس الحريري العودة إلى تياره، بعد أن تهشم هو، وتهمش تياره، وتلك قاعدة منطقية للقسمة الجديدة في البيت الحريري : “سعد إلى التيار والكتلة النيابية وبهاء المرشح “الطبيعي” لرئاسة الحكومة”.
هذا سيناريو ممكن من سيناريوهات قليلة ما زالت ممكنة…والله خير العارفين.