لافروف يستثمر بالوقت الضائع الاميركي في الخليج وهذا ما ناقشه مع الحريري
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لماذا جاء سيرغي لافروف الى ثلاث دول خليجيه هي في الواقع من اخلص حلفاء الولايات المتحده في الشرق الاوسط؟ قد لا يكون السؤال ذات اهميه استثنائيه خاصه انه ياتي بعد عام تقريبا من زيارة مماثله قام بها لافروف الى منطقه الشرق الاوسط، لكن هناك مستجدا قويان حصلا بين الزيارتين:
-الاول هو تغير الادارة الامريكيه ومحاولة الرئيس الجديد جوزف بايدن انجاح محادثات العودة الى الاتفاق النووي مع الجمهوريه الاسلامية في ايران.
-الثاني هو الحلف الناشئ الذي يتفق اصطلاحا” على تسميته التحالف العربي السني الاسرائيلي بعد توقيع اتفاقات ابراهام.
الخلاصه الاولى هي ان لافروف اراد القول “اننا ايضا جزء من اي اتفاق قد يحصل بين الولايات المتحده وايران، ونحن ايضا جزء من اداره المنطقه في حال حصل هذا الاتفاق ام لم يحصل”.
روسيا هي تقريبا صديقة جميع الدول الاقليميه من اسرائيل الى دول الخليج العربي الى ايران وتركيا (التي التقى لافروف وزير خارجيتها ايضا” في الامارات). لقد تعمقت العلاقات التجاريه لدول الخليج مع روسيا وهي زادت بما يقرب من 80 بالمئه فقط خلال العام الماضي. طبعا تحصل هذه الزيارة ايضا بعد اربع تحليقات كبرى لقاذفات بي 52 الاستراتيجية الاميركية فوق المنطقة: اثنتين منهما نفذتهما اداره الرئيس ترامب، لكن الاثنين الاخيرتين تولتهما مؤخرا اداره الرئيس بايدن، بما يوحي ان ايران والولايات المتحده قد لا تكونان قريبتان من العوده الى الاتفاق النووي، ان بصيغته السابقه او باي صيغة جديدة تستند الى موازين قوى جديدة او للاستجابة لمخاوف جديدة للولايات المتحده وحلفائها.
لقد كانت روسيا دائما قويه بقدر ما يكون حلفاءها واخصامها في ازمة على السواء! وهي دائما استفادت من الازمات الجيوسياسيه من اجل تسويق نفسها كوسيط عادل كما كشريك تجاري وشريك في ازمات الصحه العامه والبنيه التحتيه والفضاء ومكافحه الارهاب. ولا يمكن النظر الى هذه الزياره خارج الاطر المذكورة اعلاه، اي تزاوج الحاجة الجيوستراتيجية لروسيا وحاجة روسيا الى توسيع شركتها الاقتصاديه والامنيه في المنطقة.
للمزيد حول الاستراتيجية الروسية في الشرق الاوسط اقرأ على الموقع
روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تعرف الاداره الامريكية جيدا، لكنهما الدولتين العظميين التين تختزنان اليوم ما يزيد على مئة عام من تحليل بيانات اوضاع بعضهما البعض. وتعرف روسيا ايضا عن كثب وعن خبرة الصديق والحليف الاداره الايرانية، وتدرك ان حسابات الطرفين الاميركي والايراني اليوم بالنسبه لاي تسويه محتملة ورؤاهم حولها لا زالتا بعيدتان جدا” عن انتاج اتفاق مقنع للطرفين. لكن روسيا تخشى من توسع الحلف الخليجي الاسرائيلي بما قد يؤدي الى مخاطرات جيوستراتيجيه غير محسوبه العواقب وهذا ياتي في صلب المناقشات التي حدثت في هذه الزيارة.
على العكس تطرح روسيا خدماتها على دول الخليج بصفتها مالكة مفاتيح التسويات الجزئية: وسيط قوي مع النظام السوري ودولة قادره على التدخل لتسويه النزاع في اليمن بطريقه لا تشكل تحديا” استراتيجيا” عميقا” لدول الخليج، وهذه القدره هي بلا شك اعظم من قدرة الولايات المتحده على التدخل لحل هذا النزاع من موقع الطرف. ان الصداقة القويه مع ايران والعلاقه الوديه بكافه اطراف النزاع اليمني تسمح اليوم لروسيا بصياغة مخارج مشرفة لجميع الاطراف وان كان ذلك قد يعني فقط نصف تسوية.
لقد كان واضحا ان سوريا قد اخذت جزءا كبيرا من المناقشات وهو ما برز في تصريحات وزير الخارجيه الاماراتي الذي اعتبر انه قد حان الوقت للعوده الى مسار عودة سوريا الى الجامعه العربيه، وهذا مؤشر كبير يجب متابعته من الان فصاعدا. يوحي ذلك ان روسيا قادره على لعب دور في عودة دول الخليج الى سوريا دون ان يكون ذلك على حساب الدور الايراني بل قد تكون سوريا هي اليوم احد عناصر الجذب في الاستراتيجية الروسية التي تسمح بتقارب ايراني خليجي.
طبعا لدول الخليج حسابات اخرى والتزامات اخرى، خاصة مع الولايات المتحده واسرائيل، لكن دول الخليج تخشى ايضا من غدر الولايات المتحدة وهذه ليست المرة الاولى التي يحصل فيها هذا الامر. في نفس الوقت لا تريد ان تكون اسيرة للاستراتيجية الاسرائيلية في المنطقة في حال تقدم المفاوضات الاميركية الايرانية على حساب حضور هذه الدول الجيوستراتيجي في المنطقة.
على الهامش كان الموضوع السوري هو الاساس في اللقاء الذي تم بين لافروف والرئيس المكلف لتشكيل الحكومة في لبنان سعد الحريري، ونفترض ان روسيا التي تدعم بقوة تكليف الحريري تشكيل الحكومه اللبنانية، تريد منه ايضا التزاما واضحا في مسالة الخطة الروسية لعوده النازحين والتزام بتبريد العلاقه مع سوريا. وربما يكون تصريح وزير الخارجيه الاماراتي بالامس احد البوابات التي يستطيع الحريري الاستناد لها لتحسين علاقاته مع سوريا في حال عاد الى رئاسه الحكومة.
كما قلنا دائما روسيا اليوم تمتلك افضليه استراتيجية في الشرق الاوسط كونها تقف في الوسط بصفتها دولة عظمى قادرة على التوسط في تسويات جزئية لا تستطيعها الولايات المتحدة. روسيا تعرف وتحترف دائما العمل في الوقت الضائع الامريكي لتمرير مصالحها الجيوستراتيجيه كما مصالحها الاقتصادية.