العرب وطريق الحرير: العالم العربي ثروة من الاحتمالات – سلسلة الطريق الشائك (1)
مقدمة الناشر: اذا كانت علاقة العرب بالصين تمتد خلفنا لالاف السنين، يغدو السؤال اليوم كم تحتاج الامتان اليوم لمضاعفة ما فعلتاه في الفي عام؟ لقد اختلفت علاقة الوقت بالتطور والتنمية منذ ادخال الميكانيكا الى الصناعة قبل قرون ثلاث من الزمن مع اختراع الالة البخارية في انكلترا. خلال القرنين الاخيرين تم تكثيف الزمن بشكل فائق، صعدت امم جديدة الى المسرح العالمي سندا" للتطور التكنولوجي وكنتيجة قد تجعل رواد الصناعة الاوائل في صدمة وحسرة تشبه في التاريخ حسرة الاقطاعي من المدينة. لقد كان للسنوات الاربعين الاخيرة، بشكل خاص، قوة في تقدم الانسان والعلوم تعادل كل الاعوام الثلاثماية التي سبقتها. كوفيد 19 بدوره اعاد تظهير قوة الامم من خلال الابحاث الهادفة لتطوير لقاح للوباء، وبذلك استقرت اربع امم على عرش العلوم. نجم الاربعين الماضية كان حضور الامة الصينية لا فقط في العلوم والتقدم، بل والاهم في نظرة جديدة الى علاقة الامة القادرة بالامم والدول الاقل حظوة. من يعيش في العالم العربي يعرف قوة ثقافة القهر التي تستوطن اعماق الانسان العربي تجاه الامم الكبرى من الاستعمار الاوروبي الى الصلف الاميركي الى السوفيات الذين ساهموا في تثبيت المنطقة كبوابة خلفية للصراع الدولي. ورغم الدعاية الغربية الخبيثة حول اوضاع المسلمين في منطقة شيجيانغ في الصين، يحافظ العرب على مشاعر ود عميقة تجاه الشعب والدولة الصينيين، وهذا ما يجب الاعتداد به لبناء المستقبل المشترك. انها المرة الاولى في التاريخ الحديث الملئ بالمهانة في علاقة الشعوب العربية بالامم الكبرى التي يمكن ان تؤسس الشراكة على قاعدة المشاعر ثم بعدها الاستثمارات والتكنولوجيا والحاجة الاقتصادية المتبادلة. يجيب المتداخلون في المحور الاول على السؤال التالي: بمعزل عن حاجة الصين للموارد الهيدروكربونية للمنطقة العربية، كيف تنظر الصين إلى العالم العربي؟ ( د. بيار الخوري).
المحور الأول: بمعزل عن حاجة الصين للموارد الهيدروكربونية للمنطقة العربية، كيف تنظر الصين إلى العالم العربي؟
سعادة سفير الصين لدى لبنان السيد وانغ كيجيان
العمل المشترك بثبات للمجتمع الصيني العربي لبناء المستقبل المشترك
تضرب الصداقة الصينية العربية بجذورها في أعماق التاريخ، وتتجدد مع مرور الزمان. وعلى مدى أكثر من الـ2000 سنة المنصرمة، ظل الجانبان الصيني والعربي يلتقيان للتجارة في طريق الحرير القديم ويشاركان في السراء والضراء في نضالهما من أجل الاستقلال الوطني والتحرير الشعبي، وتبادلا الدعم والمساعدة في مسيرة البناء الوطني لكلا الجانبين. وظل السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتدارس والتنافع والترابح عنوانا رئيسيا في التواصل بين الجانبين على رغم من التغيرات التي طرأت على الأوضاع الدولية والعقبات في الطريق.
تعتبر الصين والدول العربية شركاء طبيعيين في بناء ”الحزام والطريق“، لقد وقعت الصين وثائق التعاون بشأن بناء ”الحزام والطريق“ مع الجامعة العربية و19 دولة عربية بما فيها لبنان. وأكّد فخامة الرئيس شي جين بينغ فى كلمته التى ألقاها فى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في كانون الثاني عام 2016 أن ”يتعين علينا أن نتمسك بالمرحلة الحاسمة في السنوات الخمس القادمة للتشارك في بناء ’الحزام والطريق‘، وتحديد مفهوم عمل يتسم بأهمية السلام والإبداع والريادة والحوكمة والتمازج، بحيث نكون بانين للسلام في الشرق الأوسط، ودافعين لتنميتها، ومساهمين في تطوير صناعتها، وداعمين لتثبيت استقرارها، وشركاء في تعزيز تفاهم شعوبها.“
على مدار السنوات الخمس المنصرمة، ظل الجانبان الصيني والعربي يعملان يدا بيد على تعزيز البناء المشترك لـ”الحزام والطريق“ وتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في العصر الجديد ودفع بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، ملتزمين بالقواعد الذهبية المتمثلة في التشاور والتشارك والتقاسم ورؤية التعاون المتمثلة في الانفتاح والتسامح والشفافية، حيث ترسخت معادلة التعاون “3+2+1” المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي والبنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين ومجالات ذات تكنولوجيا متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق، وظهرت كثير من مشاريع التعاون النموذجية، منها قطار المشاعر المقدسة في السعودية الذي قامت بإنشائه الشركة الصينية المحدودة لإنشاء السكك الحديدية وهو أول مشروع السكك الحديدة الخفيفة في السعودية ولم يسجل المشروع أي حادث منذ تشغيله الأمر الذي نال إشادة واسعة من قبل المسلمين من جميع أنحاء العالم . وفي الإمارات، تم تسليم رسميا مشروع توسيع محطة الحاويات رقم 1 في ميناء خليفة بأبوظبي الذي قامت بتنفيذها شركة الصين لهندسة الموانئ مما سيقدم إسهاما كبيرا في نمو اقتصاد الإمارات وتنوعه. وفي قطر، ظهرت صورة إستاد لوسيل الملعب الرئيسي لكأس العالم 2022 الذي تم إنشاؤه على يد الشركة الصينية على الورقة النقدية الجديدة من فئة 10 ريالات. وفي تونس، تم إنشاء أول مركز “بايدو” لنظام الملاحة الصيني لتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية خارج الحدود الصينية ليشكّل منصة مفتوحة للتعاون بين الصين والدول العربية في مجال الملاحة الفضائية ورابطة جديدة بين الجانبين الصيني والعربي للتشارك في نتائج تطور التكنولوجيا المتقدمة والحديثة. وفي لبنان، بدأت الأشغال بشكل رسمي لمشروع المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى الجديد الممول من الحكومة الصينية الذي سيصبح مشروعا نموذجيا للعمل المشترك بين البلدين لبناء “الحزام والطريق” وتعزيز الصداقة بين الشعبين بعد إتمام إنشائه.
وفي الوقت نفسه، شهد التبادل الإنساني والثقافي الصيني العربي تعززا وتعمقا باستمرار، حيث تم إنشاء مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية و المركز الصيني العربي للصحافة، ويتقدم مشروع ترجمة الأعمال الكلاسيكية بين الصين والدول العربية بنشاط، وينعقد مؤتمر الصداقة الصينية العربية وندوة الحوار بين الحضارتين العربية والصينية وندوة التعاون الصيني العربي في مجال الإعلام وغيرها من نشاطات التبادل الإنساني والثقافي بانتظام.
في تموز عام 2020، اعتمدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي ”البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني العربي بين عامي 2020 -2022“، ورسمت خريطة الطريق لتعميق التعاون الصيني العربي في المرحلة المقبلة في المجلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية. وبالنسبة إلى التعاون الاقتصادي والتجاري الذي يهمّ الأصدقاء اللبنانيين كثيرا، فسيواصل الجانبان الصيني والعربي توفير قنوات التواصل بين رجال الأعمال والشركات للجانبين وتشجيع التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين من خلال المعرض الصيني الدولي للاستيراد والمعرض الصيني العربي ومؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب وغيرها من النشاطات التبادل، وتسريع عملية التفاوض والتنفيذ لإنشاء مناطق التجارة الحرة بين الصين والدول العربية ذات الصلة لدعم تحرير وتسهيل التجارة بين الصين والدول العربية، وتعزيز التعاون والتكامل بين الجانبين في مجال الإنترنت وتنمية الاقتصاد الرقمي وتشجيع شركات الاتصالات المعلوماتية للجانبين على تعزيز التواصل والتعاون، ومواصلة رفع مستوى خدمات الاتصالات المعلوماتية والتجارة الإلكترونية.
منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، شاركت الصين والدول العربية في السراء والضراء وتبادلت المساعدة والدعم، لتكون مثالاً بارزا للتعاون بين الدول في مكافحة الوباء ونموذجا حيا لممارسة بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك. قد تبرعت الدول العربية بأكثر من 10 ملايين كمامة وغيرها من الإمدادات الطبية المطلوبة بشكل عاجل إلى الصين. ومن جانبها، قدمت الصين إلى الدول العربية أكثر من مليون مجموعة اختبار وأكثر من 18 مليون كمامة، وأرسلت فرقًا طبية إلى 8 دول عربية. كما تم انعقاد أكثر من 40 اجتماعا افتراضيا بين الخبراء الصينيين والعرب عبر الفيديو لتبادل خبرات مكافحة الوباء، وشهد التعاون بين الصين والإمارات ومصر والمغرب والدول الأخرى في مجال اللقاحات تقدما سليما مستمرا.
على الرغم من تحديات الوباء الكبيرة والانكماش الاقتصادي العالمي العام، ظل التعاون القائم على المنفعة المتبادلة والربح المشترك بين الصين والدول العربية يتقدم بخطوات ثابتة والتعامل مع عوامل عدم اليقين بمناهج وسياسات ثابتة، فأصبحت العلاقات الصينية العربية مثالا للعلاقات بين الدول ونموذجا للتعاون بين الجنوب والجنوب. في النصف الأول من عام 2020، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 115 مليار دولار أمريكي، وحافظت الصين على المرتبة الأولى في الشركاء التجاريين للدول العربية. كما يتعاون الجانبان الصيني العربي في استئناف العمل والإنتاج ويواصلان التعاون في مجالات الصحافة والاعلام والإصلاح والتنمية ويتعمق تبادل الخبرات فيما بينهما في مجال الحوكمة والإدارة، مما يثري محتويات التعاون الصيني العربي باستمرار.
البروفسور دنيس ايتلر، استاذ وباحث انتربولوجي في جامعة كاليفورنيا باركلي في الولايات المتحدة الاميركية
بالنسبة للصين ، يمثل العالم العربي ثروة من الاحتمالات. على الرغم من أن الموارد الهيدروكربونية لا تزال مهمة لتغذية نمو الصين ، فإن التزامها بمستقبل خالٍ من الكربون وتوسعها في مصادر الطاقة البديلة يعني أن هذه الموارد الوقود في العالم العربي لن تلعب في النهاية الدور الحيوي الذي تلعبه اليوم.
الصين لا تخطط فقط لليوم وغدا. لها أهداف طويلة الأجل تمتد إلى المستقبل. وبالتالي ، يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من العلاقات الحالية ونسأل عن الأهمية الاستراتيجية للعالم العربي التي قد تحملها في العقود القادمة.
في حين أن سكان الصين ، وكذلك سكان العالم المتقدم اقتصاديًا ، يشيخون بسرعة ، هناك 300 مليون شاب عربي يدخلون القوى العاملة على مدار العشرين عامًا القادمة. يمكن لهذه القوة العاملة الهائلة أن تكون بمثابة جيش احتياطي من العمالة لتوظفه الشركات الصينية.
مع نضوج الاقتصاد الصيني ، ستهاجر الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة إلى البلدان التي تتمتع بميزة تنافسية للقوى العاملة الشابة المتعلمة جيدًا بحسب استعداد الحكومات للسماح للشركات الأجنبية بالدخول. هذا هو المسار الذي سلكته الصين عندما بدأت برنامج الإصلاح والانفتاح. يمكن تكرار ذلك في العالم العربي باستخدام رأس المال الصيني.
نتيجة لمبادرة الحزام والطريق، استثمرت الصين ما لا يقل عن 123 مليار دولار في الشرق الأوسط في المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك مشاريع الموانئ والبنية التحتية الرئيسية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وجيبوتي ومصر. كما وقعت الصين اتفاقيات الجيل الخامس للاتصالات مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
تنظر الصين إلى مصر كبوابة حيوية لكل من إفريقيا وأوروبا ، وقد ركزت الكثير من اهتمامها على الاستثمارات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. هذا ليس مفاجئًا، نظرًا لأن قناة السويس هي طريق الشحن الرئيسي للصين إلى أكبر أسواقها في أوروبا. تعد الصين الآن ثاني أهم مصدر للاستثمار الأجنبي المباشربطريقة “غرين فيلد” في مصر- وهو النوع الأكثر كثافة في خلق فرص العمل من الاستثمار الأجنبي -. استهدفت نصف استثمارات الصين في مصر منذ عام 2015 التصنيع من الكهرباء الاستهلاكية وقطع غيار السيارات إلى قطاع الأغذية والمشروبات.
بالإضافة إلى وظائف التصنيع التي تم توفيرها للمصريين ، ستخلق هذه الاستثمارات أيضًا مناصب إدارية وتسويقية، بالإضافة إلى دعم الأعمال المرتبطة بها بشكل غير مباشر. كما يتدفق السياح الصينيون إلى مصر بأعداد كبيرة، مما يعزز صناعة الضيافة التي توظف أكثر من مليون مصري.
في غضون ذلك ، تعهدت الشركات الصينية في المغرب بتقديم مليار دولار لتمويل مشروع الملك محمد السادس الرائد، مدينة طنجة التقنية. تم إطلاق المشروع في عام 2017 ، إذا بدأ المشروع يؤتي ثماره، فسيخلق فرص عمل تشتد الحاجة إليها في قطاع التكنولوجيا.
في الجزائر، ركزت الاستثمارات الصينية على البناء والإسكان والطاقة، وانتقل تدفق مستمر من المواطنين الصينيين إلى الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، مما أدى إلى إنشاء “حي صيني” كبير في العاصمة الجزائر.
يمكن ملاحظة أن الصين تنظر إلى العالم العربي على أنه محور رئيسي لمبادرة الحزام والطريق التي تربط الصين بأفريقيا وأوروبا، ولكن أيضًا كوجهة رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر الذي سيعزز الإنتاج المحلي والتوظيف ويوسع نطاق سوق الصين بالإضافة إلى زيادة دبلوماسيتها والقوة والتأثير الاستراتيجي في المنطقة.
السيد قاسم طفيلي، رئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية
على رغم الاهمية المتزايدة والتعاون (الذي تطور مع الوقت ليصبح حاجة ومنفعة استراتيجية مشتركة) في مجالات الطاقة على اختلاف مصادرها من نفط وغاز وغيرها فان العلاقات العربية الصينية او نظرة الصين للعلاقة مع العالم العربي تتصل بمدارات أكثر شمولا” وعمقا”.
تعتبر الصين صائبة ان الروابط التاريخية التي بدأت منذ الأف السنين تشكل أرضية جيدة وصلبة للسعي لاستمرار تطوير هذه العلاقات على أسس عملانية ومستدامة. ولا يخفى على أي متابع او منخرط في هذا المجال ملاحظة جملة مبادىْ ومبادرات عملية تشكل ثوابت واضحة حول كيف تنظر الصين الى العالم العربي بشكل عام, وكيف ان تتعاطى الصين معه بشكل يختلف جذريا” عما خلفه الاستعمار القديم والجديد اجهاضا” للتنمية وفرص التطور بإغراق المنطقة بالفوضى والحروب وممارسة النهب المتمادي لموارها المالية والطبيعية.
لقد كان بالغ الدلالة ان يختار الرئيس الصيني شي جين بنغ عنوانا” لأحدى كلماته عندما دعا لتطوير “روح طريق الحرير وتعميق التعاون الصيني-العربي”. ان التبادل والتفاعل الحضاريين بين الشعبين الصيني والعربي من خلال طريق الحرير البري وطريق البخور البحري القديمين يجعل الشعب العربي شريكا” طبيعيا” في اطار مبادرة الحزام والطريق. بل اننا نكاد القول ان الصين عندما اطلقت هذه المبادرة كانت تدرك ان العالم العربي سوف يكون من أوائل المتحمسين وربما المستفيدين من هذا المشروع التاريخي.
واذا كان تحقيق ونشر التنمية المشتركة في صلب اهداف مبادرة الحزام والطريق فان العالم العربي يمثل بالنسبة الى الصين مجالا” حيويا” حيث عملت وتعمل الصين على اقران اقوالها بالأفعال من خلال تنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع التنموية المشتركة خصوصا” مشاريع البنى التحتية مع معظم الدول العربية كل حسب أولوياته وتماشيا” مع خصوصيات كل بلد وحسب درجة اهتمام ومستوى تطور كل دولة عربية ما تحرص الصين بالالتزام به.
وعلى رغم ان الاستفادة المتبادلة في مجال الطاقة التقليدية سوف تكون عنصرا” أساسيا” في هذه العلاقة للسنوات القادمة فمن الواضح أيضا” انه وفي اطار التخطيط الطويل الأمد الذي تمتاز به الصين حين تخطط لتقليص اعتمادها على النفط والغاز لصالح الطاقة البديلة, فان الصين تضع في حساباتها ان العالم العربي سوف يمتاز بتوفر المئات من الملايين من الطاقات البشرية الشابة خلال العقود القادمة. أن هذه الميزة سوف تشكل بنظر الصين فرصة تاريخية للتنمية المشتركة يجب الاستفادة منها. ان الصين لديها مصلحة في مساعدة الدول العربية لتعزيز صناعاتها ولدفع التنمية الاقتصادية في العالم العربي وهو امر يرتبط في جانب منه بخطط الصين بفتح أسواقها اكثر واكثر و هو ما يشكل فرصة مهمة امام الشباب العربي اذا تمت الاستفادة منها من قبل دولهم وانظمتهم.
ومن دون الدخول في تبيان ارقام الاستثمارات الصينية والعربية المتبادلة خلال السنوات العشر الماضية, نستطيع تأكيد المسار التصاعدي لهذه الاستثمارات التي تشير في نفس الوقت الى الفرص الكبيرة الكامنة الواعدة. أن الاستعداد الصيني الذي اقترن بتنفيذ وافتتاح عدد من المشاريع الإنتاجية المشتركة بما فيها المدن الصناعية من مصر الى عمان الى المغرب قد فتح عهدا” جديدا” من التطور المطرد الذي لا يمكن إيقافه رغم محاولات التشكيك. لقد قدمت مرة أخرى نموذجا” للتعاون المتكافئ بين الدول وهي يشكل نقيضا” للنموذج الغربي الأحادي الجانب.
وهو امر ينسحب على المواقف المبدئية للصين حيث ان القيادة الصينية لا تترك اية فرصة لإثبات نهجها القائم على تحقيق حياة افضل للشعب الصيني وشعوب البلدان الأخرى. لذلك راينا الصين تؤيد وتدعم منذ عشرات السنين الحقوق العربية لاسيما حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة “ذات سيادة على أساس حدود عام 1967, مع اتخاذ القدس الشرقية كعاصمة لها”. كما ان الصين عارضت التدخلات والحروب المتنقلة على امتداد الخارطة العربية وعارضت الاستخدام المباشر وغير المباشر للإرهاب عبر بعض الساحات العربية.
الصين مهتمة في ان تتوفر الظروف السلمية لتنمية العالم العربي والتخلص من الحروب المدمرة التي يشجع عليها بعض الدول ويرعاها. واذا كانت الصين تكرر دوما” انها ليست في صدد تصدير تجربتها الناجحة ولكنها فتحت المجال للاستفادة من هذه التجربة على كافة الأصعدة وخصوصا” في مجالات الحوكمة والانماء وتطوير الهياكل التجارية والاستثمارية. كذلك فان الصين قد التزمت بتشجيع شركاتها ومؤسساتها الائتمانية للاستثمار في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والزراعة والتصنيع والتجارة الالكترونية والخدمات اللوجستية.
السيد محمود ريا، ناشر منصة الصين بعيون عربية
تثير مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري التي أطلقها الرئيس الصيني شي جنبينغ عام 2012 الكثير من الآمال ببناء جسر اقتصادي يربط أطراف الكرة الأرضية بشكل متكافئ ومتوازن، بعيداً عن الهيمنة التي تحملها روح الغطرسة الناجمة عن العولمة الاستغلالية السائدة.
تعد مبادرة الحزام والطريق واحدة من أهم الرافعات الاقتصادية التي طُرحت خلال العقود الماضية، وهي تلعب دوراً كبيراً في تعزيز نمو الاقتصاد العالمي وفي دفعه نحو الخروج من العثرات الكثيرة التي وقع فيها.
ويأتي الاهتمام العالمي بهذه المبادرة كدليل على أهميتها، ولذلك نجد أن أكثر من مئة دولة ومنظمة في أنحاء العالم وقّعت على اتفاقيات ومعاهدات تتعلق بالمبادرة أو بمشاريع متفرعة عنها، وهذا يدل على نظرة مستقبلية لدى هذه الدول لأهمية ما سينتج عنها، ولما وفرته وستوفره من إنجازات لتطوير الاقتصادات المحلية والإقليمية، ولاقتصاد العالم بشكل عام.
واللافت أن الدول الموقعة على الاتفاقيات لا تقتصر على تلك التي تمر بها مسارات طريقي الحرير البري والبحري، وإنما تشمل دولاً أخرى بعيدة نسبياً، كدول في وسط أفريقيا وجنوب أميركا، على سبيل المثال. وهذا يعني أن هذه الدول تفهم ما يعنيه الانخراط في هذه العملية الاقتصادية الشاملة التي اقترحتها الصين، والتي تعمل على تثبيت أهميتها في مختلف المجالات.
العرب والمبادرة: ونحن في عالمنا العربي هنا، نلاحظ أن الكثير من الدول وقعت أيضاً اتفاقيات الانضمام إلى المبادرة أو إلى مشاريع متعلقة بها، وهذا يدل على وعي متنامٍ لدى القيادات العربية بأهمية السعي للانخراط بشكل أكثر فاعلية في المبادرة والعمل على إنجاحها والسير في مندرجاتها، لأن هذا الانخراط سيحقق فوائد كبرى للدول العربية وكذلك للدول الأخرى المرتبطة بالمبادرة، وعلى رأسها الصين بلا شك، كونها الدولة التي اقترحت المبادرة والتي أطلقتها والتي تمدها بالحماس وبالقدرة على الاستمرار، دون أن يعني ذلك أن الصين تقبل بوضعها في موقع القائد لهذه المبادرة والمهيمن عليها، وتعمل بشكل دائم على اعتبار أن كل الدول المشاركة في المبادرة هي دول متساوية في الأهمية ومتساوية في التأثير وذلك بحجم انخراطها في إنجاح المبادرة. وكما أن الدول العربية تدرك أهمية انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق فان الصين أيضا كدولة محورية في هذه المبادرة تدرك أهمية المنطقة العربية في المبادرة وتدرك أصلا أهمية المنطقة العربية بشكل عام ـ من خلال المبادرة ومن خلال غيرها ـ للصين وللاقتصاد العالمي بشكل عام وللجيوستراتيجيا العالمية.
وهنا يمكن تعداد بعض العناوين التي تظهر أسباب الاهتمام الصيني بالمنطقة العربية، ومن أهمها طبعا حجم كميات النفط والغاز الموجودة في المنطقة العربية والتي تشكل المحرك الأساس للاقتصاد العالمي وعلى رأسه الاقتصاد الصيني، إذ تستورد الصين كميات ضخمة جداً من البترول والغاز من المنطقة العربية. ولذلك تحاول الصين الحفاظ على هذه التدفقات بشكل مستمر ومستدام ودون أي انقطاع أو أي تهديد، وهذا يتطلب علاقات قوية جداً مع الدول العربية.
إلا أن النفط ليس وحده هو السبب الأساسي لاهتمام الصين بالمنطقة العربية ، بل هناك أسباب أخرى عديدة يمكن إيرادها على الشكل التالي:
ـ هناك مثلا الحديث عن الموقع الجيوستراتيجي للمنطقة العربية في قلب العالم. ولا شك أن من يريد أن يكون له وجود وتأثير معنوي ومادي على مستوى العالم لا بد أن يكون له حضور قوي وفعال في المنطقة العربية. ونحن شاهدنا هذا الاهتمام الصيني بالمنطقة العربية من خلال مشاركة الصين في معالجة الكثير من القضايا في منطقتنا وهنا نذكر على سبيل المثال الدور الصيني المستمر في الحديث عن القضية الفلسطينية والموقف الصيني الصلب في هذا المجال، بحيث أنها تؤيد الحقوق العربية في فلسطين وفي سوريا وفي لبنان وحتى في مصر وتؤيد المبادرة العربية للسلام، في وقت أن الكثير من الدول ـ حتى الدول العربية ـ تخلت عنها أو أنها أهملتها. وتؤيد الصين قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وتؤكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي بشكل فوري من الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية وفي غزة وكذلك في الجولان وفي جنوب لبنان وفي غيرها من المناطق، وهذا يدل على أن الصين تعطي الموقف العربي الكثير من اهتمامها. هناك أيضا الموقف الصيني في سوريا، والذي كان مخالفاً إلى حد ما لموقف بعض الدول العربية، ولكنه كان موقفاً منطلقاً من المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الصينية وللرؤية الصينية للعالم، وعلى رأسها مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والبحث عن السلام. وهذا يدل على أن الصين تعطي المنطقة أهمية إستراتيجية كبيرة، وتركز عليها.
ـ كذلك من أسباب الاهتمام الصيني في المنطقة كون المنطقة هي الممر الطبيعي للواردات إلى الصين وللصادرات منها، حيث أن المنطقة فيها الممرات البحرية الأساسية على مستوى العالم كباب المندب وقناة السويس ومضيق هرمز. وهذه البوابات الإستراتيجية والمهمة على مستوى العالم هي بوابات لا يمكن لأي دولة في العالم الاستغناء عنها، وبالطبع لدولة كبيرة جدا كالصين.
ـ وكذلك يمكن الحديث عن أسباب أخرى للاهتمام الصيني بمنطقتنا، مثل السوق الإستهلاكية الكبيرة التي تملكها الدول العربية، وخاصة الدول الغنية والدول الكثيفة السكان كالسعودية مثلا ومصر والخليج ودول المغرب العربي وحتى دول بلاد الشام. وهذه الأسواق مهمة جدا للصادرات الصينية وللتعاون الاقتصادي الصيني مع هذه الدول لتصريف المنتجات الصينية بشكل كبير.
ـ كذلك تسعى الصين إلى المساهمة في تأسيس بنى تحتية والحصول على عطاءات ومناقصات وعلى إتفاقيات لبناء هذه البنى الضخمة في هذه الدول، ما يتطلب علاقات قوية ومهمة مع دول هذه المنطقة وهذا ما تعمل عليه الصين.
ـ كذلك هناك بناء المصانع وليس فقط البنى التحتية المعروفة. فالصين مستعدة لبناء بنية صناعية واسعة ولذلك نشهد رغبة صينية كبيرة في تصدير المصانع، وليس فقط تصدير البضائع إلى الدول العربية. وهناك الكثير من التجارب المهمة في هذا المجال، وخاصة في الجزائر مثلاً وفي العراق وفي بعض الدول العربية الأخرى.
ـ وهناك أيضاً مجالات أخرى للتعاون والتي تعتبرها الصين فرصة كبيرة في تعاملها مع الدول العربية كالصناعة التكنولوجية مثلا ، أو بناء شبكات الجيل الخامس وشبكات الإتصالات الحديثة. وكذلك يمكن ذكر الصناعة الفضائية وفيها الكثير من البنود التي يمكن إدراجها في هذا المجال مثل التعاون في بناء الأقمار الصناعية وفي إرسال رواد الفضاء إلى الفضاء، وكذلك الاستفادة من نظام بايدو للملاحة الفضائية، وهو نظام بدأ يأخذ مكانه الكبير على خارطة أنظمة الملاحة العالمية، وهناك إتفاقيات وقعت بين بين جامعة الدول العربية وبين الدول العربية منفردة من جهة وبين الصين من جهة أخرى للاستفادة من خدمات هذا النظام.
ـ ولا يمكن أن ننسى أيضاً في هذا المجال التعاون الزراعي، حيث أن الدول العربية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن إستغلالها لبناء مشاريع زراعية عملاقة كالسودان مثلا والعراق والجزائر والمغرب وحتى مصر ودول بلاد الشام. وهذه المساحات تشكل فرصة للصين لتطوير بنية زراعية مهمة جداً تفيد الصين والدول العربية معاً، وخاصة أن الأراضي الصالحة للزراعة في الصين محدودة مقارنة بحجم البلد وبعدد السكان. وكذلك يمكن أن تشكل الدول العربية متنفساً مهماً لهذا الاختناق الزراعي الصيني وفرصة لبناء تعاون مهم جدا في هذا المجال.
الخميس 18 اذار (مارس) 2021 يجيب المداخلون على سؤال المحور الثاني:
المنطقة مستقطبة بشدة بين القوى الإقليمية الثلاث ايران وتركيا وإسرائيل بما يعكس استقطاب دولي اوسع كيف يؤثر ذلك في الجزء العربي من مبادرة الحزام والطريق؟