تستعرض هذه المقالة وفقًا لتجربة الدول المُتقدّمة والأوروبية (الفرنسية) تحديدًا، الأدلة العلمية على وجود فوائد مُتعدّد لإعادة التأهيل القلبي، الدليل العلمي لآثار مُمارسة الرياضة البدنية على القلب والأوعية الدموية، الأدلة العلمية للفوائد على المكوّنات والمستويات الأخرى، أنواع وطرق تنظيم برامج إعادة التأهيل القلبي في الدول المتقدمة-مع أخذ فرنسا نموذجًا-، وعلى ان ننهي هذه العرض بطرح بعض الأسئلة المُعلّقة والآفاق المستقبلية لهكذا برامج.
وفي معرض كل ذلك لا بدّ لنا من القول وبكل أسف انّ لبنان كان يفتقر قبل ازمته الخطيرة الحالية لمثل هكذا برامج، بحيث لم يكن يوجد اي مركز من هذا النوع لتقديم هذا النوع من الخدمات والبرامج للمواطنين اللبنانيين، ولذلك فإن اهمية ما سنعرضه تستدعي التفكير بسرعة وعلى اعلى المستويات في تنظيم هكذا برامج وإفتتاح مراكز لإعادة تأهيل القلب في مختلف المناطق والمحافظات اللبنانية فور الخروج من الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة التي نعاني منها، والتي ادّت الى تدهو كبير في حالة القطاع الصحي والإستشفائي، بخاصةً بعد ان نتعرّف ما لهذه البرامج من فوائد صحية، نفسية، إجتماعية وإقتصادية عند المرضى الذين يتعرّضون لأنواع مختلفة من الأزمات القلبية. فهذا مطلب برسم كل من يعنيهم الأمر فور بدء عملية الإنقاذ والخلاص الوطني والخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيها اليوم ويجب وضعه كأولوية في اية خطة لتعافي القطاع الصحي والإستشفائي.
١-مُقدّمة:
لا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية هي الأسباب الرئيسية للوفاة في الدول المتقدمة وفي معظم البلاد النامية، وكذلك في لبنان رغم كونه اصبح حاليًا من اكثر الدول فقرًا وتراجعًا وإهتمامًا بالشؤون الصحية لمواطنيه بعد الإنهيار الإقتصادي الكبير والأزمات المُتتالية التي تعصف به منذ حوالي 3 سنوات. ومن المهم جدًا إذًا علاج هذه الأمراض والوقاية منها ومنع تكرار اعراضها في المستقبل. وتحتاج جميع أمراض القلب تقريبًا إلى برنامج إعادة تأهيل في فترة معينة من تطوّرها خاصةً بعد الأزمات الحادّة والخطيرة التي تترك تأثيرات جسدية، نفسية وعاطفية كبيرة على المريض.
وتهدف إعادة التأهيل القلبي إلى نقل الأفراد المُصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية من حالة التعب والإرهاق والقلق والتوتر وعدم الثقة، بالنفس إلى أفضل المستويات الجسدية والذهنية والعاطفية والاجتماعية والمهنية. ويتمّ ذلك عادةً من خلال برنامج إعادة تأهيل القلب، الذي نحاول من خلاله التأكّد من أن المريض يستطيع مُواصلة حياته بعد الصدمة الكبيرة التي تعرّض لها بعد اية ازمة قلبية مهمة بنشاط وحيوية على كل المستويات على الرغم من تداعيات مرضه الحالي الذي ادّى الى تدهور كبير في نوعية حياته والتي نسعى الى تحسينها من خلال هذه البرامج.
ويستفيد من هذه البرامج معظم المرضى الذين تعرّضوا حديثًا لأزمات قلبية حادّة مثل الذبحات القلبية الخطيرة، او الذين خضعوا لجراحات قلبية من اجل زرع شرايين ابهرية-تاجية، او لتغيير صمامات القلب او جراحة إصلاح التشوّهات الخلقية للقلب عند البالغين، جراحة الشريان الأبهر وغيره من الشرايين المهمة. كذلك يستفيد منها المرضى الذين تعرّضوا لحالة موت قلبي مُفاجئ (سكتة قلبية)، او لحالات قلبية أخرى مثل عدم إنتظام خطير في ضربات القلب واخيرًا المرضى الذين لديهم عوامل خطورة قوية للإصابة بأمراض القلب والشرايين مثل المرضى الذين لديهم بدانة كبيرة مع ارتفاع في الضغط الشرياني، داء السكري، إرتفاع الدهنيات في الدم وغيرها.
ويُشرف على إعادة تأهيل القلب فريق عمل يتألّف من خبراء الطب الطبيعي وإعادة التأهيل وأطباء القلب وأخصائيي العلاج الطبيعي (المعالجين الفيزيائيين) وأخصائيي التغذية والممرضات ومشرفين مُتخصّصين في الطب النفسي ومرشدين إجتماعيين وغيرهم. وأثناء التخطيط للبرنامج، يتمّ إبلاغ المريض أولًا بمرضه، ويتم تقييم حالته الصحية بالتفصيل، ويتمّ تحديد عوامل الخطر المُتعلّقة بأمراض القلب والشرايين عنده، ويتمّ إجراء فحص الجهاز العضلي الهيكلي، وإجراء اختبار الجهد (التمرين) لتحديد القدرة على مُمارسة الرياضة. الهدف هو إنشاء وتنفيذ برنامج تمرين خاص بالمريض، مُناسب وفعّال وآمن.
ويعتمد هذا البرنامج على التقييم المُفصّل واختيار التمرين الذي يمكن إجراؤه في المستشفى والمنزل والصالة الرياضية، وفقًا لخصائص المريض وعمره وقوة عضلة القلب عنده وأمراضه المُصاحبة. ويتمّ فحص العلامات الحيوية (النبض، ضغط الدم، تشبع الدم بالأوكسيجين، مخطط كهربية القلب والمعطيات الدقيقة التي اظهرتها آخر صورة صوتية للقلب خضع لها المريض قبل خروجه من المستشفى بعد ازمته) والتنفس والإرهاق. ويتم إجراء فحص جهد اوّلي للقلب عند بداية البرنامج وفحص آخر في نهاية إعادة التأهيل على دراجة أو على جهاز المشي لقياس نسبة التحسّن واهمّيتها. ويتمّ كل ذلك تحت إشراف أخصائي علاج طبيعي من أجل تقوية عضلاته، حيث يتمّ إدخال المريض في برامج تمارين مُختلفة مثل طرق العلاج الطبيعي والتقوية والتوازن، وكذلك تمارين التنفس، برنامج تمارين في الماء، ويتمّ مُتابعته في البرنامج لمدة 3-5 أيام في الأسبوع.
ومع برنامج إعادة التأهيل القلبي، تزداد قدرة المريض على التحمّل، وتزداد سعة رئته، ويقل عنده التعب والشعور بالإرهاق، ويتحسّن تنفّسه، ويمكنه المشي لفترة أطول، ويصبح صعود السلالم عنده أكثر سهولة مع تقدّم مراحل البرنامج. ونتيجة لذلك، تتحسّن نوعية حياته، ويقلّ قلقه وتوتره، وينتظم نومه ويمكنه في الكثير من الحالات العودة إلى عمله في اسرع وقت مُمكن.
وعلى الرغم من أن مفهوم إعادة تأهيل القلب أصبح الآن قديمًا جدًا في الدول المُتقدّمة، إلا أن الأدلّة العلمية على فوائده أصبحت أكثر حداثة وهناك دراسات ومُعطيات ومُؤلّفات واسعة النطاق مُتاحة الآن لإثبات فوائد هذا العلاج بوضوح وبشكلٍ لا شك حوله. وتستفيد حاليًا إعادة التأهيل القلبي من التوصيات الدولية من الدرجة الأولى A المُستندة إلى “الطب المُسند بالأدلة”.
ومن المُؤكّد حاليًا ان إعادة تأهيل القلب تُؤدّي الى إنخفاض مُعدّل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 26٪، وحالات معاودة الدخول إلى المستشفى بنسبة 18٪ بعد الإصابة بذبحة قلبية حادّة.
٢-الأدلة العلمية على فوائد إعادة التأهيل القلبي:
تتعلّق أدلة الفائدة في المقام الأول بالمرضى. فهي تُحدث تأثيرات إيجابية على عوامل الخطر المُتمثّلة بالتدخين وإرتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري وإرتفاع الدهنيات والبدانة وقلّة التمارين الرياضية وغيرها، على كفاءة القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والعضلي، على الجهد وقدرات الإدارة الذاتية واخيرًا على نوعية الحياة بشكلٍ عام على قُدرات المريض على التنبؤ بالأحداث والمخاطر الجديدة وعلى مُستقبل المريض والمعدّل الوسطي للبقاء على قيد الحياة عنده بعد الازمة الأولى.
كذلك وهناك فوائد اخرى تعود على النُظم الصحية في البلاد التي تعتمد هكذا برامج. وهي ذات طبيعة اقتصادية-طبية، وغالبًا ما يتمّ تجاهلها، بما في ذلك من قبل السلطات الصحية في تلك البلاد ومن طرف صانعي القرار فيها. وتظهر اكثر الأدلّة على فوائد هذه البرامج من خلال الدراسات التي اهتمّت بمرضى الشرايين التاجية للقلب. وهي الدراسات الأوسع لأنها شملت اكبر عدد من المرضى ولأنها تمّت لفترات طويلة مع ظهور إنخفاض في مُعدّل وفيات القلب والأوعية الدموية بنسبة 26٪ وإنخفاض حالات معاودة الإستشفاء بنسبة 18٪ كما ذكرنا، بما في ذلك في الدراسات الحديثة في هذا المجال والتي تدمج الإدارة الحديثة لمشاكل الشرايين التاجية للقلب وللأزمات القلبية الحادة التي تنتج عنها Acute Coronary Syndrome: ACS) بواسطة إستعمال العلاجات بمضادات التخثّر الحديثة.
وتظهر هذه الفؤائد الحاسمة ايضًا في بيانات الحياة الواقعية؛ ففي فرنسا مثلًا، وجدت وصفة إعادة التأهيل القلبي في سجلات الأعوام 2005, 2010 و 2015 (FAST-MI :2005 ، 2010 ، 2015) إنخفاضًا في مُعدّل الوفيات بنسبة 28٪ لمدة عام واحد، وهو أكثر وضوحًا وترسّخًا عند المرضى المُعرّضين لخطر أعلى. وبالمثل وبصرف النظر عن حصول ازمة قلبية حادّة (ACS) او لا، فقد اظهرت برامج إعادة تأهيل القلب فوائد مهمة جدًا عند المرضى الذين يُعانون من مرض مُزمن في الشرايين التاجية للقلب عولجوا طبّيًا أو عن طريق عمليات توسيع الشرايين التاجية بالبالون والروسور او عبر جراحة الجسور الأبهرية-التاجية.
وقد ظهر من خلال دراسة جديدة ان المُكوّنات المُختلفة لإعادة تأهيل القلب عند مرضى الشرايين التاجية للقلب تشمل وبحسب الترتيب التنازلي للمراضة والوفيات التمارين البدنية، الرعاية النفسية للمرضى، تثقيف المريض والسيطرة على عوامل الخطر لديه، التغذية والمساعدة الاجتماعية.
اما عند المرضى الذين يعانون من قصور القلب فقد ظهر ان إعادة التأهيل القلبي تُؤدّي الى إنخفاض بنسبة 12 ٪ في مُعدّل الوفيات وإنخفاض في نسب معاودة الدخول الى المستشفى بمعدلات تتراوح بين 20 الى 30٪. ولوحظ ذلك بشكلٍ رئيسي عند المرضى الذين يُعانون من انخفاض الكسر القذفي ويعتمدون إلى حد كبير على الإمتثال للتدريب. ويتمّ ملاحظة التحسّن في قدرات التحمّل على الجهد عند هؤلاء المرضى وهو المُؤشّر الأساسي الذي يُحدّد مستقبلهم ويعطي فكرة اساسية عن المُعدّل الوسطي للبقاء على قيد الحياة عندهم، بإستمرار في الدراسات العشوائية أو في دراسات الحياة الواقعية التي يقوم بها الباحثون ويُصاحبها تحسّن كبير في نوعية الحياة.
اما بالنسبة للمرضى الذين يعانون من قصور القلب مع الكسر القذفي المحفوظ (Heart Failure with (Preserved Ejection Fraction، اي من دون إنخفاض في الكسر القذفي للقلب عندهم، فقد أظهرت الدراسات التجريبية تحسنًا في القدرة على ممارسة الرياضة والإمتلاء البطيني عندهم، وهناك دراستين عشوائيتين (Ex DHF وOptimEx-CLIN) قيد التنفيذ فيما يتعلّق بالتوقّعات والفوائد عن هؤلاء المرضى ومن المتوقّع ظهور نتائجها قريبًا جدًا.
هذا وتستفيد أمراض قلبية أخرى من إعادة التأهيل القلبي، لكن الأدلة العلمية أقل قوةً في هذه الحالات التي تشمل جراحة الصمامات، تسلّخ الأبهر، زراعة القلب، الأجهزة الميكانيكية لمساعدة البطين، أمراض القلب الخلقية.. إلخ.
٣-الدليل العلمي لآثار ممارسة الرياضة البدنية على القلب والأوعية الدموية:
يُمكن بكل بساطة إعتبار مفعول التمارين البدنية على جسم الإنسان كمفعول “حبة دوائية مُتعددة الفوائد والتأثيرات الإيجابية” لأن آثارها المُفيدة مهمة ليس فقط في مجال القلب والأوعية الدموية، ولكن أيضًا في مجال أمراض أخرى (امراض الأوعية الدموية والسرطانات والسكري وما إلى ذلك…).
ويتمّ تصنيف تأثيرات التمرين بشكل كلاسيكي في إجراءات على عوامل الخطر ، على القلب والأوعية (التاجية والمحيطية)، على الجهاز العصبي اللاإرادي الودّي واللا-ودّي، على الجهاز التنفسي والعضلي.
كذلك هناك التأثيرات الجديدة التي تمّت إضافتها مُؤخّرًا وهي تشمل فوائد وتأثيرات مُضادّة للإلتهابات، ومضادة للدنف (وهو حالة النحافة الشديدة الناتجة عن سوء التغذية)، حماية جينية او وراثية للنسل البشري وحتى فوائد مُضادة للشيخوخة.
أ-التأثير الإيجابي على عوامل الخطر القلبية الوعائية “الكلاسيكية”:
يُؤدّي تصحيح نمط الحياة من حياة فيها كسل وخمول الى حياة فيها حركة ونشاط مُستقرّين وزيادة النشاط البدني إلى تحسين القدرة على ممارسة الرياضة (يتمّ قياسها بواسطة ما يطلق عليه الأطباء مُؤشّر ال (Metabollic (Equivalent of the Task :MET من خلال اختبار تمرين القلب والرئة أو تقديرها بالواط (Watts)، ومدة الجهد، والسعرات الحرارية، وما إلى ذلك). ومع ذلك، تُعتبر القدرة البدنية أقوى علامة تنبُّئية عند مرضى القلب، كما هو الحال عند الأشخاص العاديين.
وهنا نشير الى ان المكافئ الأيضي للمهمة (MET) هو المقياس الموضوعي لنسبة المعدل الذي ينفق فيه الشخص الطاقة، بالنسبة إلى كتلة ذلك الشخص، أثناء أداء بعض النشاط البدني المُحدّد مقارنة بقيمه، تمّ تحديدها حسب الإتفاقية عند 3.5 مل من الأوكسيجين لكل كيلوغرام في الدقيقة، وهو ما يعادل تقريبًا الطاقة المُنفقة عند الجلوس بهدوء.
-ارتفاع ضغط الدم الشرياني: رغم ان الضغط الشرياني يرتفع بشكلٍ مُفرط أثناء المجهود، لكنه يجب أن تكون المُمارسة المُنتظمة للتمارين البدنية جزءًا من الترسانة العلاجية المُعتمدة لدينا لمُكافحة هذا المرض، مما يسمح بإنخفاض ضغط الدم الإنقباضي بمعدّل 5 ملم زئبق.
-مُتلازمة التمثيل الغذائي (الأيض) ومرض السكري: يمكن للتمارين البدنية (150 دقيقة على الأقل في الأسبوع بكثافة معتدلة إلى متوسطة) جنبًا إلى جنب مع نظام غذائي مُتوازن أن يُؤخّر ظهور مرض السكري. وعند مرضى السكري، من الضروري ضمان تحكّم أفضل في نسبة السكر في الدم عبر القيام بهكذا تمارين. كذلك يجب إطالة فترة التمرينات البدنية للمرضى الذين يُعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
-إرتفاع الدهنيات في الدم: إذا كانت العلاجات الدوائية هي الأكثر فاعلية في خفض مستويات كوليسترول البروتين الدهني مُنخفض الكثافة (LDL-cholesterol), فإن التمارين البدنية المُنتظمة فقط يمكنها أن تزيد بشكلٍ مُعتدل من مستويات كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL-cholesterol).
-التوتر: تمّ إثبات تأثيرات التمارين البدنية على القلق والاكتئاب بشكلٍ واضح عبر عدّة دراسات علمية لا شك حولها. هذه الفوائد الجمّة مُرتبطة بالتفاعلات المُعقدة التي تحدث بين المراكز العصبية المركزية (اللوزة) والجهاز العصبي اللا-إرادي (الذي يصل المركز بالقلب والأوعية الدموية) والأوعية الدموية (وخاصة مع البطانة الداخلية الموجودة في هذه الأوعية).
ب-التأثيرات الإيجابية على الأوعية الدموية:
يُعتبر ضعف بطانة الأوعية الدموية حجر الزاوية المُؤسس لمختلف أمراض القلب والأوعية الدموية. وهو موجود في كل من أمراض الشرايين التاجية للقلب وفشل القلب. ويؤدّي التمرين البدني إلى زيادة التوتر الذي يهدف لإحداث تشوّهات للمادة في غشاء الأوعية، وهذا ما يُؤثّر على المُستقبلات الميكانيكية البطانية ويُحفّز عمل انزيم يُدعى ال (NO synthase) (عن طريق الفسفرة ، والأستلة وآليات الاقتران / فك الاقتران). مما يُؤدّي بالتالي الى إنتاج مادة اول اوكسيد الآزوت او ال (NO) وإطلاقه محليًا. واول اوكسيد الآزوت هو مُوسّع وعائي قوي، ولكن مفعوله يبقى لمدة قصيرة فقط. ويترافق ذلك مع إنخفاض في إفرازات ال ROS (الجذور الحُرّة المُشتقة من الأوكسيجين).
علاوة على ذلك، فإن تنشيط اونزيم ال (NO synthase)، بالإقتران مع عامل زيادة ال (Vascular Endothelial Growth Factor : (VEGF ومواد اخرى تدعى ال (Metallo-proteases) ، يشارك أيضًا في تحفيز إنتاج نخاع الخلايا البطانية السلفية (الخلايا الوعائية المُنتشرة) المسؤولة عن”ترميم و إصلاح الجروح والأضرار التي تطال البطانة الداخلية للأوعية الدموية وخلق أوعية دموية جديدة طُرق امداد جديدة موازية وشعيرات شريانية جديدة)، وهذا ما يلعب دور اساسي وجوهري في تحسين حالة مرضى الشرايين التاجية للقلب وقصور القلب مع التمارين الرياضية.
ج-التأثير الإيجابي على الجهاز العصبي اللاإرادي:
يسمح التدريب البدني المُنتظم بتنظيم التوازن بين الجهازين العصبيين اللا-إراديين “الودّي” و”اللا-ودّي”، مما يُؤدّي إلى انخفاض معدل ضربات القلب أثناء الراحة وفي كل مستوى من الجهد. وبالتالي، فإن التمرين يُحسّن تغييرات وتقلّب نبض العقدة الأذينية الفيزيولوجية خلال الليل والنهار وعمل حساسات الضغط الموجودة في الجسم وبذلك يتمّ تقليل مخاطر حصول عدم انتظام خطير ضربات القلب في حالة الراحة واثناء الجهد، وهذا ما يؤدي الى تخفيف نسبة حالات الموت المفاجئ القلبي. والجدير ذكره ان تغييرات العقدة الجيبية خلال ال 24 ساعة هي عامل صحي وفيزيولوجي طبيعي له علاقة وثيقة بعمل الجهازين الودي واللا -ودي وبالتوازن الدقيق الموجود بين عمل هذين الجهازين، وبالتالي فإنّ إنخفاض تقلّب نبض العقدة الأذينية هو عامل خطر معروف لمراضة القلب والأوعية الدموية والوفيات.
د-التأثيرات الإيجابية على الجهاز التنفسي والعضلي:
على مستوى الجهاز التنفسي، يُمكن تلخيص الفوائد على أنها انخفاض في فرط التنفّس، وتحسين كفاءة التنفّس وزيادة قوة عضلات الجهاز التنفّسي عند القيام بأي جهد.
على المستوى العضلي، تعتمد التحسينات على نوع التدريب المقترح: تحسين القوة العضلية ولكن أيضًا قدرة التحمّل مع تعديلات ليس فقط في نوع الألياف العضلية ولكن أيضًا على أداء الميتوكوندريا (وهي تلعب دور مصانع او مفاعلات الطاقة داخل الخلايا كما نعرف)، مما يسمح بتحسين إستخراج الأوكسيجين وإستخدامه. وتتأثر أيضًا بعض الأنظمة التنظيمية للابتناء / الهدم في الخلايا العضلية مع التمارين الرياضية(نظام يوبيكويتين البروتيازومي) بالتمرين، مما يُقلّل من خطر الإصابة بالدنف.
ه-تأثيرات التمارين المضادة للإلتهابات:
إن الحدّ من علامات الإلتهاب في الدم (CRP، interleukins ،TNF) يُفسّر إلى حدّ كبير الآثار المُفيدة للتمارين في العديد من الأمراض المُزمنة، ليس فقط في حالة أمراض القلب والشرايين، ولكن أيضًا في أمراض التمثيل الغذائي (الأيض) والسرطانات.
و-آثار التمارين في الحماية الجينية او الوراثية للنسل البشري:
تدريجيًا، تُسلّط الأبحاث الضوء على ان ممارسة التمارين الرياضية تؤدي الى تعديل بعض أنواع الحمض النووي الريبي (منظمات وراثية لإنتاج البروتين) تُشارك في العديد من التكيفات في جسم الشخص الذي يقوم بهذه التمارين بما في ذلك تكوين الأوعية الدموية الجديدة والتكوين الحيوي للميتوكوندريا في الخلايا العضلية والتمايز العضلي والإمتثال البطيني. ويمكن أن تُفسّر الإستجابات المختلفة لأنواع مختلفة من تحفيز التمرين عند هذا الشخص او غيره تنوّع الاستجابات الفردية بين مختلف الأفراد الذين يتلقّون ذات التمارين.
٤-الأدلة العلمية للفوائد على المكوّنات والمستويات الأخرى:
إنّ فوائد إعادة تأهيل القلب لا تقتصر ابدًا على فوائد التدريب البدني رغم اهميته القصوى؛ ولكن بسبب تعدّد التخصّصات، فإنه يسمح أيضًا بالرعاية الشاملة للمرضى الذين يتابعون هكذا برامج. وبالتالي، يتمّ تجميع كل تلك الفوائد في نفس البرنامج وهي تشمل: التحسين العلاجي، بدء أو إستمرار التثقيف العلاجي حول المرض الذي يعاني منه المريض، اعراضه، تشخيصه وعلاجة، والمساعدة النفسية والاجتماعية اللذين لهما دور مركزي في مساعدة المريض الذي تعرّض لأزمة قلبية خطيرة خاصة، واخيرًا النصائح التي لها علاقة بالعودة إلى العمل بسبب اهمية ذلك لكل مريض تعرّض لهكذا عارض خطير لأن البعض قد يتأثرون بشكلٍ كبير وقد تتحوّل حياتهم كليًا او قد يحتاجون الى تغيير طبيعة عملهم اذا ما أصيبوا بقصور كبير في عضلة القلب مع اعراض مهمة.
وتكمن اهمية إعادة التأهيل لأنه يُتيح الوقت المُخصّص لكل مريض مع إمكانيات مُراقبة إعادة تأهيل القلب لكل فرد يُتابع البرنامج ويسمح بإمكانية تحسين العلاج وتخصيصه. ففي الواقع، وفيما يتعلّق تحديدًا بالعلاجات الدوائية، فإن تقييم كيفية التفاعل العام للمريض مع الأدوية في كل تفاصيل الحياة اليومية (الراحة، المجهود، وتيرة الحياة…) يسمح بالتخصيص وبزيادة او إنقاص الجرعات حسب الآثار الإيجابية وردّات الفعل السلبية على كل دواء، ويُحسّن بالتالي الإمتثال لتناول كل هذه الأدوية على المدى الطويل. وبهذه الطريقة يتمّ تسهيل تحديد جرعات الأدوية المُختلفة وفقًا للتوصيات الدولية من خلال المُراقبة الدقيقة.
ويُعتبر برنامج التثقيف العلاجي المُقدّم للمرضى بمثابة إلتزام تنظيمي ويخضع للمصادقة من قِبل السلطات الصحية العليا ومن الجهات الضامنة التي تتكفّل بإعتماد وبتغطية كلفة برامج إعادة تأهيل القلب. وبالنسبة للعديد من المرضى، وبعد الخروج من الأزمة الحادّة الحالية، فإنّ الأمر يتعلّق ببدء العملية التعليمية التي يُمكن أن تستمر بعد ذلك بشكلٍ مُزمن؛ وفي بعض الأحيان يتعلّق الأمر بتعزيز عمليات التثقيف والاستحواذ وتعميقها. وقد أظهر هذا النهج الفردي تحسُنًا في المعرفة والإمتثال السلوكي مع الآثار المفيدة على عوامل خطر امراض القلب والشرايين وفوائد كبيرة لمكافحة المرض والحدّ من إعادة الإستشفاء بعد التعرّض لذبحات قلبية حادّة او في حال دخول المستشفى بسبب قصور مُتقدّم في عضلة القلب.
أخيرًا، يبدو أن المُساعدة النفسية والاجتماعية ضرورية فيما يتعلّق بالآثار التنبُّئية على المديين المتوسط والبعيد للإضطرابات النفسية والمستوى الاجتماعي والاقتصادي. وعلى هذا النحو، تأتي الرعاية النفسية في المرتبة الثانية بعد التدريب البدني عند المرضى الذين يعانون من مشاكل في الشرايين التاجية للقلب. ويتمّ التعرّف على العودة السريعة إلى العمل كواحدة من المؤشرات الصحية الأساسية، ولذلك تقترح التوصيات الأوروبية الأخيرة تنظيم إعادة التأهيل القلبي للسماح بالتقييم الدائم والمستمرّ والمشورة للعودة إلى العمل في أفضل الظروف.
٥-أنواع وطرق تنظيم برامج إعادة التأهيل القلبي-فرنسا نموذجًا-:
تتوفّر حاليًا في الدول المُتقدّمة نماذج مُختلفة لإعادة التأهيل القلبي، ويتمّ تطويرها في بلدان مختلفة، اعتمادًا على إحتياجات المريض وأنظمة الرعاية الصحية. في الواقع، وعلى الرغم من التوصيات الدولية، فإن عددًا قليلًا جدًا من المرضى المُؤهلين للإستفادة من هذه البرامج لديهم إمكانية الحصول على إعادة التأهيل القلبي.
ففي فرنسا، يُمكن فقط لحوالي 30٪ من مرضى الذين تعرّضوا لذبحة قلبية حادّة، وأقل من 20٪ من مرضى قصور القلب الاستفادة من هذه الرعاية، وذلك طبعًا مع وجود تباينات إقليمية ومناطقية كبيرة بحسب التوزيع الجغرافي والكوادر البشرية المُؤهلة لإستقبال هكذا مرضى. ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص الأسرّة والأماكن التي تستوعبهم. ويجب قطعًا أن تُؤدّي هذه الملاحظة إلى مراجعة ممارسات وتوصيات السلطات الصحية الفرنسية، سواء في التقسيم المنهجي للإحتياجات عند كل مريض أو في تنظيم الرعاية المُتوافقة والمُناسبة مع حالة كل مريض. لذلك يبدو من المنطقي حجز “الإستشفاء الكامل” (اي إدخال المريض بشكل كامل الى قسم إعادة التأهيل لفترة معينة) للمرضى الذين يحتاجون إلى مراقبة دقيقة ومُشدّدة لأمراض القلب، وبالتالي تعزيز إدارة “العيادات الخارجية” في أسرع وقت مُمكن. ومن بين علاجات العيادات الخارجية يوجد ما يُسمّى ب”الإستشفاء النهاري” وهو النموذج المُفضّل في فرنسا مثلًا. وتُظهر نتائج سجلات (FAST-MI) أن هذه الطريقة تتقدّم بإستمرار منذ فترة. ويتمّ تقديم نماذج “إعادة التأهيل المنزلية” في بعض البلدان من خلال زيارات منزلية من قبل مُتخصّصين (مُمرضات مُتخصّصات في إعادة التأهيل وأخصائيي العلاج الفيزيائي….) أو من برامج مكتوبة تُعطى للمرضى، لكن هذه الطريقة لا تتلاءم كثيرًا مع المُتطلّبات الأساسية لل”مرحلة الثانية” لإعادة تأهيل القلب في فرنسا، وهي يُمكن أن تكون مُفيدة في “المرحلة الثالثة” فقط. من ناحية أخرى، فإن تطوير “إعادة التأهيل عن بعد” (Telemedecine)، عبر إعتماد وسائل المراقبة الحديثة مثل الفيديو والهاتف وغيرها.. كبديل أو كمُكمل (نموذج هجين) أو بعد إكمال المراحل الأولى من إعادة التأهيل ربما يكون واعدًا للغاية في هذا السياق. وتُظهر الدراسات المنشورة حتى الآن أن هذه البرامج (غالبًا المراقبة عن بُعد) مُمكنة، ومقبولة جيدًا من قِبل المرضى، وتبدو فعّالة على معايير القدرة على ممارسة الرياضة ونوعية الحياة. وفي فرنسا، هناك حاليًا العديد من البروتوكولات قيد التنفيذ أو مُخطط لها وينبغي أن تجعل من المُمكن تقييم كفاءتها قريبًا. ويبدو أن الدراسات القليلة التي قيّمت نسبة التكلفة إلى الفائدة مع إستعمال هكذا طُرق تُظهر فائدة لبرامج التطبيب عن بعد بعد إعادة التأهيل الكلاسيكية في المرحلة الثانية لإعادة التأهيل مع عدم وجود فرق في التكلفة عند مقارنة إعادة التأهيل الكلاسيكية بالمراقبة عن بعد (بإستثناء المناطق الريفية بسبب انخفاض تكاليف النقل). وليس هناك شك في أن التطورات التكنولوجية ستجعل من المُمكن تكييف بروتوكولات الإدارة المُختلفة من خلال تضمين المكونات المختلفة لإعادة تأهيل القلب.
٦-بعض الأسئلة المُعلّقة والآفاق المستقبلية لهكذا برامج:
إن البيانات المُتاحة حاليا تتعلّق بالسكان المُصنّفين وفقًا لأمراض القلب والشرايين لديهم. وتستحق مُساهمات إعادة التأهيل القلبي لكل منهم مزيدًا من الدراسة، ولا سيما بالنسبة للمجموعات السكانية الناشئة مثل أمراض القلب الخلقية لدى البالغين، أو الأنواع المُختلفة من قصور القلب، أو الأنواع الجديدة من العلاجات المُبتكرة.
وفيما يتعلّق بالتمرينات البدنية، هناك تباين بين الأفراد في الكفاءة لا يزال يتعيّن توضيحه: إنها مسألة تحديد الأنماط الظاهرية والأنماط الجينية للمرضى الذين سيكونون أكثر أو أقل تجاوبًا مع إعادة التأهيل القلبي لأن غير المستجيبين مع إعادة التأهيل يرتبطون بتوقّعات أسوأ. ففي الواقع إن الإستجابة لأنواع مُختلفة من التدريب فيما يتعلّق بحالات الدورة الدموية والجهاز التنفسي والعضلي، وأيضًا حالة التمثيل الغذائي، تحسن مكافحة الإلتهابات والأمراض المناعية وتحسين الحالة الجينية او الوراثية تُعتبر كلها سبل حالية للبحث والتمحيض والتدقيق بهدف تحسين المؤشرات والفوائد من إعادة التأهيل القلبي.
أخيرًا، يجب أن يكون تطوير إستخدام “البيانات الضخمة” والمعطيات والنتائج والدراسات المختلفة الجارية في كل مراكز إعادة التاهيل العاملة على المستوى الوطني والدولي قادرًا على المساعدة في تحسين الإجراءات والبروتوكلات المعتمدة وكيفية حُسن إختيار المرضى؛ وهذا يفترض تعاونًا واسعًا ومُنظّمًا بين مختلف مراكز إعادة تأهيل القلب الموجودة.
في الختام يمكن القول انه عمليًا، في فرنسا مثلًا، هناك عدد قليل جدًا من المرضى المُؤهّلين للإستفادة من هكذا برامج لديهم إمكانية الحصول على إعادة التأهيل القلبي حاليًا.
لمن فاته متابعة الأجزاء السابقة :
- كيف يجب أن تتمّ عملية الإنعاش القلبي-الرئوي بعد “السكتة القلبية”؟
- “السكتة القلبية” أو “توقف القلب المُفاجئ”: التعريف، الأسباب والعوامل المساعدة لحصولها
- إجراءات قد تُنقذك في حالة الإصابة بنوبة قلبية!؟
- الموت المفاجئ لأسباب قلبية عند “الرياضيين” وغيرهم
- العوامل التي تزيد من مخاطر حدوث موت مفاجئ لأسباب قلبية عند “الرياضيين”
- طرق العلاج والوقاية لتجنب السكتة القلبية وبخاصة عند الرياضيين