إقتصاداجتماع

بئس الربحية دون مسؤولية اجتماعية | علي مغنيّة

موازنة الاستراتيجية الشاملة للمنشآت بين ” الاستدامة” و “المسؤولية الإجتماعية”

تكمن اهمية علم “التخطيط الاستراتيجي” النابع من رؤية شاملة وأهداف محددة في رسم وصياغة الأفكار الابداعية القادرة على خلق وابتكار منظار واسع للمنشآت؛ وربط مواردها الداخلية وقدراتها النوعية والكمية مع بيئة الأعمال المحيطة بها وبالتالي حصول تناغم اداري منسق وفعال ما بين استراتيجية الأعمال لعمليات المنشأة الداخلية واستراتيجيتها الشاملة التي تحاكي الاقتصاد الوطني لاي دولة وتحدياتها على كافة المستويات.

هذا التناسق في الاستراتيجة من شأنه تعزيز نقاط قوة المنشأة وتوجيه مهمة رسالتها والغاية من وجودها نحو الأهداف الذكية التي عمل المؤسسون او المساهمون على تحديدها عند التاسيس.

حاليا؛ ان احد اهم الاهداف التي تسعى لها مختلف منشآت الدول المتقدمة والناشئة ؛حكومية كانت أم خاصة ومن منطلق الحوكمة الرشيدة ,هو تحقيق توازن في الاستراتيجيات ما بين مفهومي ” الاستدامة” sustainability وبين ” المسؤولية الاجتماعية” CSR ؛ من حيث الدور المحوري الذي تؤديه في تحقيق عدالة ورفاهية اجتماعية مستندة الى تنمية اقتصادية وبيئية داخل الدولة من شأنها خدمة الوطن والحفاظ على موارده المختلفة الطبيعية منها والبشرية والمساهمة في رفع الدخل القومي والإنتاجية.

عالميا؛ ناقشت الأمم المتحدة في ميثاق مؤتمرها المنعقد سنة ٢٠١٢؛ الأهداف التي يجب تطويرها والعمل على تحقيقها من كافة الدول سيما الغنية منها والمتطورة تجاه قضايا الدول النامية والفقيرة خصوصا؛ أهمها تحقيق الاستدامة الشاملة ومحاولة تخليصها من مشكلات الفقر و الجوع والأمن الغذائي وعدم المساواة بين الجنسين والصحة ومحو الامية والتلوث البيئي الناجم عن ارتفاع معدلات ثاني اكسيد الكربون ؛واعتماد بدائل لمصادر الطاقة النظيفة (الشمس والرياح والمياه) بدل التركيز على مصدري النفط والغاز وبالتالي تحقيق تنمية وتقدم شمولي يدفع بها نحو الرقي والاستقرار وتأمين عدالة اجتماعية تعزز الحماية لكوكب الأرض.

أما خليجيا؛ فلقد اوردت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في تقريرها الصادر عام ٢٠١٨ ؛عن السعي الحثيث للقطاع الخاص الكويتي بدعم من الحكومة ؛ التزامه دعم التنمية الوطنية والاجتماعية بشكل مستدام من خلال مفهوم الالتزام الأخلاقي المسؤول الذي يرسخ مفاهيم الوحدة الوطنية ويؤمن مبادرات ذات طابع إنساني من شركات تهدف الى الربحية في أهدافها؛ دون إغفال دورها القومي في تطوير مستقبل الاقتصاد ومكافحة مشكلات البطالة والتعليم والطاقة بشتى انواعها.

من هذا المنطلق والحس المسؤول؛ التزم القطاع المصرفي الكويتي بشكل عام قضايا التنمية المستدامة للكويت حاملا هم تطوير الاقتصاديين الكلي والجزئي وتنمية المجتمع وحل مشكلات البيئة من منظار استراتيجي يحاكي قدرة هذا القطاع الحيوي على توفير الأموال ودعم الاستثمارات في كافة القطاعات ولمختلف شرائح المجتمع من منشآت وأفراد.

نخص هنا بالذكر الدور الريادي الذي يلعبه بنك الكويت الوطني وهو من كبريات البنوك العربية والخليجية؛ الذي اورد في تقريره المالي السنوي لعام٩ ٢٠١ عن دوره الفعال في دعم كافة قطاعات الإنتاج في الكويت سيما القطاع النفطي الذي يشكل العصب الرئيسي للدخل القومي و المصدر الأول للطاقة لديها.
عمل البنك المذكور ضمن استراتيجيته على دعم القطاع النفطي لتطوير وتوسعة مصافي الوقود الصديقة للبيئة؛ ودعم مشاريع الطاقة الشمسية وتحويل النفايات الى طاقة؛ كذلك المساهمة في مشاريع إنشاء المستشفيات ومحطات تحلية المياه؛ ومشاريع الإسكان ودعم المشروعات الصغيرة للمبادرين من الشباب الراغبين بالاستثمار بالقطاع الخاص.

كذلك ؛في تقريره للاستدامة عام ٢٠١٨؛ بلغت مساهمة البنك المجتمعية حوالي ٧٨٢٠٠٠ ألف دينار كويتي؛ ايضا مساهمته بمبلغ يفوق الثلاثة مليون دينار لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي وهذا ان دل انما يدل على رؤية هذه المنشأة الثاقبة نحو تحقيق دور مجتمعي ريادي عبرخلق “ميزة تنافسية” وابداع يدعم استراتيجية أعمالها ويحقق الربحية المالية مع ربحية القيمة المضافة التي تكفل الاستمرارية والنجاح في المستقبل البعيد الأمد.

لا نستطيع أن نغفل كذلك ؛ اهتمام حكومات كل من السعودية والإمارات وعمان بقضايا التنمية المستدامة لديها وخاصة في القطاعات النفطية والبيئية والعمران الحديث وتشييد المدن الذكية والخضراء؛ ايضا ,المبادرات الخاصة للقطاع الخاص في دعم تطوير الاقتصاد الوطني والمجتمعي كما هو حاصل مع شركتي ” إعمار العقارية” في دبي و”المملكة القابضة” في الرياض.

أما على المستوى العربي؛ فلا بد لي بالاشارة الى الدور الكبير الذي تلعبه مصر للخروج من مشكلاتها والتحديات لديها بتطوير كافة قطاعاتها الحيوية والانتاجية ومعالجة مشكلات الفقر والإسكان والتعليم والبيئة ضمن حوكمة رشيدة ودعم مالي من صندوق النقد الدولي وبعض الدول الخليجية وذلك لتحقيق التنمية المستدامة في ركائز الاقتصاد والبيئة والمجتمع وتعزيز دور حضاري جديد على مستوى المنطقة يمكنها من الاستفادة من مواردها لاسيما المائية منها كقناة السويس على سبيل المثال في التجارة العالمية.

لا بد لنا هنا من التطرق الى لبنان الذي يعاني انهيارا كبيرا في اقتصاده الوطني وأزمات مالية وبيئية وصحية مزمنة و خلل ديموغرافي واجتماعي واضح ويعاني أيضا من انعدام في التوازن ما بين التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية ؛ حيث لا قطاعاته الحكومية قادرة على الإنتاج والتطور بفعل الفساد المستشري في هيكلية الدولة ولا قطاعه الخاص بات قادرا على الصمود والتطور نتيجة النقص في التمويل والعجز في توفير فرص العمل وتوجه أغلب طاقات البلد البشرية للهجرة القسرية للخارج بحثا عن فرص العمل.

هذا يدفعنا للتطلع نحو الدور الهام؛ الذي يجب أن يلعبه القطاع المصرفي اللبناني المعروف بقوته وملائته المالية من منطلق قيادي وطني وحس اجتماعي ورؤية استراتيجية لاعادة رسم خارطة طريق اقتصادية جديدة للبنان؛ والخروج به من النفق المظلم الذي طاله في الوقت الراهن والعبور به نحو مستقبل واعد؛ تحقق فيه الدولة مشاريع التنمية المستدامة في قطاعات منتجة للطاقة النظيفة وتطوير البنية التحتية ودعم مشاريع BOT من قبل شركات خاصة والتي تعيد للدولة اعادة تملك مواردها خلال فترة مابين ٢٠ ال ٣٠ سنة تحقق بها هذه الشركات عائد على استثمارها.

كذلك؛ تضمن المسؤولية الاجتماعية والفكر الجمعي للبنوك اللبنانية على الدفع نحو تشجيع الاقتصاد المنتج ودعم المشاريع التنموية في كافة القطاعات الزراعة والصناعات الصغيرة والتعليم والصحة بفوائد متدنية وقليلة المخاطر وبالتالي مكافحة البطالة وتعزيز النمو وتحقيق إنتاجية تدفع البلد نحو الاستقرار وتعزيز قدرته التنافسية مع محيطه وتقلل من حجم المخاطر التي تهدد أمنه الاجتماعي والمالي.

ختاما؛ إن المسؤولية الاجتماعية الشاملة هي هدف استراتيجي أخلاقي ذو مغزى تكافلي يدفع نحو استدامة المنفعة وتحقيق الربح المالي والمعنوي للمنشآت والاقتصاديات في آن معا وتجمع كافة الأبحاث الادارية والاقتصادية والاجتماعية على وجوب تخصيص مساحة هامة لها وتوصي باعتمادها في صلب الاستراتيجيات ؛ وما نراه اليوم من صراع حضاري ما بين الشرق والغرب انما يدور ضمن هذا السياق.

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الدكتور علي احمد مغنية كاتب متخصص باستراتيجية الاعمال

باحث في الشؤون الإدارية واستراتيجيات الاعمال، حائز على بكالورويس ادراة اعمال من جامعة وستمنستر لندن وعلى ماجيستير ادارة اعمال من جامعة ماستريخت الهولندية ودرجة الدكتوراه في ادارة الاعمال من الاكاديمية السويسرية للأعمال. خبير استشاري في شؤون وادارة الشركات والصحة العامة والسياسات الادارية الصحية. مطور عقاري ورجل اعمال في مجال التجهيز الفندقي والضيافة، يعمل بين لبنان والدول العربية وخاصة دول الخليج

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الموضوع شيق و مهم على مستوى العالمي و خاصة العالم العربي و يجب للقطاع المصرفي و الحكومي و الخاص التنسيق لمصلحة الشعوب و تحقيق العدالة الاجتماعية … التخطيط و التنسيق و الرؤية من خلالقيادة حكيمة للملوك و رؤساء .. و لا ننسى أن الأيام دواره … اليوم غني و بكره فقير .. هذا حال الأمم على مر الزمان. و لا ننسى الاهتمام بالتكنولوجيا و الوظائف الجديده من الأهم الأمور التي تحتاجها الدول و نماء الشعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى