اجتماعالاحدث

في كلنبارتي النوبية أصل البشرية | بقلم د. محمد حسب الرسول

أعلنت جامعتا هارفرد الأميركية وأوكسفورد البريطانية في الثامن والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي نتائج دراسة أجراها فريق علمي من الجامعتين حول أصول الجنس البشري، واستمرت لسنوات طويلة في معهد Big  Data  بجامعة أوكسفورد. فقد تمكّن العلماء من رسم الخريطة الكاملة للروابط الجينية بين بني البشر، كما تمكّنوا من رسم أكبر شجرة عائلة عرفها التاريخ، الأمر الذي مكّنهم من تحديد متى وأين عاش أسلاف وأجداد البشر

توصل فريق البحث العملي إلى أن أقدم السلالات البشرية عاشت في السودان قبل مليون عام وليس قبل 250 ألفاً أو 300 ألف عام كما كانت التقديرات من قبل، وتطلب ذلك استخدام 3609 تسلسل جيني من 215 تجمّعاً سكانياً تعود إلى ما بين ألف عام و100 ألف عام. وباستخدام تقنيات جديدة وخوارزميات تمكّن العلماء من التوصل إلى شبكة تتألف من 27 مليون شخص من الأسلاف، ثم الحمض النووي لــــ 66 شخصاً عاشوا في السودان النوبي قبل ألف عام.

من خلال تلك الجهود العلمية المضنية والدقيقة، خلص فريق البحث العلمي إلى نتيجة حاسمة تؤكد أن منطقة كلبنارتي النوبية الواقعة على بعد نحو 500 كلم شمال الخرطوم كانت مهد البشرية، ومنها انطلقت هجرات البشر شرقاً الى آسيا ومنها الى أوروبا وأميركا الشمالية عبر مضيق بيرينغ الذي يفصل ولاية ألاسكا الأميركية عن شمال روسيا.

نشرت مجلة العلوم المرموقة  “Scienceالبحث الذي أعده فريق العلماء في الجامعتين، ونشرت جامعة هارفارد الأميركية ملخصاً لهذه الدراسة على موقعها الرسمي، ونشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية كذلك نتائج الدراسة على موقعها الإلكتروني، وفعلت الأمر نفسه صحيفة “التيلغراف” البريطانية.

يذكر أن عالم الوراثة الإيطالي لويجي لوكا كافللي سفورزا أجرى أبحاثاً نشر خلاصتها في كتاب صدر في العام 2001 بعنوان “الإنسان في الشتات.. تاريخ التنوع الوراثي، والهجرات البشرية الكبرى”، توصلت أبحاثه إلى نتائج قريبة جداً من الفريق العلمي التي أجراها بمعهد “Big Data”  في جامعة أوكسفورد البريطانية، إذ خلصت نتائج أبحاث العالم الإيطالي إلى أن أقدم السلالات البشرية قد عاشت في السودان قبل نحو مليون عام.

لقد أكد العالم الإيطالي في أبحاثه تلك، أن الخريطة الجينية للسودانيين تتميز بعنصري القِدَم والتواصل المستمر، وأنها تتمتع بأهمية خاصة لكل سكان العالم، وتنبع تلك الأهمية من حقيقة أن أسلاف السودانيين يرجع إليهم من ناحية جينية كل البشر في عالم اليوم.

كما أكدت أبحاثه أيضاً أن تسعين في المئة من النساء السودانيات يحملن “مورثات” متصلة من دون انقطاع منذ بداية نشوء النوع البشري على وجه الأرض وإلى يومنا هذا، وأشار إلى أنه وكثير من العلماء يرون أن أصل الإنسان يعود إلى منطقة قريبة من كلنبارتي، تسمى جزيرة “صاي” في شمال السودان الحالي، التي عثر فيها العلماء على أقدم الجينات البشرية.

إن خلاصة البحوث العلمية لجامعتي هارفرد وأوكسفورد، وخلاصة نتائج بحوث العالم الإيطالي لويجي التي أكدت أن بلاد النوبيين “كوش” التي أسميت حديثاً بالسودان هي أصل البشرية قد سبق تأكيدها في الإشارة المهمة التي جاءت في نص النشيد الوطني لدولة كوش والذي تُقرأ ترجمته بالعربية:

خلقنا الله فسجدنا له.. وجعل العالم ليهتف لنا 

فنحن الأوائل في كونه.. وكل البشر أتوا بعدنا 

فيا مجد كوش العظيم المجيد فمن في الورى يكن مثلنا 

وكنداكة تنسج ثوب المهابة عزاً وفخراً ليبقى لنا

د. محمد حسب الرسول

د. محمد حسب الرسول ▪️حاصل على درجة الدكتوراة في الدراسات الاستراتيجية في العلاقات الدولية. ▪️ كاتب، وباحث في الشؤون الاقليمية ▪️له خبرات في العمل الدبلوماسي وفي مجال الدراسات الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي عنوان البريد الالكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى