ازمة لبنانالاحدث

لبنان: عندما تحكم منظومة دكتاتورية نظامًا “ديمقراطيا” صوريًا ! | كتب د. عدنان منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

لم يكن نظامنا الديمقراطي الشكلي منذ استقلال لبنان وحتى اليوم، سوى غطاء لمنظومة سياسية، اقطاعية،مالية، احتكارية ،أمسكت بالحكم ،والسلطة ومؤسساتها المالية والمصرفية والطبية، والتجارية .
منظومة قبضت  على  قطاعات الإنتاج والخدمات وحفرت دهاليز تاه فيها الإنماء، وانشأت مجالس ترعرعت فيها التلزيمات والمناقصات، والمقاولات، والتنفيعات، وأدارت المشاريع وامسكت بها  من خلال قوانين معلبة ، وبالطريقة التي تضمن بقاءها  وهيمنتها، وتعزز مصالحها ، ونفوذها، واستمراريتها في الحكم، من خلال التوريث العائلي، وتحالف راس المال الذي تديره وتستثمره زمرة من حيتان المال والاحتكاريين، ٱلت على نفسها تحصين مواقعها والحفاظ على مكاسبها بأي شكل من الاشكال. لذلك كان عليها أن تسن قوانين معلبة  تصب على المدى المتوسط والبعيد،  في خدمتها وتحمي مصالحها.
         طبقة تحركت داخل إطار الدستور، وفي ظل أحكام النظام الديمقراطي الصوري ،لتتغطى بالقوانين التي تضمن تجذرها الواسع داخل الدولة،  وتحمي مشاريعها وتحقق اهدافها.
هذه المنظومة وإن تغير أفرادها، فإن سلوكا واحدا يديرها وقانونا واحدا يصونها. فهي تمسك بالسلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهذه السلطات وإن تنوعت صلاحياتها، فهي في خدمة المنظومة الحاكمة، تديرها وفق ما تريده ، مهما كانت الاعتراضات ، والتحفظات ،وردود الفعل من هنا وهناك.
     منظومة  عرفت وأتقنت فن اللعبة السياسية ببراعة  وهي تتلطى خلف الشعارات الطنانة ، والوعود الواهية.لكن هذا لم يمنع مطلقا، المنظومة الحاكمة المتحكمة بعد عقود طويلة من ممارستها الحكم ،أن تستأثر بالسلطة بكل قوة، وتتحول تدريجيا مع الوقت الى أداة ديكتاتورية شرسة، تأبى التخلي عن امتيازاتها ومكاسبها، غير مكترثة  بمطالب وحقوق شعبها .
منظومة ترى أن الغطاء “الديمقراطي” يحمي وجودها عند كل إستحقاق انتخابي، حيث قانون الانتخابات الطائفي الرجعي يصب في خدمتها، ويضمن لها النتائج المرجوة مسبقا. وبعد ذلك تعود الى سيارتها الأولى، لتمارس سلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بكل قوة مستندة الى “القرار الحر” للناخبين ، بعد ممارسة حقهم الشرعي  عبر “اللعبة الديمقراطية”، و”الثقة الكبيرة ” التي منحوها لها.
      لا فرق بين النظام الدكتاتوري، وحكم منظومة سياسية تمارىس الدكتاتورية بابشع صورها داخل نظام طائفي أطلق عليه صفة النظام الديمقراطي.إذ أنه في النظام الدكتاتوري ، عادة ما تكون السلطة المطلقة للحاكم الفرد ،او للحزب، أو لمجلس عسكري على رأسه قائد محرك .في هذا النظام تتخذ القرارات بمعزل عن موافقة او رفض الشعب لها. وتطبق تلقائياً دون الأخذ بالإعتبار ٱراء  وموافقة  المواطنين وتطلعاتهم. فالقرارت الصادرة عن السلطة تطبق حكما  وإن رفضها الشعب ، وإن لم تعبر عن إرادته الحرة !
      في نظامنا “الديمقراطي”، هناك منظومة وإن جاءت عبر الإنتخابات، وشكلت الحكومات وفقا للدستور الوضعي، الا أن هذه المنظومة تمارس على الارض، كل ما تريده دون رقيب او  حسيب ، ودون الاكتراث لما يريده الشعب، ودون أي اعتبار لتلبية مطالبه المحقة.
        في النظام الدكتاتوري، يفعل الحاكم او الطغمة او المجلس العسكري ما يريد ،حتى ولو سفكت الدماء، وجاع الشعب، وعم الفقر والعوذ، واستبيحت ممتلكات الناس وارزاقهم، وانتشرت الفوضى. كذلك الحال في نظامنا “الديمقراطي” الدكتاتوري  ،حيث  لا صوت ولا قرار يعلو على صوت وقرار المنظومة الحاكمة. فهي تقرر، تخالف الدستور، تتجاوز القوانين، وتعبث  بحقوق الناس، تفقرهم، تجوعهم ، تذلهم، تقهرهم، لا يرف لها جفن أمام ما تشاهده من مٱسي سببتها لهم.
قراراتها تنفذ وإن كانت ضد مصالح الناس. فإن اعترضوا وثاروا فهذا ٱخر همها. مصالحها فوق كل اعتبار .فهي ترى نفسها محصنة بالمؤسسات الدستورية المنتخبة في نظام ديمقراطي يعبر وهما عن ارادة الناخبين، وهي بالتالي الأحرص على مصالح الشعب!! إذن هي تريد أن يرضخ الشعب  لها ويطيعها، مهما فعلت وطغت واستبدت، وفرطت بحقوقه وتطلعاته وٱماله. وليقل الشعب بعد ذلك ما يقوله، وليرفض ما يرفضه، فهذا ٱخر همها. إذ أن الأمر والقرار في نهاية المطاف  لها، وما على الشعب الا الطاعة والخضوع، حتى ولو  رمته في الحضيض.
اليست هذه هي الدكتاتورية الفعلية بعينها، وبابشع صورها، في بلد يتشدق فيه المنضوون في  المنظومة السياسية
بالديمقراطية وهي تمارس بحق شعبها سياسة القهر والإذلال، والإفقار  والتجويع ، وفرض القرارات الظالمة بحقه رغما عن أنفه  فرضا؟!
     فما الذي يميز النظام الدكتاتوري بمفاهيمه السلطوية التعسفية الاستبدادية ، عن نظام طائفي اردناه “ديمقراطيا” تتحصن داخله  وتتحكم به طغمة سياسية مفسدة تمارس  دكتاتورية السلطة، مع ما يرافقها على الأرض من استغلال وقهر ، واستبداد !!
   وبعد كل ذلك نتساءل: هل هناك  فرق بين دكتاتورية حاكم أو طغمة مدنية او عسكرية، وبين دكتاتورية منظومة سياسية
“ديمقراطية،” ألتهمت  الأخضر واليابس، وهي تتغطى بغطاء  نظام ديمقراطي نظري ، أبعد ما يكون عن التطبيق العملي، وعن واقع الحال المزري للشعب، بعد ان أخذت البلاد والعباد الى الهاوية!!

د. عدنان منصور، سياسي ووزير لبناني سابق للخارجية والمغتربين

د. عدنان منصور دبلوماسي وسياسي لبناني، كان وزيراً للخارجية والمغتربين بين 2011 وحتى 2014. التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1974، وعمل في دوائر "وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية" في مديرية الشؤون السياسية والقنصلية ومديرية الشؤون الاقتصادية ومديرية الشؤون الادارية والمالية حتى عام 1978، ثم عُين قائماً بأعمال السفارة وقنصلاً في الخرطوم في السودان بين 1977 و1981، ثم أصبح مستشاراً للسفارة في أثينا في اليونان حتى عام 1984. بعدها عُين قنصلاً عاماً للبنان في ملبورن في أستراليا بين 1984 و1985، وقنصلاً عاماً للبنان في الإسنكدرية في مصر بين 1985 و1990، وسفيراً للبنان فوق العادة في زائير بين 1990 و1994، وسفيراً فوق العادة لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين 1995 و2007، بعدها سفيراً في بروكسل واللوكسمبورغ ولدى الاتحاد الأوروبي بين 2007 و2010. حاصل على وسام الكوموندور من الحكومة اليونيانية، ووسام الليوبارد من زائير، وبراءة الشرف والاستحقاق اللبناني العالمي من "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم". حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية، وماجستير في النظرية السياسية، وبكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من "الجامعة اليسوعية" في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى