سر الانقلاب العسكري في اسرائيل عشية حرب يونيو1967 ؟
الكاتب السياسي مجدى منصور يكتب عن خفايا نكسة يونيو(حزيران)67
في شهر يونيو من كل عام تحتفل الصحافة الخليجية بالهزيمة الناصرية! كما يحلوا لهم تسميتها أمام إسرائيل، وعلى الرغم من أن ذلك خطأ في الحسابات والتقديرات، وتجاهل للحقائق والاستراتيجيات، ودليل واضح على اتجاه الولاءات وفضح للنوايا والمشروعات، فإن احتفالات الصحافة الخليجية هذا العام شددت على أن جوهر الهزيمة في حزيران/يونيو1967 كان بسبب خضوع القيادة السياسية (جمال عبد الناصر) للأهواء العسكرية (عبد الحكيم عامر) غير المسئولة.
ومن هنا فإني أردت التوضيح لهم ولغيرهم كيف كانت الصورة في إسرائيل الديمقراطية! عشية الحرب التي يحتفل بها كل طويل العمر في خليجنا العربي!
(1)
مشهد البداية .. تقرير ديان.
«لا بد أن يكون مستقراً لدى الجميع أنه يستحيل أن يكون هناك حل نهائي دون إسقاط ناصر من السُلطة ، فهذا وحده ما ينزع جذور وأسباب الخطر الذى يتهدد إسرائيل».فقرة من مذكرة موشى ديان لبن جوريون
إن استراتيجية حرب يونيو1967 وضعَت بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في عدوان 1956 ، وكان الجنرال (موشى ديان) قد رفع مذكرة استراتيجية متأنية بعد إنتهاء عدوان السويس (لبن جوريون) قال فيها نصاً:
«إن الحل الكامل الضروري لمشكلة إسرائيل الأمنية يتطلب (إسقاط) نظام عبد الناصر في مصر. وهناك أساليب عدة يمكن بها مواجهة التطورات الأخيرة ، وإذا أريد تأجيل تنفيذ الحل الكامل في الوقت الحاضر انتظاراً لظروف معينة ، فإنه لا بد أن يكون مُستقراً لدى الجميع أنه يستحيل أن يكون هناك حل نهائي دون إسقاط ناصر من السُلطة ، فهذا وحده ما ينزع جذور وأسباب الخطر الذى يتهدد إسرائيل.
إذا كان من المطلوب إسقاط نظام ناصر فإنه من الضروري ، ولتحقيق هذه المهمة السعي إلى مواجهة حاسمة مع المصريين في وقت قريب، أقرب وقت ممكن ، وإلا فإن التكاليف الأمنية قد تصبح عالية بالنسبة لهذا البلد(إسرائيل) لأننا إذا انتظرنا حتى يتم استيعاب الأسلحة السوفيتية لمصر فإن أي عمليات إسرائيلية ضد مصر سوف تكون غالية الثمن.
إن الحكومة في إسرائيل مُطالبة بأن تسعى للحصول على مدد إضافي كبير من الأسلحة المتطورة و ذخائرها قبل أي تاريخ يُحدد للمواجهة ، وعلى أي حال فإنه لا يجب ربط الأمرين لزاماً في التوقيت (أي المواجهة الحاسمة مع مصر والحصول على مدد جديد من الأسلحة المتطورة).
إن هذا المفهوم يختلف عن المفهوم الذى ينادى بحرب وقائية ضد مصر ، لأن الحرب الوقائية قد تبدو حرباً عدوانية تشُنها إسرائيل مباشرة ، والدولة لا تستطيع أن تواجه العالم من موقف المعتدى.
إن إسرائيل لا تحتاج إلى أية خطط لاستفزاز مصر لأن حكومة مصر نفسها كفيلة بعنادها ورفضها للحلول الوسط دائماً أن تقدم أسباباً للاستفزاز تستغلها إسرائيل.
أي أن على إسرائيل أن تكون مُتيقظة لأن تكون المفجر عندما تنشب أي أزمة حتى تستطيع الامساك بها وتحويلها إلى فرصة قابلة للتفجير إذا رؤى بأفضلية ذلك ، وهكذا فإن التوصية التي تتقدم بها هيئة الأركان هي التنبه بطريقة واعية لأى استفزاز مصري والامساك به وتكبيره بحيث تكون الفرص مفتوحة أمام صانع القرار الإسرائيلي يستغل منها ما يشاء في التوقيت الملائم له»!
تعليق:
كان هذا هو الوقت ذاته تقريباً الذي رفع مجلس الأمن القومي الأمريكي مذكرة للرئيس أيزنهاور جاء فيها بعنوان:
احتمالات الاستقرار في مصر وتأثيراتها على السياسة الخارجية :
ورد في البند الأول منه حرفياً:
من الواضح أن نظام ناصر سوف يبقى مسيطراً على الأمور في مصر لسنوات قادمة إلا إذا حدث أحد أمرين:
(1) اغتيال جمال عبد الناصر.
(2) هزيمة ساحقة أما إسرائيل.
انتهى التعليق ، وعودة جديدة للسياق.
وهذا ما فعلته إسرائيل بالفعل. فقد وضعت إسقاط النظام المصري الناصري أمام عينيها وراحت تكتشف الطرق لذلك. فمنذ انتهاء حرب السويس1956 وإسرائيل في حرب استنزاف للقدرة المصرية دائماً في كل المجالات سياسية واقتصادية و علمية وعسكرية.
إن إسرائيل استطاعت الحصول على مدد من السلاح لا ينتهى بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا في عهد الرئيس الأمريكي (ليندون جونسون) الذى كان متضايقاً من سياسات مصر الناصرية وقال عنها :
«أن أيام لورانس لم يكن العرب يجيئون بعلماء المان ليصنعوا صواريخ ، ولا كانوا يشيدون مفاعلات ذرية» ، وكان يقول عن الزعيم جمال عبد الناصر:«أنه يُشبه الديك الرومي الذى يمشى مُختالاً بنفسه في المنطقة».
ثم إنها قامت بالإمساك بفرصة (نجدة مصر لسورية من التهديدات الإسرائيلية) وحولتها (لمفجر) كما قال ديان في توصيته لبن جوريون. أي أن دمشق كانت هي الطُعم الذى قذفته إسرائيل في بحيرة طبرية لتصطاد عبد الناصر في القاهرة!
(2)
رئيس وزراء مدنى تحت الحصار العسكري!
«إن هناك خياراً آخر وهو تدمير السلاح الجوي المصري بضربة شاملة واحتلال قطاع غزة ثم الانتظار بعد ذلك ، ولكن هذا أيضاً عمل ناقص من وجهة نظر سياسية وعسكرية».الجنرال إسحاق رابين رئيس الأركان
ليفي أشكول
إن ليفي أشكول كان أكبر أعضاء الفريق الوزاري(رئيس الوزراء) سناً وهو في ذلك الوقت في الثالثة والسبعين من عمره ، وهو المدني الوحيد رغم أنه يجمع بين منصبي (رئيس الوزراء ووزير الدفاع) ، وكذلك كان مزاجه أبعد ما يكون – بحكم التكوين عن مزاج الآخرين من الجنرالات ، فقد قضى معظم حياته العملية في الوكالة اليهودية (قسم الهجرة) ، ثم أختير مسئولاً قيادياً في «الهستدروت»: (اتحاد نقابات عمال إسرائيل) ، ثم عين وزيراً للمالية في الوزارات المتعاقبة التي شكلها (دافيد بن جوريون). وعندما سقط بن جوريون ، وخرج مع أقلية صغيرة من أنصاره ليكون حزب (رافي) أصبح ليفي أشكول رئيساً للوزراء.
وكان مزاج ليفي أشكول نتيجة لهذا التكوين مزاج حلول وسط ومزاج حساب أرقام. وبالتالي فإنه كان بعيداً كل البعد عن بقية دائرة صناعة القرار التي شاءت له الظروف أن يكون على رأسها.
وكان مصدر قوته الفعلي أمام الباقين سواء من السياسيين أو العسكريين أنه هو الذى توصل إلى الاتفاق السري الهام مع الرئيس الأمريكي (ليندون جونسون) والذى بمقتضاه تُصبح إسرائيل (ضابطاً) لأمور الشرق الأوسط في فترة انشغال الرئيس الأمريكي بحرب (فيتنام).
كان رابين (رئيس الأركان) قد أخطر أشكول بالتحركات المصرية صباح يوم 15 مايو ، واقترح عليه بعد أن أخطره أن يذهب معه إلى اجتماع لهيئة أركان الحرب لبحث الموقف.
وقد فوجئ أشكول بأن هيئة اركان الحرب مجتمعة في غرفة عمليات الحرب. وهى قاعة حصينة بالأسمنت المسلح تحت الأرض في مجمع مباني وزارة الدفاع. وكانت تلك اشارة واضحة أمامه إلى أن جنرالاته يعتبرون أن ساعة العمل المباشر قد حلت فعلاً. وكان هذا هو الاجتماع الذى تقررت فيه التعبئة الجزئية للقوات الإسرائيلية.
وعندما قامت مصر بإغلاق مضيق (تيران) اتصل رابين بأشكول وأيقظه من النوم في الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم الثلاثاء 22 مايو ليبلغه بأن ما كان متوقعاً قد حدث ، وأن ناصر قد أعلن اغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. وفى الخامسة صباحاً كان أشكول مجتمعاً بعدد من الجنرالات يتقدمهم رابين ، وكان هؤلاء الضباط الأن يطلبون تشكيل وزارة قومية تضم أحزاب المعارضة جميعاً ، لأن قرار الحرب يتطلب إجماعاً كاملاً من كل القوى السياسية. وكان التردد بادياً على أشكول ، وقد أبدى للعسكريين أنه لا يستطيع أن يُقدِم على هذه الخطوة قبل التشاور مع قيادات حزبه (حزب الماباى) لأن الدعوة يجب أن تصدر من سكرتارية الحزب ورئيستها في ذلك الوقت “جولدا مائير”.
والغريب أن العسكريين قاموا هُم بالاتصال بجولدا مائير آخذين بذلك زمام المبادرة حتى في الأمور الحزبية. وعندما تأكدوا من موافقة جولدا مائير قامت عدة طائرات عسكرية (هليكوبتر) بنقل قيادات أحزاب المعارضة من حيث كانوا في كافة انحاء إسرائيل إلى تل أبيب ليحضروا اجتماعاً سياسياً شاملاً للوزارة والمعارضة في مكتب ليفي أشكول.
وفى الساعة التاسعة صباحاً كانت كل قيادات إسرائيل في قاعة واحدة ومعهم الجنرال رابين (رئيس الأركان) ، والجنرال وايزمان(مدير العمليات) ، والجنرال ياريف (مدير المخابرات العسكرية “أمان”). ولم يكن الاجتماع يبدأ حتى كان “مناحم بيجن” الذى لم يكن يؤمن كثيراً بالكفاءات القيادية ل أشكول في ظروف أزمة ، يوجه سؤالاً مباشراً إلى “شيمون بيريز”(تلميذ بن جوريون النجيب) يقول فيه: “هل يوافق بن جوريون ويقدر في سنه الحالية على العمل كرئيس لوزارة وحدة وطنية؟”
ورد بيريز: بأن بن جوريون يقدر على المسئولية بالتأكيد ، ولكنه بالتأكيد سوف تكون له في هذه الحالة شروط. وكان هذا الحوار طعنة خنجر مسموم أحس بها أشكول (كما روى في مذكراته).
وبعدها قام رابين باستعراض الاحتمالات العسكرية فقال:
« إن هناك خيار عملية محدودة يتم بها احتلال شرم الشيخ وفك الحصار وتبدو للعالم رداً مباشراً ومحدداً على خطوة ناصر بإغلاق الخليج. لكن القيادة العسكرية ترى أن مثل هذا التصرف خطأ عسكري و سياسي ».
ثم أضاف رابين : « إن هناك خياراً آخر وهو تدمير السلاح الجوي المصري بضربة شاملة واحتلال قطاع غزة ثم الانتظار بعد ذلك ، ولكن هذا أيضاً عمل ناقص من وجهة نظر سياسية وعسكرية».
ثم وصل رابين إلى الخيار الثالث وهو “الحرب الشاملة ».
وعند هذا الحد من المناقشة قال أبا ايبان (وزير الخارجية) :
«إن هناك نقطتين رئيسيتين لا بد من استجلائهما قبل أن تذهب المناقشة إلى بعيد وهما:
التثبت من الموقف الأمريكي ، وأنه مهما كانت الثقة في الموقف الأمريكي والثقة متوافرة ، فلا بد والأمور تصل إلى غاياتها من عملية تأكيد وتحديد حساب موقف الاتحاد السوفيتي بدقة ، لأن الاتحاد السوفيتي سوف يشعر بأن مسئوليته كاملة باعتباره المصدر الذي أكد لعبد الناصر بوجود حشود إسرائيلية ضد سوريا ، وبالتالي فإن شعور الاتحاد السوفيتي بأنه من عناصر التسبب في الأزمة قد لا يسمح له بالوقوف متفرجاً على مضاعفاتها».
وكان رأى أبا إيبان أيضاً:
«أن التدقيق في حساب الموقف السوفيتي ينطوي على شقين: شق يتعلق بردود فعل الاتحاد السوفيتي نفسه ، وشق آخر يتعلق باستعداد الولايات المتحدة برد الفعل الثاني تجاه الفعل السوفيتي».
وأثناء الاجتماع تلقى ايبان برقية من السفارة الإسرائيلية في واشنطن جاء فيها:
«أن مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جونسون اتصل بالوزير المفوض “ايفرون” (وهو حلقة الاتصال بين المخابرات الإسرائيلية وبين الحكومة الخفية في الولايات المتحدة) وأبلغه ان الرئيس جونسون يطلب من إسرائيل أن لا تقوم بأي عمل عسكري خلال الثماني والأربعين ساعة القادمة حتى تعطيه الفرصة لإتمام اتصالات يجريها الآن مع رئيس الوزراء السوفيتي (اليكسى كوسيجن) ، كما أن هذه الفرصة تلزمه أيضاً لإعداد الكونجرس والرأي العام الأمريكي للتطورات المحتملة للأزمة».
واستغل (إيبان) هذه البرقية لكى يعزز وجهة نظره ذاكراً أربعة أسباب تؤيد قبول تاجيل لأى عمل عسكري للمدة التي طلبها جونسون وقد عدها على النحو التالي:
- ضمان تدفق إمداد السلاح على إسرائيل تحت كل الظروف.
- ضمان أن يفي كل “أصدقاء إسرائيل” بالوعود التي قطعوها على أنفسهم.
- تحقيق تعبئة معارضة دولية ضد عبد الناصر.
- تمكين إسرائيل من الاحتفاظ بثمار النصر وحتى لا تفقد شيئاً دون ارادتها (كما حدث سنة 1956).
وكانت المناقشة بذلك قد انتقلت إلى الجوانب السياسية ، واقترح أشكول على بيجن أن يلقاه في اجتماع منفرد لأن لديه ما يقوله له.
(3)
المزايدات السياسية الإسرائيلية تدخل إلى حلبة الصراع
«لعلى أثبت لك في يوم من الأيام حجم ما استطعت أن أفعله لتوفير كل احتياجات جيش الدفاع الإسرائيلي. أما إن كنت خائفاً من جهلي بالشئون العسكرية فدعني أؤكد لك أنى تعلمت كثيراً خلال السنوات الأخيرة. وصدقني أنه ليس في استطاعة أحد غيرى أن يحصل من جونسون (الرئيس الأمريكي) على أي شيء ، وأنا أتحمل مسئولية ما أقول».
ليفي أشكول لمناحم بيجن
وفى الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم 24 مايو قام ليفي أشكول بتوجيه دعوة إلى مناحم بيجن لكى يلقاه على انفراد. وكان بيجن جاهزاً للهجوم من أول لحظة في الاجتماع ، فقال ل أشكول:«إنه مازال يرى أن يعود بن جوريون ليرأس حكومة وحدة وطنية ، وأن يعمل معه أشكول نائباً لرئيس الوزراء».
ورد عليه أشكول: «إنك تعلم صعوبة التعامل مع بن جوريون وبالذات وقت أزمة. ومع ذلك فإنه سيعرض اقتراح بيجن على زملائه في الوزارة ، فإذا قبلوه فإنه (أي أشكول) سوف يستقيل من جميع مناصبه ليفسح الطريق بالكامل أمام عودة بن جوريون».
ثم استطرد أشكول يقول لمناحم بيجن: «لعلى أثبت لك في يوم من الأيام حجم ما استطعت أن أفعله لتوفير كل احتياجات جيش الدفاع الإسرائيلي. أما إن كنت خائفاً من جهلي بالشئون العسكرية فدعنى أؤكد لك أننى تعلمت كثيراً خلال السنوات الأخيرة. وصدقني أنه ليس في استطاعة أحد غيرى أن يحصل من جونسون (الرئيس الأمريكي) على أي شيء ، وأنا اتحمل مسئولية ما أقول».
وكان الالحاح من الجنرالات يتزايد من أجل البدأ في العمل ضد ناصر، وكانت الضغوط من السياسيين من أجل عودة بن جوريون تكبر وتتثاقل.
خصوصاً عندما بدا شبح بن جوريون يُطِل على الآزمة من بعيد حينما جاء شيمون بيريز بعد مقابلة مع بن جوريون في مستعمرة (سد بوكر) بالنقب ، ينقل عنه أنه مستعد لتولى رئاسة الوزارة ، فإذا كان في ذلك إحراج لأشكول فإن بن جوريون على استعداد لتأييد تولى (موشى ديان) لرئاسة الوزارة ، فهو يثق فيه وكذلك يثق فيه جيش الدفاع الإسرائيلي.
وقبل منتصف الليل ازدادت المشاعر حدة حينما عُرف أن بن جوريون ترك المستعمرة التي كان يقيم فيها وجاء الى تل أبيب ليكون بقرب المشاورات السياسية الدائرة.
ووجد أشكول أن الوحى المنقول عن بن جوريون قد بدأ يسري بأن بن جوريون يرشح ديان لرئاسة الوزراء. ولم تكن تلك نهاية هموم أشكول في ذلك اليوم، فقد جاءه الجنرال «عزرا وايزمان» (مدير العمليات لجيش الإسرائيلي) والذى كان قائماً بأعمال رئيس الأركان في غياب رابين ، ليعرض عليه بعض التقارير العسكرية الهامة بوصفه رئيس الوزراء و وزير الدفاع في نفس الوقت. وفوجئ (أشكول) ب(وايزمان) يقول له قبل أن يفتح ملفاته:
«إنني في دهشة من أمرك ، فتحت تصرفك أقوى جيش يهودي تجمع منذ أيام داوود ، وهو لا ينتظر إلا إشارة منك ، ومع ذلك فأنت تتردد حتى الآن في إعطائها له. إن أمامك فرصة لتصبح داوود آخر في التاريخ اليهودي ، والغريب أنك تعرض عن الفرصة وكأنها لا تعنيك».
وفقد أشكول أعصابه وتهدج صوته وهو يقول لوايزمان:
«إنني مذهول لأن الجنرالات عاجزون تماماً عن رؤية مقتضيات السياسة ، وأن أي عمل إسرائيلي لا يمكن نجاحه العسكري والسياسي وتحقيق نتائجه والاحتفاظ بها إلا باشراك الولايات المتحدة والرئيس جونسون شخصياً. وما يروعه هو أن الجنرالات ليسوا على استعداد لانتظار ساعات كي يحققوا حلم عمرهم الطويل».
وهز وايزمان كتفيه وراح يفتح ملفاته و يعرض على أشكول ما جاء لعرضه عليه.
(4)
نحو الانقلاب؟!
«إن استيلاء الجيش صراحة على السُلطة سوف يكشف ساعة الصفر في بدء المعركة ، فالجنرالات يتعين عليهم إذا أعلنوا الاستيلاء على السلطة في البيان رقم (1) أن يعلنوا بداية الحرب في البيان رقم (2) ، وبالتالي تضيع المفاجأة حتى على المستوى التكتيكي». تحليل للدكتور مايكل بريشر.
في يوم 28 مايو 1967 كان الجيش الإسرائيلي وجنرالاته يتحركون بسرعة ليأخذوا زمام السلطة في أيديهم ، ولم يكن قد بقى على اصدارهم للبيان رقم (1) معلناً على العالم أن إنقلاباً عسكرياً كاملاً قد وقع في اسرائيل إلا مجموعة محاذير كان الجنرالات الثائرين على القيادة السياسية العاجزة والمرتعشة يحاولون تجنبها إلى اللحظة الأخيرة. وقد تعرض الدكتور (بريشر) لبعض الجوانب من هذه المحاذير التي كان أبرزها ما يلى:
إن أشكول رئيس الوزراء الحالي ما زال صاحب الاتفاق الأساسي مع جونسون.
إنه بفضل هذا الاتفاق توفر لإسرائيل من وسائل الحرب ما لم يتوفر لها في أي ظرف من قبل.
إن استلام الجيش للسلطة علناً قد يُسئ إلى صورة إسرائيل سياسياً.
إن هذا بدوره قد يؤدى بدوره إلى ارتباك في خطة العمل الأمريكية.
إن استيلاء الجيش صراحة على السُلطة سوف يكشف ساعة الصفر في بدء المعركة ، فالجنرالات يتعين عليهم إذا أعلنوا الاستيلاء على السلطة في البيان رقم (1) أن يعلنوا بداية الحرب في البيان رقم (2) ، وبالتالى تضيع المفاجأة حتى على المستوى التكتيكي.
و حتى مساء يوم السبت 27 مايو 1967 كان ليفي أشكول يتصور أنه يستطيع أن يقود العمل السياسي في اسرائيل بوصفه رئيساً للوزراء ، ويستطيع كذلك أن يقود العمل العسكري بوصفه وزيراً للدفاع.
وفى اجتماع لمجلس الوزراء في نفس اليوم قال أشكول:«أن السفير الإسرائيلي في واشنطن أرسل تقريراً يقول فيه أنه سمع من الرئيس جونسون مباشرة أنه (أي جونسون) يريد أن يستوثق من معلومات بلغته مؤداها أن الاتحاد السوفيتي سوف يقدم المعونة لأية دولة عربية تتعرض لهجوم عسكري».
وأضاف أشكول إن هذه النقطة جديرة بأن توضع في الاهتمام ، خصوصاً وأنه يتذكر أن الرئيس جونسون قال له في لقاء سابق بينهما :«اننا سوف ننفذ ما وعدناكم به أياً كان ، ولكن علينا أن ننسق خطواتنا بحيث لا نترك وراءنا ثغرة».
وكان معنى كلام أشكول بناء على التقرير القادم من واشنطن أن البيت الأبيض يطلب فسحة من الوقت وأن الاشارة حتى هذه اللحظة هي (حمراء) توقف السير.
ثم تلقى أشكول أثناء جلسة الوزارة تقرير معلومات عن لقاء تم بين دافيد بن جوريون و مناحم بيجن ، اتفق فيه الاثنان معاً على مطالبة أشكول بتعيين ديان وزيراً للدفاع.
وكان لقاء بن جوريون وبيجن نذير شؤم لأشكول لأن معناه أن اثنين من القادة التاريخيين لإسرائيل قد تصالحا بعد خصام و قطيعة دامت عشر سنوات، وكان صلحهم على حد قوله «فوق جثته»!
(5)
فخ رابين لأشكول
رابين لأشكول: «إن جيش الدفاع يريد قراراً واضحاً ، ولا يريد في هذه اللحظات مجرد وجهات نظر».
أشكول لرابين: «إنك وزير الدفاع ، والمفروض انك الجهة المكلفة بابلاغهم قرارات السلطة السياسية ، واقتراحي عليك أن تقوم أنت بابلاغهم ما تشاء».
وبعد انتهاء الجلسة اتصل به رابين رئيس الأركان يسأله عن القرار النهائي الذى اتخذته الحكومة ، وراح أشكول يشرح له تفاصيل مناقشات مجلس الوزراء ، ولم يكن رابين مستعداً لسماع شيء.
وقال رابين لأشكول: «إن جيش الدفاع يريد قراراً واضحاً ، ولا يريد في هذه اللحظات مجرد وجهات نظر».
ورد أشكول على رابين:«أن العسكريين يجب أن يفهموا ظروف القرار السياسي ودوافعه ، وأنا اطلب منك أن تشرحها لهم».
وكان رد رابين على أشكول طبقاً لمذكراته: «إنك وزير الدفاع ، والمفروض انك الجهة المكلفة بإبلاغهم قرارات السلطة السياسية ، واقتراحي عليك أن تقوم أنت بإبلاغهم ما تشاء».
ووقع أشكول في الفخ الذى نصبه له رابين ، وقال له: إنه سوف يكون مستعداً للاجتماع بالجنرالات في ظرف نصف ساعة.
( 6 )
ثورة العسكريين على المدني المسكين!
«إنني لا أستطيع أن أسيطر على نفسى فضلاً عن سيطرتي على قواتي ، وإذا لم أتلق أمراً بالتحرك فإنني سوف أعتبر نفسي في حل من التصرف ومسئولاً أمام التاريخ اليهودي وحده». الجنرال أرئيل شارون
تفاصيل الاجتماع العاصف؟!
ولم يكن منظر أحد عشر جنرالاً وهم يدخلون إلى مكتب رئيس الوزراء منظراً مطمئناً ، فقد كانت ملامحهم جميعاً مقطبة وبوادر التحفز ظاهرة على قسمات وجوهم العابسة. وأراد أشكول أن يتبسط مع الجنرالات وأن يجردهم من سلاح الغضب قبل أن يبدأ في حديثه معهم ، فقال لهم:
«أنتم تعرفون بالطبع أنكم تمثلون أمل إسرائيل في هذه الساعات ، وأنا أريدكم أن تتحدثوا معي بصراحة كما لو كنتم غير عسكريين».
وهُنا انفتحت أبواب الجحيم. فقد كان أول المتكلمين هو الجنرال (وايزمان) رئيس هيئة العمليات ، وكان وقتها يعتبر صقر الصقور.
ولم ينتظر وايزمان حتى رد على أشكول قائلاً: «إن السياسة التي تتبعونها مجلبة للكوارث ، وهذا هو راينا باختصار».
وحاول أشكول أن يتصنع الحلم فقال: «أظن أنه كان يجب أن أبدأ أنا أولاً بشرح الموقف لكم».
وكان رد وايزمان: «إن حقائق الموقف معروفة حتى في مقاهي شارع ديزنجوف (شارع المقاهي في تل أبيب) ولا يستطيع احد أن يضيف إليها شيئاً. والحقيقة الظاهرة لكافة الناس في الجيش وخارجه هي أن اسرائيل تواجه أخطر أزماتها وقيادة العمل السياسي فيها موكوله إلى اضعف فريق عرفته إسرائيل ، والحقيقة المؤكدة أن هناك عجزاً كاملاً عن اتخاذ قرار».
ورد أشكول: «بأن هذا القول ليس دقيقاً ، لأن هناك قرارا بالفعل قد اتُخذ والمسألة كلها مسألة ساعات ، وأعضاء الوزارة يعرفون أنهم جميعاً مدعون في اية لحظة لإصدار الأمر».
ثم ذكرهم أشكول بلقاء أبا إيبان الأخير في واشنطن ، وما قيل له في عرفة العمليات في البنتاجون من الجنرال (ايرل هويلر) رئيس أركان الحرب المشتركة حينما وجه كلامه ل إيبان قائلاً:
«إنني لا أريدك أن تقلق من أي اعتبار ، سواء بدأوا هُم (يقصد المصريين) أو بدأتم أنتم (يقصد الإسرائيليين) فليس لدينا شك في النتيجة ، فنحن نعرف حجم ما هو متاح لكم ، كما أننا نقدر كفاءتكم في إدارته».
ثم أضاف الجنرال للدبلوماسي:
«حسابات المعركة كلها في صالحكم .. هذه تقديرات جميع خبرائنا ولم يعترض منهم واحداً ، فلديكم ما هو لازم وزيادة».
تعليق:
وربما من أغرب التعليقات التي أبديت في هذه النقطة ما ذكره (ريتشارد هيلمز) مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية :
«أن الإسرائيليين في ذلك الوقت لم يكن لديهم عذر في الضغط الذى مارسوه في تلك الساعات وهم يتعجلوننا في التحرك. ففي ذلك الوقت كانوا يطلبون ما يحتاجونه من المخازن الأمريكية ليس بالأنواع ولكن بالأرقام الكودية السرية للأسلحة. ومعنى ذلك أن كل ما كان لدينا من أسرار السلاح كان مفتوحاً لهم».
عودة للسياق من جديد.
وقاطعه وايزمان قائلاً: «إن هناك عشرات الألوف ينتظرون في الخنادق وهم لا يطلبون إلا صدور الأمر و الامر لا يصدر. وإسرائيل لها وهُم معها لا يفهمون لماذا لا يصدُر الأمر».
ودخل بقية الجنرالات بعد ذلك في مباراة لتقريع رئيس الوزراء ، ووصل التقريع إلى درجة الإهانة. وحين حاول أشكول أن يحتج قام وايزمان بحركة مسرحية ألهبت مشاعر زملائه.
فقد هب واقفاً من مقعده وخلع وساماً كان معلقاً على صدر سترته العسكرية والقاه على مكتب أشكول قائلاً:« إنه لا يعتقد أنه أو غيره يحق لهم الاحتفاظ بأي وسام إذا كان العجز عن العمل هو ردهم على الخطر».
وامتقع وجه أشكول و حاول تخفيف حدة التوتر المفاجئ الذى ضاعف من حدة اللقاء ، ولكن بقية الجنرالات لم يتركوا لأحد فرصة ، فقد كانوا جميعاً متضامنين مع وايزمان.
وتدخل رابين فقال: « إنه لا يستطيع أن يضمن السيطرة على القوات إذا ما تأخر صدور الامر لها ببدء القتال. وهو يضع الحقيقة كرئيس لأركان الحرب أمام السُلطة السياسية لكى تأخذها في اعتبارها وهى تتخذ قرارها النهائي».
ولم يسكت الجنرال إرييل شارون وانما قال وكل عضلات وجهة تنفر بالثورة: «إنني لا أستطيع أن أسيطر على نفسى فضلاً عن سيطرتي على قواتي ، وإذا لم أتلق أمراً بالتحرك فإنني سوف اعتبر نفسى في حل من التصرف ومسئولاً أمام التاريخ اليهودي وحده».
وكان طلب الجنرالات هو عودة بن جوريون(وهو الرجل الذى يستشهد الساسة به في تهدئة ثورة الجنرالات) ليرأس الوزارة بدلاً من أشكول ، وكذلك أن يعود موشى ديان من صفوف الجنرالات بالمعاش إلى الخدمة العاملة ليُمسك وزارة الدفاع بدلاً من أشكول!
وقد رفض أشكول هذه المطالب كلها واعتبرها عدواناً من العسكريين على السلطة المدنية المنتخبة في دولة اسرائيل الديموقراطية.
كما أن جولدا مائير رئيسة الحزب رفضتها وكانت علاقاتها مع بن جوريون قد ساءت ، وكان رأيها دائماً أن ديان «عسكري خفيف ومغرور» ثم هو «طامح لدور سياسي نابليونى» (على حسب تعبيرها).
وكان السياسي المخضرم اسرائيل جاليلى يرى أن مطالب الجنرالات شطط لكنه من الخطأ التعامل معها بمجرد التمسك بحقوق السلطة المدنية (كما يرى أشكول) ، أو بالتقييم الذاتي الملون بالعواطف (كما تفعل مائير تجاه ديان).
ويقول الجنرال (ليور) مدير المكتب العسكري لرئيس الوزراء: «أن أشكول لم يخامره الشك لحظة في أنه إذا لم يكن ما قام به الجنرالات انقلاباً بالضبط. فإنه كان تمرُداً بالتأكيد».
وعاد يومها أشكول لبيته غاضباً مقهوراً ودفعه ذلك الغضب إلى أن يطلب من زوجته “مريم” أن تسجل نقلاً عنه في مذكراتها رسالة اعتبرها نوعاً من الوصية ، وقد سجلت مريم قوله لها:« مريم.. سجلي أننى أول رئيس لوزراء إسرائيل أجئ إلى هذا المنصب من خارج الجيش ، وبعيداً عن نفوذه المباشر ، وفوق ذلك فإنني أول رئيس وزراء لا يقبل أن يكون لُعبة في يد العسكريين».
وعاد أشكول بعد أن تدحرج موقفه الى درجة تثير القلق ، وبدا غير واثق من نفسه بعد أن أهانه الجنرالات ، واتهموه صراحة بالجبن والتخاذل، والعجز عن تزعم وزارة حرب لمكتبه ليجد أن الجنرالات مُصِرين على طلباتهم التي قدموها له بالأمس.
وبصوت يرتعش وبنبرة كسيرة رد أشكول بأنه لن يترك رئاسة الوزارة لبن جوريون ، وأنه سوف يستعيض عن ذلك بتحويل وزارته الى وزارة وحدة وطنية تشترك فيها كتلة (جحال) ويدخلها مناحيم بيجن شخصياً وزيراً للدولة. ثم أذعن ليفي أشكول ضمن صيغة حل وسط وترك وزارة الدفاع ل”موشى ديان” الذى عاد إلى الساحة عودة قيصر إلى روما.
وتظهر الصورة بائسة من خلال مذكرة عن حديث بين ليفي أشكول واسرائيل جاليلى(وزير الدولة) كتبها الجنرال (ليور) مدير المكتب العسكري لرئيس الوزراء وطبقاً لنصها يقول أشكول لجاليلى:
«هم لا يثقون بي مسئولاً عن قيادة المعركة القادمة. يظنون أننى لا افقه شيئاً في العسكرية مثل بن جوريون. وهم مخطئون ، وسوف يعرفون يوماً من الحقائق ما يجعلهم يخجلون مما فعلوه معي».
ويستطرد قائلاً:
«إنني جئت بجيش الدفاع بسلاح لم يكن يخطُر على بال قادته(يقصد السلاح النووي). وأنا أول رئيس وزراء لإسرائيل يدير معركة ويأخذ في حسابه وجود (سلاح نووي) ، وقد عاصرت صنع هذا السلاح ، وذللت كل صعوباته أكثر مما عاصره بن جوريون. وليس هناك إسرائيلي غيرى يستطيع أن يحصل من جونسون (رئيس أمريكا) مثلما أستطيع أنا».
وكان آخر ما قاله أشكول عن تصرفات الجنرالات:
«إن هؤلاء الجنرالات يريدون لإسرائيل أن تعيش بالسف وحده ، وأن تعيش على السيف وحده إلى آخر العمر»
(7)
الجنرالات ينقسمون إلى جبهتين والحرب على وشك الانطلاق!
جبهة رئيس الأركان رابين مقابل جبهة وزير الدفاع ديان!
كان أشكول في تلك الظروف ينتفض غضباً لكنه جاهد في السيطرة على مشاعره ، وقد اعتبر نفسه مسئولاً عن احتواء التمرد حتى ولو ضحى بسلطته ، خشية أن يتحول (التمرد) بالفعل إلى (انقلاب)يسئفي تلك الأوقات الى اسرائيل. وعندما قبل أشكول بحل وسط واعاد ديان من (التيه) الى (قيادة الجيش) مرة أخرى ، فإنه خلق اختلافاً بينهم دون أن يدرى! فقد انقسم الجنرالات الى جبهتين:
جبهة يمثلها الجنرال (ديان) العائد لوزارة الدفاع على حصان أبيض من فوق رأس رئيس الوزراء!، وكان أبرز الصقور في جبهة ديان هو (عزرا وايزمان) الذى قاد تمرد الجنرالات في مكتب رئيس الوزراء ، وكانت العلاقة بين ديان ووايزمان وثيقة وكان كلاهما (عديلاً) للآخر، أي أن زوجتي الجنرالين كانتا أختين!
والجبهة الثانية يمثلها الجنرال (إسحاق رابين) رئيس الأركان ، وكان شعوره أن عودة ديان فوق رأسه إلى وزارة الدفاع اهانة لكفاءته وشك في قدرته على تنفيذ خطة تحمل توقيعه. وكان رابين في الموقف الضعيف رغم أن عدداً من الجنرالات كانوا على استعداد لمساندته ، ولم يكن ذلك اعجاباً به ، وإنما نفوراً من ديان.
وكان شعور هؤلاء الجنرالات خصوصاً هؤلاء الذين شاركوا في إعداد الجيش الإسرائيلي للحرب أن مجيء ديان جائزة لا يستحقها رجُل لم يكن له دور لا في اعداد القوات ولا في وضع الخُطة ، و قد قفز بمناورة انتهازية على مشهد كان بعيد عنه ، فإذ هو في طرفة عين في مقدمة المشهد وصانعه وبطله بلا استحقاق.
(8)
عند لحظة الذروة
المشهد الختامي ..”شيمون بيريز”السر الكبير يتكشف؟!
وفى تلك اللحظات العاصفة ، والمشاعر الغاضبة الممتلئة بالحسد والبغضاء والكراهية والازدراء ، ذهب الباحث أبداً عن دور (شيمون بيريز) إلى كُلاً من وزير الدفاع (ديان) وبعده لرئيس الوزراء (أشكول) وقال لهم اقتراح لم يخطر على بال أحد غيره كالعادة!
قال همساً:«إن الوزارةفي تلك اللحظات تواجه طلباً أمريكياً بالانتظار حتى يتأكدوا من تثبيت موقف السوفيت ، والاطمئنان على موقف أصدقائهم العرب من الملوك (الملك فيصل في السعودية ، والملك حسين في الأردن). والكل مع تصميمه على ضرورة ضرب ناصر وإهانته متردد في اللحظات الأخيرة تحسُباً لوقوع خسائر كبيرة ، واقتراحي عليكما ما يالى:
«أن تُعلن إسرائيل الآن وفوراً أنها سوف تُجرى تجربة على جهاز نووي».
ويُضيف بيريز: «إنه على حد علمي فإن إدارة مشروع رافائيل (الجهة المسئولة عن المشروع النووي الإسرائيلي) لديها ما يُمكن أن تجربه ، وبعد ذلك (وفق تقديره) فإن مجرد صدور إعلان بهذا المعنى كفيل بإسقاط ناصر. لأن الجيش والشعب في مصر كليهما سوف يدركان أنهما أمام قوة نووية ، وحينئذ تنتهى المعركة قبل أن تبدأ».
لكن هيئة أركان حرب الجيش الإسرائيلى رفضت الاقتراح لعدة أسباب:
- أن مثل هذا الإعلان عن مشروع إسرائيل النووي سابق لأوانه.
- أن الولايات المتحدة سوف تجد نفسها مضطرة إلى الوقوف ضد “اعلان نوويإسرائيلي” وقع بدون موافقتها في منطقة لا تحتمل مثل هذا النوع من التصرفات.
- إن الاتحاد السوفيتي قد يعتبر هذا الإعلان إجراءاً طائشاً ، ومن ثم يتدخل ويكون لتدخله في الظرف الموضوعي الراهن صدىً دولياً مواتياً.
إن مثل هذا الإعلان سوف يوحد كل العرب على كل الجبهات بينما المقصود الأصلي هو عزل الجبهات العربية عن بعضها وذلك جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية.
وفي النهاية:
لا أعلم إن كان عُربان الخليج يقرأون، وحتى إن قرأوا فهل سيفهمون؟ ربما!