أمن

نظرة جديدة على الوثائق الإسرائيلية – الجزء الثامن كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مقدمة ضرورية
أجد نفسي اليوم واقع في حرجٍ بالغ أمام قارئ كريم استقبل تلك السلسلة بصدر رحِب و عقل مفتوح وقِلبٍ متلهف ، وأجد نفسى مُطالباً بتوضيح عدد من النقاط سريعاً.
أننى كنت أريد أن أبتعد عن نشر تلك السلسلة في شهر أكتوبر(تشرين) لأن ذلك الشهر أصبح يُشبه طريقاً مليئاً بالضجيج والصخب العالي مما يحدثه ، هدير محركات السيارات السائرة مختلطة بالأغاني المنطلقة من تلك السيارات مع صرخات المارة على الأرصفة !
وقد كنت أريد أن أمشى وأسير بموضوعي في طريق هادئ بعيداً عن الصخب و الضجيج وأصوات محركات السيارات وصرخات المارة الذى يحدثه الإعلام في ذلك الشهر.
ولأننا في عالمنا العربي حديثي عهد بالدخول في الصراعات ، فنجد أنفسنا لا نعرف كيفية التعامل مع «الصراع» و الحروب أحد أوجهها ، وما ينتج عنها من أثار «كالهزائم» و«الانتصارات». ولعل ذلك يعود لأن الأمة بأسرها قد سلمت الدفاع عن نفسها للمماليك ، ومن ورائهم العثمانيين وكانت أول تجربة بالدم والنار في صراع حقيقي في حرب عام 1948 وكانت تلك صدمة كبيرة على مستوى الجيش والشعب.
وضمن جولات الصراع بدأت الأمة تحاول الفهم والدرس ، وترصد المتغيرات حولها ، تخطوا إلى الأمام خُطوة وتتراجع للخلف خُطوتين حتى جاءت حرب أكتوبر وما تلاها من أحداث سياسية أضاعت النصر العسكري الذي كان بين يديها (أو هكذا أظن) ، فأصبح التراجع خطوات وخطوات ، ولم يعد الصراع صراعاً بين العرب وإسرائيل ، بل نزل بقيمته ليكون نزاعاً بين (مصر وسوريا والأردن و الفلسطينيين) وإسرائيل ، وتنازل بكرامته أكثر ليكون خلافاً بين الإسرائيليون والفلسطينيون والسوريون وحدهم اليوم.

ودارت العجلة من يومها إلى اليوم دورةً كاملةً ، فرأينا غالبية العرب اليوم يهرولون ليطبعون ، ويُقبلون فرحين سُعداء والابتسامة على وجوههم والضحكات ملأ أشداقهم ، فاتحين ذراعيهم ليعانقوا عدو الأمس و صديق اليوم وحبيب الغد وحليف بعد الغد (إسرائيل)!

أما الحروب لدى العرب هي قصائد حماسية وأغاني وطنية.

والهزائم لدينا هي قصائد رثاء ولعن الظروف وتحميل المسئولية للمؤامرة الخارجية.

أما الانتصارات معنا تعنى قصائد فخرٍ لا تنتهى و لا تخلوا من الحماسة وأغاني انتشاء لا تخلوا من المبالغة.
والانتصار مع العرب مثلاً هو تعظيم الحاكم وتاليهه. فنصر أكتوبر هو الرئيس (المؤمن) محمد أنور السادات ، وتغير ليصبح سلاح الطيران وقائده يومها الرئيس فيما بعد محمد حسنى مبارك (عِلماً بأن سلاح الطيران كان أقل الأسلحة دوراً في الحرب).

كما أن الاحتفال يصبح مناسبة للتشويه وتصفية الحسابات ، فمثلاً منذ عام 1974 تم محو أي ذكر لاسم الفريق سعد الدين الشاذلي (رئيس أركان حرب الجيش المصري في حرب أكتوبر) رغم أن خُطة الحرب النهائية عليها توقيعه هو والمشير أحمد إسماعيل (وزير الدفاع وقتها) ، ولم يعُد الحديث عن الرجل ودوره وعمله وفضله إلا بعد ثورة يناير 2011 .

وأما المعاني المترتبة على الصراع من نصر وهزيمة لدى الطرف الآخر (الإسرائيلي) تعنى (درس) التجربة دراسةً موضوعيةً وافيةً ، والوقوف على الإيجابيات والسلبيات وتحديد والأخطاء والمسئوليات لتلافيها في الجولة القادمة من الصراع.
وهكذا من لجنة «أجرنات» (لدراسة وتحديد الأخطاء في حرب أكتوبر 73) وحتى لجنة «فينوجراد» (لدراسة وتحديد الأخطاء في حرب لبنان مع حزب الله 2006).
وأما في الاحتفال بالانتصارات لدى الشعوب التي تفهم وتعي معنى «الصراع» ، لا يكون الاحتفاء بشخص حاكم مهماً علت قيمته وتعاظم دوره ، ولا تشويه إنسان مهماً قل شأنه ، بل يكون تعظيماً وتبجيلاً لجوهر أي دولة وهو «المواطن» ، إن «المواطن» العادي البسيط هو(عند الدول التي تفهم معنى الصراع) «نجم» أي (انتصار)».

«المواطن» هو «البطل» ، وليس القائد أو الزعيم أو الرئيس أو الجنرال.
ففي فرنسا مثلاً يتم الاحتفاء بكل من شاركوا في تحرير فرنسا من سيطرة النازي ، بل ويتم تكريم كل من شارك في ذلك العمل من «اللصوص» وحتى «فتيات الليل» (البغايا) ، قبل ذكر أسماء من وزن وعينة الجنرال «شارل ديجول» و المثقف الحالم «أندرية ما لرو».
أي أن الكتابة عن هذا الموضوع ليست كتابة عن الماضي التاريخي كما يتصور البعض ، بل هي كتابة في جوهر الحاضر السياسي الآني ، كما أزعُم و أتصور.
يتبقى أن أقول أننى أحاول بذلك العمل تنشيط الذاكرة علنا نعرف من نحن ، وكيف كنا و في أي طريق مشينا و إلى أين أصبحنا؟

في البدء .. رؤية السادات!

كان المدخل إلى طرح موضوع الأمن والتأمين أن الرئيس «السادات» توصل إلى قناعات نهائية في قراءته لشكل المستقبل في مصر وهو مقتنع كل الاقتناع بموجباتها وقد طرح وجهة نظره فيها بطريقة قاطعة:
1 – إن المستقبل لأمريكا، وهو يريد أن تكون مصر في هذا المستقبل مع أمريكا وليس مع غيرها.

2 – إنه ترتيبا على ذلك فإنه سوف يتخذ في سياساته الدولية والعربية منهجا يختلف عما جرت عليه السياسة المصرية من قبل.

3 – ثم إنه وبمقتضى اختياراته بعد حرب أكتوبر على استعداد من الآن للتحرك نحو سياساته الجديدة وحده، دون انتظار بقية العالم العربي، ثم إنه سوف يصطف مع الولايات المتحدة في مواجهة السوفييت.

4 – وهو بالتوازي مع ذلك يعتبر أن حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، هي آخر حروب مصر معها، وذلك سوف يجري اعتماده وإعلانه تأكيدا نهائيا للسياسات الجديدة.

5 – وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصوُّره للتطور الاجتماعي المصري سوف يختلف عن تصورات سلفه، عن يقين لديه بأن متغيرات العالم تثبت أن المستقبل للرأسمالية.

ولأول وهلة تبدَّى «لكيسنجر» أن تلك سياسات تتجاوز الحقائق الراهنة في مصر، وربما تتصادم معها، وساوره الشك في قدرة الرئيس «السادات» عليها.
حمل «هنري كيسنجر» معه إلى «واشنطن» ما سمعه من الرئيس «السادات» وهناك جرى بحثه ، وتقرر أن يتم استخدام سياسة السادات (والتي وصفها كيسنجر نفسه بالحالمة المتوهمة!) لتغيير مصر لتسير في الركاب الأمريكي.

خطة كيسنجر

وعاد كيسنجر مرة أخرى إلى مصر يوم 12 يناير 1974، والتقى الرئيس «السادات» في استراحة الرئاسة وراء خزان أسوان القديم.

كان الرئيس «السادات» مازال على موقفه ، وكان «كيسنجر» جاهزاً بخطة أمن رآها ضرورية للرجل المُقْبِل على مخاطر تحول أساسي في اتجاه مصر، و للاستراتيجية الجديدة التي تحمل مسئولية سياساتها!! وعرض «كيسنجر» في هذا الاجتماع الثاني على الرئيس «السادات» خطة أمن وتأمين يتم تنفيذها على ثلاثة محاور:
1 -الأمن الشخصي للرئيس ، وهو يقتضى إعادة تنظيم حراسة أماكن إقامته في أي مكان وأي وقت.

2- والأمن الإقليمي للدولة في حركتها على الخطوط الاستراتيجية الجديدة، وهى تشمل عنصرين:
·أن يكون «البلد» THE COUNTRY تحت مظلة منظومة الدفاع الإقليمي الذى تشرف عليه القيادة المركزية الأمريكية المكلفة بالدفاع عن الشرق الأوسط.

·وأن تتواكب مع هذه المظلة العسكرية، مظلة أمنية هي شبكة المخابرات الكبرى في المنطقة، التي تتلاقى في إطارها جهود الوكالتين الرئيسيتين وهما:
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية العاملة مع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
ثم وكالة الأمن الوطني العاملة في إطاره وزارة الدفاع الأمريكية وهى وكالة N.S.A NATIONAL SECURITY AGENCY، وكذلك يكون الغطاء شاملا مدنيا وعسكريا عابرا للحدود بين الدول، نافذا إلى العمق داخل هذه الدول!!

3 – وبعد الأمن الشخصي للرئيس والأمن الإقليمي للدولة يجئ الدور ثالثا في خطة «كيسنجر» على الأمن الاجتماعي للنظام ، وهو الآن يقتضى إعادة الهندسة الاجتماعية وخلق طبقات جديدة تسند التوجهات الجديدة بأسرع ما يمكن.

وكان واضحاً أن الأمن الشخصي للسادات كان هاجس الرئيس الراحل السادات ومن خلفه مبارك:
كان الأمن الشخصي للرئيس هو البند الأول على القائمة.

وقد اقترح «كيسنجر» أن تجئ إلى القاهرة مجموعة خاصة من الخبراء تقوم بمهمة متعددة الجوانب:
مباشرة نظام الحماية المخصص للرئيس على الفور.

وإعادة تدريب قوة الحراسة الرئاسية على أحدث وسائل وأساليب الحماية.

ثم وُضع خطة دائمة لإجراءات وضمانات الأمن المطلوبة للرئيس.

وتقاطرت على مصر بعدها وفود من خبراء الأمن، وظل بعضها في مصر لمدة سنتين، تم أثناءها وضع الخطط اللازمة لهذا الجزء من خطة الأمن وهو المتعلق بالحماية الشخصية للرئيس، والإشراف على تطبيقها عمليا، ثم وضع ترتيبات دائمة لأمن الرئيس.

وكانت خطة الأمن الخاص أوسع من مجرد تشديد الحراسة حول الرئيس حيث يكون أو حين يتحرك، فقد كان بين بنودها إجراءات تواجه احتمالات مفاجآت غير متوقعة، ثم قائمة إجراءات تحقق مطالب الأمن المحتملة في حياة كل يوم، وبدت بعض الإجراءات مشددة ومتشددة، وأوسع مجالاً من المتعارف عليه:

·منها مثلاً حرس خاص ، وسلاح مختلف ، وتدريب أعلى ، وقيوداً وحدوداً تطبق في أي مكان يتواجد فيه الرئيس، مع ضرورة تأمين أي موقع يحل فيه قبل دخوله إليه بست وثلاثين ساعة على الأقل!

·ومنها مثلا أن يتنقل الرئيس كلما استطاع بعيداً عن شوارع القاهرة ، مع تفضيل الهيلوكوبتر وسيلة للانتقال شرط حركتها من ممرات دائرية تتفادى المناطق المزدحمة بالعمران والمباني العالية التي لا ينكشف حولها ما يدور على سطحها، أو تلك المنخفضة التي تتكدس فيها المخلفات وتوفر إمكانية الكمون والتربص وسطها.

·ومنها مثلا أن تتعدد أماكن إقامة الرئيس في أكثر من مكان ، وبحيث لا يستطيع أحد أن يخطط لشيء أثناء وجوده لمدة معلومة في مكان معين.

·ومنها مثلا أن يكون معظم تواجده في مناطق تسهل السيطرة عليها، كما يسهل عزلها عما حولها، كما تتنوع إمكانيات الخروج السريع منها في حالات الطوارئ، كأن تكون بها مساحات صالحة لاستعمال الهيلوكوبتر أو مجارى مياه لاستعمال القوارب ، إلى جانب الطرق المفتوحة للسيارات.

·ومنها مثلا أن تكون هناك مواقع تمركز جاهزة لتسكين مجموعات من سرايا القوات الخاصة من الحرس الجمهوري تتحرك مع الرئيس حيثما ذهب.

·ومنها مثلا أن ترصد حوافز ومكافآت خاصة لقوات البوليس التي تصطف على طرق المواكب، إذا ما اضطر الرئيس لسبب من الأسباب أن يتحرك وسط «مدن»، وأن تتميز هذه المكافآت عن غيرها بأن توضع في أظرف خاصة عليها شعار رئاسة الجمهورية، تذكِّر من يتسلمها ولو بالإيحاء أنها من «ولى النِعَم»!!

وبعد اغتيال السادات رؤى تشديد الحراسة أكثر وأكثر فاستُحدث مجموعة من الإجراءات منها:

.إغلاق المجال الجوي وقت تحليق طائرة الرئيس فيها، وعلى طول الطريق الذي تسلكه.

.ومنها مثلا إغلاق الشوارع من الجانبين أثناء مرور أي موكب رئاسي.

.ومنها مثلا تعليمات دائمة (من مبارك) بأنه لا يريد أن يرى على أي طريق يمر فيه بابا مغلقا، لا يبين ما وراءه، وأن أي باب مغلق لابد أن يُفتح ولو كسرا، وتفتيش ما وراءه ، وأن توضع أمامه حراسة مضافة إلى حراسة الاصطفاف على الطريق.

و أن تكون «شرم الشيخ» مقر إقامته الأساسي، وكان ذلك رأى الخبراء الأمريكيين أيضاً، لأن «شرم الشيخ» توفر مزايا أمنية مثالية، فهي منطقة محددة عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، وأجوائها مكشوفة من كل اتجاه، وهى على بُعد دقائق بالقارب من السعودية، وعلى بُعد أقل من ثلث ساعة عن الأردن وإسرائيل، ثم إن موقعها مجاور لمواقع قوة المراقبة الدولية في سيناء (وهى في الواقع أمريكية، ولديها من الوسائل ما يجعلها تلتقط دبيب النمل على رمل الصحراء!!).

ووصل هاجس الأمن والتأمين بالرئيس «مبارك» وبحاشيته إلى درجة عبثية.

كانت أجهزة الأمن في الدولة قد توسعَّت إلى أبعد من أي حد سبق في مصر بسبب ما جرى بثورة التكنولوجيا، وكذلك قفزت برامج الأمن والتأمين في مجال الرقابة إلى حد غير مسبوق، لأن البعض كان يريد أن يتأكد بنفسه ويطمئن، خصوصا بالتسمُّع على أطراف مشكوك في نواياهم.

ثم وقع تطور أهم ، وذلك أن «أحدهم» (السيد أشرف مروان) عاد من لندن ذات مرة ومعه جهاز جديد للتنصت على التليفونات ، موجود في محال متخصصة لبيع «أجهزة التأمين»، لكن شراءها يقتضى «شهادة من جهة رسمية تأذن باستعماله»، وذلك شرط بيعه وتسليمه.

وفى القاهرة جرت تجربة «الجهاز» ، واستطاع «الراغبون» أن يدخلوا على أي خط يريدون التسمع عليه في أي وقت ، ثم ما لبث أمر هذا الجهاز أن أصبح «موضة» عند مستوى معين من أصحاب السلطة.

كان البند الثاني في خطة الأمن والتأمين ربط «أمن النظام» بمؤسسات الأمن والتأمين الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية.

والتي تضم شبكة القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط ووكالات المخابرات السياسية C.I.A، ووكالة الأمن الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكي N.S.A.

وربما كان الأنسب هنا ألا أقول في تفاصيل هذه القضية الشائكة شيئا من عندي، وإنما أنقل عن كتاب «بوب وودوارد» الصحفي الأمريكي الأشهر في مجال الاستقصاء، والمعروف بدقة مصادره أنها على أرفع مستوى بين صُنَّاع القرار الأمريكي، فقد تعرَّض «وودوارد» في كتابه لمسألة أمن وتأمين النظام من البداية ، أي منذ اتفاق «كيسنجر» مع الرئيس «أنور السادات»، ففي صفحة 312 313 من كتابه THE VEIL (أي البرقع أو الحجاب) ذكر «بوب وودوارد» تفاصيل كثيرة تثير الانزعاج، ولذلك اكتفى في الحديث عنها بمجرد لمحات تغنى عن التفاصيل، ففي نصوص ما قاله «بوب وودوارد» مثلا:

«لقد أوضحت عملية الدعم الأمني والمخابراتي للرئيس الراحل «أنور السادات» ميزات وعيوب هذه النوعية من العلاقات السرية. لقد وصل «السادات» إلى الحكم عام 1970، وبعدها بعامين أطاح بالروس خارج مصر، وبعد سنتين أعدت الC.I.A واحدا من أقوى برامجها للحماية الشخصية والمساعدة الاستخباراتية. في المقام الأول أرادت الولايات المتحدة أولا أن يبقى «السادات» على قيد الحياة، وثانيا أرادت تحصيل أكبر ما يمكن للمعلومات عن «السادات»، وعن سياسات ومناورات القصر، وكان هناك طوفان من تلك المعلومات وبعضه غير ذي قيمة، ولكن كانت هناك حالة انتعاش في الC.I.A بالحصول على مصادر موثوقة، وعمل جداول لنزوات وطموحات وسياسات العشرات من الوزراء ونواب الوزراء.

لم يكن هناك تقييم كافٍ لما تحصل عليه المخابرات، فقد غلب الكم على الكيف، بتدفق هذا الكم الغزير من المعلومات، وتحول العمل السري للمخابرات إلى إدمان، وفى أوقات معينة بدا أن الأمر يستحيل تقييمه ويصعب تصنيفه، وكلما زادت المعلومات التي تعرفها الC.I.A كلما قل ما يمكن الاستفادة به منها ، لقد استخدم قادة مثل «السادات» هذه العمليات المخابراتية باعتبارها مرتكزاً ومتكأ، يؤمِّن لهم بابا خلفيا لحكومة الولايات المتحدة، وهى طريقة للالتفاف حول القنوات الدبلوماسية المعتادة، وطلب معلومات خاصة من الـ C.I.A وخدمات مختلفة، أو حتى اعتمادات مالية.

كان البند الثالث في خطة الأمن والتأمين اجتماعيا واقتصاديا، وكذلك فكريا وثقافيا.

والحقيقة أن الظروف كانت تفتح الأبواب واسعة لهذا البند، ذلك أنه على الطريق إلى أكتوبر وكذلك بعد المعركة بدا واضحاَ أن هناك مستجدات وضرورات لابد على نحو ما من التوافق معها، وكانت هذه المستجدات علمية واقتصادية واجتماعية هبت رياحها على مصر، وتوافقت معها فوائض ثروات من قفزة أسعار البترول أشاعت جواَ من التوقعات تفاعلت بين المستجدات والتطلعات، ونشأ بالتالي مناخ مستعد ومهيأ لكل شيء وأي شيء ، ولأن الظروف تستدعي الرجال ، فقد كانت تلك هي اللحظة التي ظهر فيها رجال مثل المهندس «عثمان أحمد عثمان» بالقُرب من الرئيس «السادات»، مبشرين بالمنطق «العملي» و«الواقعى» دون «أحلام أو خيالات»!

كانت تلك خاتمة الدراسة التي امتدت على مدار ثماني حلقات، وبرغم بلوغ نهاية الدراسة إلا أن قصة الانقلاب والتحول من النقيض للنقيض لم تنتهي بعد ولازلنا نرى فصولها مستمرة من منتصف السبعينات وحتى أوائل الألفية الجديدة ، وكلها فصول حزينة و عابسة و مبكية تتشح بالسواد وسط صرخات وجع وأنين.

المصادر:

تقرير لجنة أجرنات.

حرب أكتوبر السلاح والسياسة – محمد حسنين هيكل.

مبارك من المنصة للميدان – محمد حسنين هيكل.

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى