ألابرزالاحدثالاكثر قراءةالصورة الكبيرة

الطائف: حدود المسؤولية بين النص والتطبيق| سلسلة تاجر الأمل وبياع الخواتم (1)

المقدمة : منذ التوقيع على اتفاق الطائف عام 1989 وحتى اليوم.. اعتاد لبنان واللبنانيون وبشكل عرفي على توزيع السلطة بطريقة يندر أن تجدها في أي دولة أخرى وتهدف إلى ضمان تمثيل سياسي معين للطوائف اللبنانية الثمانية عشر وفق معادلة تحابي " المحاصصة " بين ممثلي الطوائف. اكثر من ثلاثة عقود مضت على إبرام هذا الاتفاق، الذي عرف ب" وثيقة الوفاق الوطني " وحمل بوادر امل للبنانيين بعد أن أنهى 15 عاماً من الصراع والإقتتال، وراح القادة اللبنانيين يعاملونه كمعاملة المرجعية النهائية للسلم الاهلي . بنود الاتفاق نصت على ابقاء رئاسة الجمهورية بيد المسيحيين ورئاسة الوزراء للسنة والنواب للشيعة على طريق الغاء الطائفية السياسية. كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري عرابه ، والاتفاق ضمن للبنان فترة من الهدوء والازدهار الاقتصادي حتى جريمة اغتيال الحريري عام 2005 وما تبعها من اعادة تشكيل للتحالفات وتبادل للاتهامات بين الزعماء الذين راحوا يتمسكون وفقا لهذا الاتفاق كل بحصته في الدولة تبعا" لمبدأ المحاصصة وضمن إصطفافات تخدم مصالح مكوناتها بالدرجة الأولى . التقاسم الطائفي في لبنان لم يقتصر على الرئاسات الثلاث فقط بل تجده يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة في الدولة ( مناصب الفئة الاولى )، واليوم مع كل أزمة سياسية يعود الحديث عن الطائف. وفيما لا يزال البعض يتعامل معه وكأنه كتاب منزل. تبقى المشكلة في القراءات المتنوعة التي لا تخفي المصالح الطائفية الواضحة في تفسير "الطائف". لكن المؤكد، أن الاتفاق التاريخي الذي تم برعاية ثلاثية أميركية – سعودية – سورية، لم يعمل به يوماً. ما "المناشدات" بالعودة إلى الطائف سوى مادة دسمة تستخدم كل حين، في لعبة تبادل الإتهامات وتراشق المسؤوليات التي اعتدناها جميعنا حتى مللنا منها. (د. مازن مجوز).

 

____________________________________

في ما يلي يجيب المتحاورون السبعة على سؤال المحور الأول : اتفاق الطائف هو استمرار لصيغة 43 بصيغة اخرى طالما هو نظام طائفي. بل ان تطبيق الطائف قد يدعو للترحم على صيغة 43، ما هي حدود المسؤولية بين كل من النص والتطبيق؟

(الاسماء معروضة بالترتيب الابجدي)

____________________________________

الاميرة حياة ارسلان رئيسة هيئة تفعيل دور المراة ، منسقة مجلس مجموعات من الثورة.

الاميرة حياة ارسلان
الاميرة حياة ارسلان، الطائف

بالنسبة لاتفاق الطائف وصيغة الـ 43 ، هناك روحية صيغة ال 43 لكن لا تجوز المقارنة بين اتفاق الطائف وصيغة ال 43 لأن صيغة ال 43 كانت حول عدم الارتباط بالخارج. كان رياض الصلح يطلب منهم ان لا يلتزموا بفرنسا ولا يحتموا بفرنسا وبشارة الخوري يقول على المسلمين بأن لا يطالبوا بالانضمام الى العالم العربي .

القضية كانت بين اللبنانيين ومحيطهم والخارج،  بينما اتفاق الطائف يختلف تماماً. أتى بعد حرب مدمرة جرت على الاراضي اللبنانية،  ولو أنها تضمنت عناصر خارجية وخصوصاً العنصر الفلسطيني،  لكنها كانت بين اللبنانيين. الفارق انهم كانوا يحاولون بناء لبنان عبر إتفاق الطائف ويتخلصوا من ذيول الحرب الاهلية التي كانت سائدة انذاك . مجرد  ذكر انه سيكون هناك مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف أعتبر ان ذلك طائفي. عندما يتكلمون عن الاصلاحات وعن فئات الموظفين ويقولون أن الفئة الاولى فقط تكون على اساس طائفي هنا المآخذ على هذا الاتفاق.

لكن مع عدم رضانا عنه،  من الممكن ان نتفهمه لأن اتفاق الطائف حصل بعد سقوط 200 الف قتيل في لبنان ولم يكن الممكن الوصول الى قمة الاصلاح مرة واحدة. في وقت كان هناك حرب مدمرة على الاراضي اللبنانية سقط فيها شهداء من كل الطوائف والطبقات ولم توفر احد .

أستبعد ان يترحم احد على صيغة ال 43 مع العلم ان روحيتها باقية وروحيتها في الفترة الحالية تعطي نفحة ودعم لموقف الحياد الذي يطالب به البطريريك ونحن من الناس الذين يؤيدون حياد لبنان.

الحياد

هنا يمكن القول أن هناك اتكال على صيغة ال 43 لانها تؤمن الحياد عن الخارج الذي يسموه ساعة نأي بالنفس وساعة تسمية أخرى.  نتكلم هنا عن علاقة لبنان بالخارج وليس بالداخل، المطلوب وبقوة تنفيذ إتفاق الطائف لأنه لا يمكن اليوم أن يكون لديك إتفاق ثان يحل محل اتفاق الطائف. فعندما يتكلم عن إتفاق جديد يحكى عن مؤتمر تاسيسي وعن مثالثة  ولا أحد مستعد لهذا الموضوع، ومجرد تنفيذ إتفاق الطائف مع تصحيح بعض الفجوات التي يتضمنها، وهي ليست صعبة كقانون الانتخاب مثلاً ممكن عندها ان يكون لبنان على السكة الصحيحة. ينص اتفاق الطائف في الاصلاحات على تشكيل هيئة وطنية وخطة مرحلية لالغاء الطائفية السياسية وهو لم يتجاوز مبدأ الغاء الطائفية وهذا اذا طبقناه نكون فعلاً اتجهنا في الاتجاه الصحيح لإلغاء الطائفية. ساعتئذ لا مشكلة ابداً ان يكون هناك مجلس شيوخ يحفظ حقوق الطوائف الى ان نصل الى مكان ننسى كلمة ” مجلس شيوخ وحقوق طوائف “. لكن اذا أردنا الحديث فيها اليوم نكون نحلم اكثر مما نكون نلامس الواقع، نلاحظ ان اتفاق الطائف بعد 30 سنة لم ينفذ منه الكثير.

مطلب تنفيذ اتفاق الطائف يجب ان يكون المطلب الاساسي اليوم كي نقطع من هذه المرحلة السوداء سياسياً وفي نفس الوقت نعمل على انقاذ البلد اقتصاديا لأن ما يحصل هو اسوأ شي بتاريخ الجمهورية اللبنانية .

 

الدكتور طلال عتريسي ، اكاديمي وباحث سياسي كاتب في الشؤون الإقليمية والحركات الإسلامية والشؤون الاستراتيجية ، عميد سابق للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

د. طلال عتريسي
د. طلال عتريسي، الطائف

 

حتى اليوم لا يزال الموقف من اتفاق الطائف بين الاطراف السياسية والطائفية في لبنان غير محسوم ، البعض يعتبر أن هذا الاتفاق هو الحل المثالي للبنان، والبعض الآخر يرى أنه أساس البلاء الذي  وصلنا اليه في إدارة الحياة السياسية والازمة التي نعيشها اليوم.  بعض ثالث يقول إن هذا الاتفاق لم يطبق كما هو مطلوب، ولو طبق لكان الوضع افضل. هذه ثلاث رؤى في الداخل اللبناني حيال إتفاق الطائف.  وبسبب هذا الإختلاف في التعامل مع هذا الإتفاق، يصعب اليوم التفاهم  على  إعادة  النظر في دستور مضى على تطبيقه أكثر من ربع قرن، كما يحصل في  بلدان العالم كافة. خاصة وأن الحياة السياسية وطريقة إدارة البلاد لم تكن على ما يرام طوال تلك السنوات، ما يستدعي مراجعة ما حصل للتطوير أو التعديل أو  الإلغاء.

يصطدم مشروع تعديل الإتفاق في الوقت نفسه مع الاتجاه الذي يرى أن اتفاق الطائف هو إتفاق تام وناجز ولا تشوبه شائبة في حين يتحفظ الاخرون الذي يرى أنه يجب إلغاء هذا الاتفاق والبحث في إتفاق جديد، ما يعبّر عن  عمق الأزمة اللبنانية التي يتداخل فيها أي تغيير سياسي بالأبعاد الطائفية والمذهبية.

هل اتفاق الطائف  امتداد لصيغة 43 الصيغة الطائفية؟

نعم هو امتداد لها باعتبار أنه يعيد توزيع النظام وتراتبية النظام وتقاسم النظام على اساس طائفي. هذا التوزيع غير مقر دستوريا وحتى الطائف الذي هو دستور جديد لا يلزم الطوائف في ما بينها برئاسة اولى ورئاسة ثانية ورئاسة ثالثة. بقي أمر هذا التداول الطائفي والمذهبي ضمن العرف وضمن التوافق وضمن العيش المشترك وهو لذلك إستمرار لصيغة ال 43 . لكن ما حصل في هذا الاتفاق هو تعديل في صلاحيات الرئاسات هذا هو الجديد في إتفاق الطائف.  هذا هو  الذي يفسر الإختلاف حول الموقف من هذا الاتفاق.  وفي الوقت الذي يعتبر المسيحيون على سبيل المثال أن اتفاق  الطائف كان مجحفاً بحقهم لأنه  إنتزع من رئاسة الجمهورية صلاحيات أساسية وأحالها الى مجلس الوزراء، يعتبر السُّنة الذين يرأسون عرفاً  مجلس الوزراء أن هذا الاتفاق جيد ولا حاجة  لتعديله او تطويره او الغائه. أما الشيعة على سبيل المثال فلا مانع لديهم من التعديل، أو حتى التفكير بعقد جديد او ما شابه ذلك كمؤتمر تأسيسي جديد.  اما الخارج (كالدور الفرنسي والوساطة الفرنسية) فتعتبر أن النظام كله في أزمة. هذه وجهة نظر يشترك معها الكثير من اللبنانيين من الاوساط اللبنانية المختلفة لأن النظام حقيقة يعيش أزمة فعلية، لا يمكن أن تقبل الطوائف أن تتخلى طواعية عن الامتيازات التي حصلت عليها ولا يمكن لطائفة أن تقبل حصول طائفة أخرى على إمتيازات جديدة أو أن تخسر هي الامتيازات التي كانت لها في السابق منذ تأسيس لبنان .

حقيقة الازمة

اذاً هناك ازمة حقيقية في ما يتعلق ليس فقط اتفاق الطائف وإنما ايضا بطبيعة النظام اللبناني. و الدليل على هذه الازمة هو الموقف من الدستور الذي هو اتفاق الطائف فأي تشكيل  للحكومة على سبيل المثال يحتاج الى أشهر طويلة بسبب غياب النصوص وغياب التفاصيل المتعلقة بتشكيل الحكومة والتي لم  ينص  عليها الدستور. كذلك الأمر في ما يتعلق بحجم تمثيل الوزراء. هل يرتبط بالكتل النيابية ام بالتوافق أم غير ذلك؟  إذاً هناك حاجة من جهة لتأكيد بعض النصوص الدستورية أي إدخالها في الانظمة والقوانين لمجلس الوزراء او في مؤسسات اخرى. من جهة ثانية يجب تعزيز الجوانب الدستورية في النظام السياسي على حساب الجوانب التوافقية. أي كلما تحدثنا عن صيغة توافق وعن عيش مشترك وعن أعراف نقع في المشكلات التي نقع فيها اليوم لأن أي طائفة لا تقبل بقانون إنتخابي معين، أو  بوزارة معينة يدخل البلد في أزمة. ولو كان هناك نصوص دستورية على حساب الاعراف التوافقية توضح ما يتعلق بالصلاحيات والمهل الزمنية  والمعايير المختلفة لما بلغته الأزمات في لبنان، لربما  كانت هذه الأزمات أقل، والقدرة على ادارتها ستكون افضل. ولهذا السبب هناك مشكلة حقيقية نعيشها اليوم تنعكس على ما نسميه اليوم ازمة النظام السياسي في لبنان وازمة اتفاق الطائف وعدم التفاهم الوطني على كيفية التعامل مع هذا الاتفاق/ الدستور. هل نلتزم به كما هو ؟ أم نعدل فيه، أم نذهب الى مؤتمر تأسيسي جديد؟ إن غياب التفاهم الوطني حول هذا الموضوع وحول تقدير أهميته مسؤولية كبيرة تفسر الازمة التي نعيشها اليوم وتهدد مستقبل لبنان الذي يشهد هذا الانهيار الكبير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. إنها مسؤولية وطنية ترتبط بهذا الافتراق حول الدستور الجديد الذي هو اتفاق الطائف الذي وضع عام 1989، وبين الرؤية المستقبلية التي لا تعرف بعد هل تريد المحافظة على النظام الطائفي أم تريد الانتقال الى نظام جديد؟ هذه هي الاشكالية التي نعيشها اليوم في لبنان وربما لن ينفع اللبنالنيون من يتدخل  او يلعب دور الوسيط او يلعب دور المنسق كما تطرح فرنسا نفسها اليوم لمناقشة ما يسمى “مؤتمر تأسيسي جديد” او البحث في طبيعة النظام اللبناني، طالما لم يحسموا أمرهم داخلياً تجاه هذه القضايا المصيرية والوطنية .

العميد مروان شربل، وزير الداخلية والبلديات الاسبق ، عميد متقاعد

العميد مروان شربل
العميد مروان شربل، الطائف

وثيقة الطائف اكثر من مبادرة واقل من اتفاق . بمنعى آخر حاولت انهاء الحرب فنجحت الا اننا وقعنا في الفوضى والسبب هو انشاء نظام غير مالوف لتقاسم السلطة والحكم مبني على التمثيل الطائفي وتوزيع الحصص .

في ضوء ذلك اصبحت العيوب الكثيرة في النظام اكثر وضوحا فبات من الصعب خلق دولة مركزية قوية مستقلة ترعى شؤون المواطنين وتعيد اللحمة بينهم بعد 15 عاما من الحرب الاهلية .

اخترعنا الديمقراطية التوافقية لتطبيق الاتفاق فاتت غير توافقية امنت بيئة غير مستقرة وانتجت نمو اقتصادي لم يتمتع بالكفاءة والتوازن .

اما صيغة او ميثاق 1943 كانت الركيزة الاساسية لمبدأ التعايش بين الطوائف وضرورة محاربة التعصب والجهل .إلا انه مع الممارسة اليومية حلت الطائفية محل الدين. ات الوعي يتجسد بشكل هادف لتعزيز الطائفية السياسية منها حتى وقعنا في مطبات وتغييرات ضربت الصيغة وشوهتها وفرغتها من مضمونها الحضاري والانساني والثقافي .

ماذا يحصل اليوم؟

ان روحية اتفاق الطائف التي بنيت على روحية صيغة 1943 كانت تارة مقبولة وتارة اخرى مرفوضة وفقا لتوافق هذه الصيغة مع مصلحة هذا الفريق او ذاك . هذه هي تركيبة لبنان المعقدة والمتناقضة التي تخضع لتداخل مجموعة من الععوامل سهلت للخارج التدخل في نظامنا السياسي والاجتماعي .

قيل في السابق بان الهدف الاساسي لصيغة 1943 هي ” لبننة المسلمين وتعريب اللبنانيين ” فأصبحنا بحاجة الى ” لبننة اللبنانيين ” .

لقد افرز اتفاق الطائف كيانات طائفية مذهبية استطاع اقناع جزء كبير من اللبنانيين بان حزبك هو من يحميك ويحمي طائفتك وليس دولتك . فسيطر زعماء الاحزاب على مؤسسات الدولة وبات الخطاب الطافي يتقدم على ما عداه فتسبب بازمات سياسية ودستورية لأن تكوين السلطة لم يكن على قواعد سليمة وواضحة .

ان اتفاق الطائف الذي استبشرنا فيه خيرا بعد ان اوقف الحرب  الاليمة عمل على توسيع الشرخ بين اللبنانيين وخلق عدم المساواة . فتعطل التشريع وبات تفسير القوانين وتطبيقها استنسابيا حتى بتنا نعتقد بان نصوص الطائف قد وضعت ليبقى اللبنانيون على خلاف دائم يحكم الخارج بينهم .

الطائف غير قابل للتطبيق يحمل في طياته بذور انقسام وخلاف نعيش فصولها حاليا . مما يجعلنا نترحم على صيغة 1943.  لذلك وجب علينا التفتيش عن صيغة اخرى غير طائفية وغير تقسيمية ترعى الكفاءة والعدالة والمساواة.

الدكتور عارف العبد . صحافي، استاذ جامعي وباحث ومؤلف، خبير بالاعلام والتواصل، مستشار للرئيس فؤاد السنيورة.

الطائف
د. عارف العبد، الطائف

اتفاق الطائف لم يعنى بمسألة تنظيم السلطات وتوزع المسؤوليات فقط، بل حسم مجموعة من النقاط المهمة الأساسية التي كانت عالقة قبل اتفاق الطائف، ولذلك هو يشكل نقلة نوعية على مستوى لبنان بعيدا عن النصوص الدستورية والصلاحيات وتوزعها بين اركان الدولة. من هنا فان اتفاق الطائف قد حسم مسالة الكيان والهوية الأساسية للبنان ومسائل أساسية أخرى لم تكن محسومة وكانت تشكل خلافاً وضعفاً في البنيان وهذه الامور لم تكن موجودة سابقاً او لم تكن محسومة، أو واضحة.

البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى عام 1943 تحدث عن لبنان ذو وجه عربي ولم يحسم هوية الكيان. هذه المسألة ظلت موضع خلاف وتجاذب وقد كانت عناوينها أساسية ورئيسية في الجدل السياسي والفكري الذي اندلع قبل اشتعال شرارة الازمة الكبرى 1975. كان السؤال المطروح هل أن لبنان بلد عربي كامل العروبة أم انه ذو وجه عربي؟

لقد جاء اتفاق الطائف ليحسم هذه المسألة باعتبار لبنان بلد عربي الانتماء والهوية بشكل كامل وحاسم.

الطائف والهوية والنظام

حسمت مسالة الهوية وبعدها تم الانتقال الى النظام السياسي الذي يؤكد على الحريات والمواطنة والمساواة وحقوق الانسان ومن ثم هوية النظام السياسي الذي هو ديمقراطي برلماني أي يقوم على الأقلية والأكثرية.   ثم حسمت مسالة الميثاقية في مقدمة الدستور والتي اكدت أن لا شرعية لأية سلطة تناقض العيش المشترك. ثم أتت النقطة المهمة المتعلقة برفض التوطين او التقسيم. وهذه مسائل لم تكن موجودة او محسومة بدستور ما قبل الطائف وقد جاء دستور الطائف ليحسمها.

الإصلاح الأساسي على مستوى السلطات تمثل بنقل السلطة الإجرائية من يد رئيس الجمهورية منفرداً الى يد مجلس الوزراء وهنا حدث التغير الأساسي والإصلاح الكبير على مستوى السلطة الإجرائية.

افاق التطور

اتفاق الطائف، من ناحية التوزع الطائفي، ابقى على العرف القائم بالتوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء. لكنه فتح الباب نحو آفاق التطور بإقرار ضرورة تطبيق الغاء الطائفية السياسية كمرحلة اولى تتبعها انشاء مجلس الشيوخ القائم على أساس طائفي، أي انه أحدث نقلة نوعية على هذا المستوى والتي لم يتم التقدم في تطبيقها خطوة واحدة.

من هنا فان تطوير النظام مرتبط بتطبيق الطائف عبر السير بإجراءات الغاء الطائفية السياسية من خلال الخطوات التمهيدية على الأقل والتي تتمثل بتشكيل الهيئة التي تبدأ البحث والتمهيد للأمر.

اتفق الطائف على الغاء الطائفية السياسية في مرحلة ثانية مقابل إنشاء مجلس شيوخ للطوائف. الغاء الطائفية السياسية مع إنشاء مجلس الشيوخ هذا هو التطوير للنظام السياسي. بمعنى أن الطوائف يصبح لديها مجلس شيوخ طائفي يحفظ حقوق الطوائف والقوانين، وفي نفس الوقت مجلس نواب غير طائفي. ومن هنا الطائف ترك مجال للتطوير، اي تحويل الدولة الى دولة مدنية عندما نخطو الخطوة الثانية بإلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس الشيوخ على اساس طائفي هنا يدخل النظام الى التطور.

قوانين الانتخاب

ان الذي جرى عبر التطبيق وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بقوانين الانتخاب أعاد اغراق النظام في الصيغ والتوجهات الطائفية والمذهبية. على وجه التحديد تمثل ذلك في إقرار اخر قانون للانتخاب والمعمول به الان والذي يتناقض مع روح الدستور وروح وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف والتي تحدثت عن انتخابات على اساس وطني وإعادة النظر بالمحافظات.  وهذا ما حدث عكسه عبر تكريس روح الانقسام والمواجهة المذهبية والطائفية عبر إقرار الصوت التفضيلي في القانون الأخير للانتخابات على أساس المذهب.

لن يتم تجاوز النظام الطائفي في لبنان إلا عبر البدء بخطوات تمهد للتخفيف من الاحتقان المذهبي. الخطوات الأساسية لذلك تبدأ بالإصلاح السياسي الأساسي عبر قانون عصري وحديث للانتخابات يحاكي روح اتفاق الطائف ويثبت العيش المشترك الإسلامي المسيحي.

الدكتور رضوان السيد كاتب ومفكر سياسي لبناني . أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية.

د. رضوان السيد
د. رضوان السيد، الطائف

أنا لا أرى أن صيغة الطائف هي استمرار لصيغة 1943 باعتبار بقاء الطائفية. فالطائف قام بثلاثة أمور أساسية: أسقط التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأقام توازناً دقيقاً بين السلطات الدستورية الثلاث إنْ لجهة الاستقلالية، وإن لجهة التعاون. والأمر الثالث: فتح الأفق على مستقبلٍ للدولة المدنية الديمقراطية، مع الاستمرار في إعطاء الضمانات للجماعات من خلال مجلس الشيوخ. أما أهمُّ العلاقات الباقية بين الطائف والصيغة الأقدم فبين الميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني؛ وثوابتهما منصوصٌ عليها في مقدمة الدستور الحالي.

صيغة 1943 ما كانت سُبّة

لقد جاءت تلك الصيغة نتيجة توافُق وطني كبير على الاستقلال. وما عدَّلت كثيراً في دستور العام 1926. وعلى كل حال فإنّ الدستور نصٌّ تنظيمي وإعلاني، بينما كان الأساس الميثاق الوطني الذي لا نعرف له نصاً موثقاً. بل هو الغموض البناء. وكذلك الأمر مع الطائف الذي هو شقان: وثيقة الوفاق الوطني والدستور المنبثق عنها. وقد جرى تلخيص ثوابت الوثيقة وتركيزها في مقدمة الدستور، دستور الطائف، وهي تتضمن الثوابت التي لا يمكن تغييرها للعيش المشترك ودولته الوطنية. لماذا نميل على الدوام إلى تحقير إنجازات اللبنانيين أو الاستخفاف بها؟ الإنجازات في دستور الاستقلال جاءت نتيجة نضال وسجن وشهداء. أما دستور الطائف الذي أرسى عهداً جديداً للبنان. رغم كل الضغوط، فما يزال الشهداء يسقطون من أجل إحقاقه حتى اليوم.  صيغة 43 مرحلة، وصيغة الـ 90 ال مجدَّدة مرحلة جديدة، وكلها من إنجازات اللبنانيين.

الاستاذ قاسم قصير، صحافي لبناني وكاتب سياسي. متخصص بالحركات الاسلامية.

ا. قاسم قصير
أ. قاسم قصير، الطائف

اتفاق الطائف الذي تم التوصل اليه عام 1989 ويعد حرب طويلة ، كان الهدف منه وقف الحرب اولا وتطوير صيغة النظام السياسي في لبنان والذي اسس عام 1943. وفي الاتفاق والذي جرى ادخاله الى الدستور بعد التعديلات الدستورية نقاط ايجابية عديدة لتطوير النظام الطائفي الذي كان معمولا به من العام 1943 الى العام 1989. من اهم النقاط الاصلاحية: تشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية ، وضع نظام انتخابي جديد قائم على النسبية والغاء الجانب الطائفي في المجلس النيابي، تشكيل مجلس الشيوخ لضمان حقوق الطوائف ، تعزيز صلاحيات مجلس الوزراء، الاهتمام بالجانب الانمائي واعتماد اللامركزية الادارية، استقلالية القضاء. الى جانب نقاط اخرى ومنها جعل ولاية رئيس مجلس النواب اربع سنوات .

خطر انهيار الكيان

لكن رغم اهمية هذه النقاط فان ذلك لم يلغ الجانب الطائفي والمذهبي في النظام. بل للاسف فان الممارسات التي جرت منذ العام 1989 وحتى العام 2021 عززت الجوانب الطائفية والمذهبية. لم يتم تطبيق كل البنود الاصلاحية، وتم اكتشاف العديد من الثغرات خلال تطبيق قسم من بنود الاتفاق. ولذلك اصبحنا في نظام اشد سوءا مما كنا فيه قبل الحرب ودفعنا اثمانا كبيرة لما يجري. كل ذلك سيؤدي الى انهيار الكيان وليس النظام اذا لم تتم معالجة المشكلات اليوم ويتم تطوير النظام الحالي واستكمال البنود التي لم تطبق ومعالجة الثغرات التي برزت.

الدكتور مشير باسيل عون، كاتب ومفكر فلسفي لبناني، استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية.

د. مشير عون
د. مشير عون، الطائف

في اتّفاق الطائف تتجلّى جميعُ انعطابات العقل السياسيّ اللبنانيّ، وأيضًا جميعُ إبداعاته وطاقاته على التسوية والترتيب والتراخي في بتّ المسائل المصيريّة. يعلم الجميع أنّ هذا الاتّفاق أسكت المدافع بقوّة التواطؤات الإقليميّة، ولكنّه لم يُسكت المطالب المكتومة في وجدان الجماعات اللبنانيّة. أظنّ أنّ التباسات اتّفاق الطائف تقترن بالتباسات أسباب الحرب اللبنانيّة. فهل تَحارب اللبنانيّون بسببٍ من هيمنة مسيحيّة وهميّة افترضها المسلمون؟ هل تقاتل اللبنانيّون بسببٍ من صراع الطبقات الاجتماعيّة وتفاقم الظلم والحرمان؟ هل تصارع اللبنانيّون بسببٍ من تزاحم الإيديولوجيات السياسيّة والدِّينيّة، العربيّة والإقليميّة، على الوطن اللبنانيّ؟ هل تنابذ اللبنانيّون بسببٍ من الاختلاف العميق في مسألة الذاتيّة اللبنانيّة والهويّة اللبنانيّة والخصوصيّة اللبنانيّة؟

اجابات مفقودة

حين يجيب اللبنانيّون عن الأسئلة المصيريّة هذه، يمكنهم أن يستجلوا التباسات اتّفاق الطائف الذي جعل النظام اللبنانيّ أشبه بجثّة هامدة تتنازعها أهواءُ زعماء الطوائف الخاضعين للقوى الإقليميّة المحيطة. ليس ذنب اللبنانيّين أنّهم أبرموا اتّفاق الطائف، بل ذنبهم أنّهم تقاتلوا من أجل قضايا وهميّة أفرغت كيانهم من كلّ قيمة حضاريّة ذاتيّة. لذلك أسألهم جميعًا: هل كان المسيحيّون يظلمون حقًّا المسلمين ويضطهدونهم أثناء اضطلاعهم بمسؤوليّة الوطن منذ الاستقلال حتّى اندلاع الحرب اللبنانيّة في سنة 1975؟ هل كانت بعض الامتيازات التي يفرضها انتظامُ الحياة السياسيّة، وفي مقدّمتها امتيازات رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، تجعل النظام اللبنانيّ نظامًا استبداديًّا قاهرًا رجعيًّا متخلّفًا، وذلك بمعزل عن أداء هذا الرئيس أو ذاك؟ هل كانت الخصوصيّة المسيحيّة في النظام السياسيّ اللبنانيّ هي سبب انحطاط الأداء السياسيّ العامّ في الاجتماع اللبنانيّ؟

العيب الدستوري العدمي

أعلم أنّ مثل هذه الأسئلة تزعج شركاءَ الوطن المسلمين، على تنازع مذاهبهم في الزمن الحاضر، وشركاءَ الوطن العَلمانيّين على خفَر ظهورهم في البنيان الاجتماعيّ والسياسيّ اللبنانيّ الراهن. ولكنّها أسئلة مصيريّة حاسمة في كلّ مباحثة إصلاحيّة مقبلة. أفَيليق بنا اليوم أن ننحدر إلى هذا القعر من التفاهة في تدبّر شؤون المعيّة اللبنانيّة من بعد أن أفرغنا النظام السياسيّ اللبنانيّ من حكمته الرئاسيّة، وضوابطه التشاوريّة، وقدراته الذاتيّة على البتّ الدستوريّ المتّزن الذي حفظه التقليدُ التعدّديّ اللبنانيّ لرئاسة الجمهوريّة؟ في اعتقادي أنّ اتّفاق الطائف هو من أسوأ الاتّفاقات التي حلّت بلبنان. والسبب في العيب الدستوريّ العدَميّ هذا أنّ اللبنانيّين أرادوا أن يخرجوا من الحرب بالحيلة الممكنة، فصبّوا جام غضبهم على رئاسة الجمهوريّة، وحوّلوها إلى كبش المحرقة الذي يجب نحرُه من أجل استفراغ الغضب العدوانيّ الذي أصابهم. والحال أنّ حلّ التأزّم اللبنانيّ هو في موضع آخر! لذلك لا يستقيم البنيان اللبنانيّ في تعدّديّته إلّا بصيغة من صيغتَين: فإمّا استعادة صلاحيات الرئاسة، ومداواة التضخّم في الرئاسات الأخرى حتّى تنسلك في سياق نظام رئاسيّ صريح، إذ لا يقوم وطنٌ على تعدّد الرؤوس؛ وإمّا إدارة التنوّع الأصليّ في هذا البنيان في فِدراليّة تكامليّة حضاريّة آن الأوانُ للنظر في فضائلها ومنافعها على المدى القصير والوسيط والبعيد.

 

____________________________________

الخميس 22 نيسان/ابريل 2021، يجيب المداخلون على سؤال المحور الثاني

بمقارية مختلفة يمكن النظر إلى تعطل الدساتير من 43 إلى الطائف بصفتها انعكاس لتعطل الوظيفة والدور اللبنانيين في الفعل الاقتصادي. إلى اي مدى لعب غياب الرؤية في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية في المنطقة والعالم دورا في وصول تطبيق الدستور إلى ما وصل اليه؟

____________________________________

 

ندوات الملف الاستراتيجي

يحرص الملف الاستراتيجي على توثيق واسع لاراء الخبراء والباحثين حول المسائل الاكثر تاثيرا" بالمسار العام للاحداث وانعكاساتها على المنطقة العربية. يشمل ذلك ندوات مكتوبة او اجتماعات افتراضية. يعيد الموقع نشر المحاور في كتب الكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى