الردع النووي الإسرائيلي ..خفايا التغيرات الاستراتيجية التي تجرى في إسرائيل اليوم؟ (2) بقلم مجدي منصور
هذا هو الجزء الثاني من موضوعي عن التغيرات الاستراتيجية التي تجرى في إسرائيل اليوم ، كنتُ في الجزء الأول تحدثت عن استراتيجية الصراع مع العرب ودور العنصر النووي فيها والتي خطها الآباء المؤسسين للدولة العبرية وعلى رأسهم دافيد بن جوريون (المُعلم ، كما كانوا يلقبونه). وأعترف أن البحث والكتابة في هذا الموضوع قد أحدثَ لي أثراً مزدوجاً ، فهو أفادني وأجهدني ، أفادني من حيث التعرف على الاستراتيجية الإسرائيلية في حربها مع العرب ، وكيفية الاعداد والتخطيط من قبل صاحب (الأسطورة) المغتصب لخوض الصراع ضد صاحب (الحق المضطرب) ، وأجهدني لأن معرفتي بالحقائق أثارت وحركت لدى أسئلة عن الماضي والحاضر والمستقبل العربي العابس الحزين الأليم.
وفى حين أن العربي صاحب الحق راجع فكره وتراجع عن ثوابته و تنازل عن حقه ، فإن الإسرائيلي تثبت بموقفه و سلحه (من الحجج الدبلوماسية إلى الأسلحة النووية) وتمسك بأسطورته ولم يتنازل قيد أنمله عن ثوابته ومحرماته التي خطها لنفسه وأعلنها للغير.
وظني أن ايقاظ الفكر العربي عامةً والمصري خاصةً من ثُباته خطوة على الطريق لعودة الوعى من الممكن أن تتطور لتُعيدنا لطريق المبادرة والفعل من جديد في صراعنا مع عدونا الذى لم نختاره ، بل فُرض علينا فرضاً وجبراً.
معالم على الطريق الإسرائيلي يحددها المُعلم!
كان ديفيد بن جوريون قد أسس استراتيجية إسرائيل في مواجهة العرب وصاغها في عدة نقاط أوضحها لمدير البرنامج النووي الإسرائيلي العالم ديفيد بيرجمان ، ولمساعده السياسي وتلميذه النجيب شيمون بيريز:
• أن القنبلة حينما تصنع ستكون سلاح هدفه التأثير النفسي أكثر مما هي عسكري ، ولن يتم اللجوء إليه إلا”عندما يكون كل شيء مهددًا بالضياع” . بالعبري سيناريو «ميكرعهاكول».
• إن هذا السلاح حال صنعه لن يتم الاعلان عنه حتى لا يهرول العرب إلى الطريق ذاته لصنع قنبلة عربية ، ولأن العرب لم يعرفوا بعد سياسة الردع.
• إن حسم الصراع مع العرب لن يحسمه السلاح (تقليدي أو نووي) بل السياسة (والسلاح عنصر فيها) ، والسلاح سيكون لتهديدهم ولإخضاعهم فيما بعد ، وذلك لأن العرب يمتلكون ميزتين لا تمتلكهما إسرائيل وهما العمق الجغرافي ، والحجم البشرى الكبير.
• إن أسلوب الحرب التي ستستخدمها إسرائيل ضد العرب هي حرب استنزاف متواصلة ونشيطة في كافة المجالات، وهذه الحرب يجب أن تكون سياسية ونفسية، واقتصادية، وعسكرية إذا اقتضى الأمر «شرط أن نعرف أن للسلاح حدودًا في حالتنا مع العرب».
• إن ذلك الضغط المتواصل عليهم من كل جانب وفى كل مجال سيسقطهم بعد قليل من الإعياء ، ما دُمنا لا نستطيع أن نفرض عليهم بالسلاح قبول وجودنا. وفي الوقت نفسه فإن سقوطهم من الإعياء سوف يتولى تحييد معظم أسباب قوتهم مالية أو سياسية أو معنوية. لأنهم في حالة السقوط من الإعياء سوف«يغلطون» مع الجميع، ويوجهون المسئولية إلى كُل الأطراف، ويجنبون أنفسهم أي نصيب منها، وهذا يكفل ألا يكون سقوطهم من الإعياء لمجرد الإرهاق المادي، ولكنه في هذه الحالة الإرهاق المعنوي، وهو أقرب وسيلة إلى فقدان الثقة بالنفس، وذلك أفضل الأوضاع بالنسبة لنا!
• إن إسرائيل وفرنسا اتفقوا على العمل ضد الزعيم القوميالعربي جمال عبد الناصر وذلك الاتفاق هو الذى قاد إلى عقد اتفاقية “سيفر” بين كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للعدوان على مصر عام 1956 ، وقد تعهدت فرنسا بأن تعطى لإسرائيل مفاعلاً نووياً من طراز “E .L.3″، وأن تشارك في توفير 10 أطنان من الماء الثقيل جاءت فيما بعد من النرويج . ثم إن فرنسا سوف تساعد على تركيب المفاعل وتشغيله.
• وبعد انتهاء العدوان ، حدث أن “بورجيس مانورى” وزير الدفاع الفرنسي تولى رئاسة الوزراء بعد سقوط رئيسه السابق “جي موليه” ، وقام مانورى بدعوة شيمون بيريز إلى باريس ليقول له:
«إن فرنسا لم تغير اهدافها ، وأنها ما زالت مصممة على دعم أمن إسرائيل إلى النهاية ، وأنه قرر أن المفاعل النووي الذى تقدمه فرنسا لإسرائيل يجب أن يكون بضعف طاقة الأول (حتى تستطيعوا أن تفعلوا ما تريدون)».
وكان ذلك أقصى ما يحلُم به دافيد بن جوريون ، وقد أدرك أن إسرائيل عليها الآن أن تبتعد عن الواجهة في الشرق الأوسط ، وأن تقبع بعيداً لتشغل مفاعلها النووي ، وانتاج قنبلتها القادرة على الحسم النهائي قبل الدقيقة الأخيرة.
منذ أن قامت فرنسا بعد عدوان السويس على مصر 1956 بإعطاء مفاعل ديمونة لإسرائيل وسياسة بن جوريون هي فرض طوق من السرية على برنامج إسرائيل النووي ، وكان خوفه من المعارضة الداخلية والخارجية (خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية) للمشروع ، وبلغت شدة الحرص على السرية والغموض إلى أن بن جوريون والمجموعة القائمة على ذلك المشروع عملوا على عدم كتابة أهداف المشروع النووي على أوراق ، بل منع ذكر كلمات ومصطلحات معينة قد تُشير أو يستنتج منها أهداف ذلك المشروع حتى في الاجتماعات السرية بين فريق المشروع.
وكانت المعضلة الكبرى أمام بن جوريون هي معضلة التمويل ، خصوصاً أن إسرائيل مثقلة بأعباء اقتصادية نتيجة توسع الهجرة للدولة ، وكذا ارتفاع ميزانية التسليح الإسرائيلية نتيجة خوف الدولة العبرية الشديد من التغيرات السياسية والاستراتيجية في تلك الفترة(صعود نجم عبد الناصر في القاهرة ، اتمام الوحدة المصرية السورية ، وسقوط حلف بغداد) ولعل ما يُظهر تلك المشكلة ما قاله بن جوريون في جلسة لمجلس الوزراء:«إن الحرب لم تستطيع تركيعنا ، وأخشى أن يقوم الإفلاس بهذا الأمر».
ثم ترك ين جوريون الكلمة لوزير المالية “بن عازر كابلان” الذى شرح الحالة الاقتصادية لإسرائيل قائلاً: « إن إسرائيل تلقت تبرعات قدرها 90 مليون دولار من يهود العالم ، بينما كانت نفاقاتها263 مليون دولار ، وذلك أنشأ حالة عجز شديدة لم نعد نستطيع مواجهتها». وساد صمت الاحباط على الاجتماع.
إلا أن الحل جاء من رئيس الحركة الصهيونية العالمية “ناحوم جولدمان” الذى عرف من بن جوريون بالحالة الاقتصادية البائسة للدولة العبرية ، ويقول جولد مان «فكرت في طلب معونة أمريكية ، لكن أمريكا قد يكون لها رأيها في شأن عدد من القضايا مثل الحدود واللاجئين ولذلك تراجعت عن الفكرة».
ويضيف جولدمان” أنه عندما كان يتابع محاكمات “نور مبرج” للقادة النازيين عن جرائم الحرب وتحديداً بحق اليهود ، جاءته رسالة من وزير مالية إسرائيل يسأله فيها «إن كان يستطيع تدبير مائة ألف دولار على عجل؟»
وكان جولد مان مرعوباً من دولة تحتاج إلى مائة ألف دولار بهذه السرعة و اللهفة.
وتبرق في ذهن جولد مان الفكرة المنقذة للدولة العبرية وهى: [أن تعوض الدولة المسئولة عن عذاباليهود (المانيا) وريثهم السياسي (إسرائيل)!]، ويضيف جولد مان عبارة ذات معنى:« كان عقلي يقول لي يجب ان نجعل الألمان يدفعون ، وكيف أرضى أن أمد يدى إليهم!»
وقابل جولدمان مستشار المانيا “أديناور” وعرض عليه الفكرة ، ووافق مستشار المانيا على الفكرة ، وبينما هو يتفاوض على قيمة التعويض جاءت لجولد مان رسالة من الحكومة الإسرائيلية تطلب منه الاستعجال لأن دولة إسرائيل على وشك الانهيار ، وبعد مفاوضات اتفقوا على أن المانيا ستعطى لإسرائيل 1.5 بليون دولار، لكن الغريب أن إسرائيل عادت لتطالب بالمزيد، ويقول جولد مان في مذكراته: «أننا بدأنا بطلب 1.5 بليون دولار ، وانتهينا وقد دفعت المانيا لإسرائيل 60 بليون دولار».
وكانت عملية انقاذ إسرائيل ومشروعها النووي تتم بنجاح منقطع النظير.
وكان المصدر الثاني لتمويل البرنامج النووي الإسرائيلي هو حملات التبرعات من أغنياء اليهود في العالم التي نظمها بن جوريون وبيريز، بالإضافة إلى ما شكله بيريز عام 1960 مجموعة تضم أهم واغنى اليهود في العالم المتبرعين للمشروع النووي الإسرائيلي أطلق عليها (لجنة الثلاثين) والتي ضمت البارون “إدموند دي روتشيلد” من باريس ، و”افراهام فاينبيرج” من نيويورك وغيرهم وكانوا هؤلاء يدفعون لمصلحة ما كان يطلق عليه “السلاح المميز”.
مشاهد لظهور القُنبلة الإسرائيلية في ميادين الحروب العربية!
المشهد الأول – هو مشهد استطلاع الطائرات المصرية يوم 17 مايو1976 لإسرائيل وقد تحدثت عنه تفصيلاً فيمقاليقصة مثيرة من حرب يونيو 67 وخلاصة القصة أن قيادة الجيش المصري وقتها(عبدالحكيم عامر)أرادا اختبار قوة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ولذلك أرسلا طائرتي استطلاع لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي من (ايلات الى بير سبع الى الخالصة الى سد بوكر) ، ثم عادت الطائرتان بسلام. كانت تلك الصورة في مصر.
وأما في إسرائيل كانت الصورة مغايرة تماماً والسبب مفاعل ديمونة!.
يظهر في الملفات أولاً :
تقرير من الجنرال “اسرائيل ليور” بأن عمليات الاستطلاع الجوي المصري (أثناء اختراقها لمنطقة النقب الجنوبي) مرت فوق منطقة “ديمونة” ، وذلك في تقدير ليور: يكشف أن (التسهيلات النووية الإسرائيلية قد وضعت كأولوية أولى في خطط مصرية للحرب ، ومجلس الوزراء المصغر سوف يبحث هذا الأمر الخطير، ولدينا مذكرة من رئاسة الأركان وقد طلبنا تقريراً جديداً من المخابرات العسكرية عن حسابها للاحتمالات بعد ما حدث).
وتظهر في الملفات ثانياً:
مذكرة كتبها الجنرال “ييجال آللون” وهو عضو رئيسي في لجنة الأمن والدفاع في مجلس الوزراء تقول: (من الواضح الأن أن مفاعل ديمونة على رأس قائمة الأهداف المصرية ، وهذا في حد ذاته يفرض على إسرائيل أن تقوم بشن حرب وقائية ضد مصر لأن أي تهديد ل(ديمونة) تهديد للرادع النهائي الضامن لأمن إسرائيل).
ثم يظهر في الملفات ثالثاً:
تقرير مراجعة قامت به هيئة المخابرات العسكرية (آمان) وهو بتوقيع الجنرال “أهارون ياريف” جاء فيه نصاً ( أنه يبدو الأن أن النوايا المصرية لا يمكن اعتبارها “مظاهرة سياسية” و إنما “عملية عدوانية”!
ثم يظهر في ملفات الجنرال (اسحاق رابين) رابعاً:
أنه حين قرأ رئيس الوزراء الإسرائيلي “ليفي أشكول” هذا التقرير بالمراجعة لهيئة المخابرات العسكرية الإسرائيلية – التفت إلى ناحيته وقال له:( إنها الحرب .. أقول لك إنها الحرب سواء أردنا أو ترددنا)!
وعندما صدر في مصر قرار إغلاق خليج (العقبة) مساء 21 -22 مايو كان رئيس وزراء إسرائيليُ رجح أن هذا القرارهو (الذريعة) لضرب مفاعل (ديمونة).
وطبقاً لمحضراجتماع للجنة الأمن والدفاع في مجلس الوزراء،فأن أول تعليق لأشكول على القرار كان قوله:(أظن أن نواياهم الحقيقيةليست في خليج العقبة،فهم يعرفون أن بواخرنا العابرة من مضايق (تيران) تكاد (لاتظهرهناك)،ولذلك فإن الحصارالذى ضربوه على المضايق غيرمفيد في الواقع العملي. والتفسير المُقنع في رأيي هو أن هذه الخطوة(إغلاق الخليج) تصاعُد مقصود يُريد خلق الأعذار لعمل من جانبنا – يردون عليه هُم بضرب (ديمونة) ، والغالب أن ذلك هدفهم من التصعيد).
وبعدها ذهب رابين إلى المُعلم بن جوريون خائفاً مرتعداً ليسمع نصائحه في تلك الأزمة ، وسأله بن جوريون:هل الأمريكان معكم بالكامل؟ ، وأجاب رابين: لا أستطيع أن أقول بالكامل ، ولكن تقريباً. وهنا علا صوت بن جوريون وصاح في رابين وقال جملته التي عُدت من يومها إلى اليوم قانون تسير إسرائيل عليه:
«إيشيا(تدليل اسحاق) في الحرب لا يوجد شيء اسمه تقريباً .. فيما يتعلق بمصير إسرائيل لا يوجد شيء اسمه تقريباً».
أي أن مفاعل ديمونة كان سبب رئيسي في عدوان يونيو 67.
المشهد الثاني – هو مشهد شيمون بيريز عندما وجد الخلافات تتسع وتتحول إلى عراك بالأيدي بين الجنرالات (وايزمان ، وشارون ، وديان ، ورابين) والساسة(ليفي أشكول ، وجولدا مائير ، وإسرائيل جاليلى) في إسرائيل قبل حرب يونيو ، وخلاصة القصة وقد كتبتها تفصيلاً في مقالي سر الانقلاب العسكري في إسرائيل عشية حرب يونيو67 أن كُلا من الساسة و الجنرالات كانوا مصممين على ضرب عبد الناصر في القاهرة وانهاء اسطورته ، ولكن قبل الحرب مباشرةً حدث الاختلاف بين الساسة والجنرالات بسبب طلب الساسة من الجنرالات الصبر قليلاً قبل افتتاح الحرب حتى يتم التأكد من موقف الولايات المتحدة بشكل تام ونهائي ، في حين أن الجنرالات يرون ويقولون أن الحرب الآن .. الأن وليس غداً!.
وفى الاجتماع الذى تم بين رئيس الوزراء وقتها ليفي أشكول وبين الجنرالات تحرج موقف أشكول الى درجة تثير القلق ، وبدا غير واثق من نفسه بعد أن أهانه الجنرالات ، واتهموه صراحة بالجبن والتخاذل، والعجز عن تزعم وزارة حرب ، وطالبوه بإعادة ديان مرة أخرى من الاستيداع والأهم نقل تبعية السلاح الأهم في الترسانة الإسرائيلية (القنبلة النووية) من رئيس الوزراء لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
وفى تلك اللحظة المعبأة بالخلافات و المؤامرات والأحقاد والضغائن ذهب شيمون بيريز إلى كلاً من وزير الدفاع ديان وبعده لرئيس الوزراء أشكول وقال لهم اقتراح لم يخطر على بال أحد غيره كالعادة!، قال:
«إن الوزارة في تلك اللحظات تواجه طلباً أمريكياً بالانتظار حتى يتأكدوا من تثبيت موقف السوفييت ، والاطمئنان على موقف أصدقائهم العرب من الملوك (الملك فيصل في السعودية ، والملك حسين في الأردن). والكل مع تصميمه على ضرورة ضرب ناصر وإهانته متردد في اللحظات الأخيرة تحسُباً لوقوع خسائر كبيرة ، واقتراحي عليكما ما يا لي: أن تُعلن إسرائيل الآن وفوراً أنها سوف تُجرى تجربة على جهاز نووي».
ويُضيف بيريز: «إنه على حد علمي فإن إدارة مشروع “رافائيل” (الجهة المسئولة عن المشروع النووي الإسرائيلي) لديها ما يُمكن أن تجربه ، وبعد ذلك (وفق تقديره) فإن مجرد صدور إعلان بهذا المعنى كفيل بإسقاط ناصر. لأن الجيش والشعب في مصر كليهما سوف يدركان أنهما أمام قوة نووية ، وحينئذ تنتهى المعركة قبل أن تبدأ».
أي أن السلاح النووي كان حاضراً بل ومطروحاً في حرب يونيو67 .
المشهد الثالث – وهو مشهد اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوم 8 أكتوبر 1973 ، ويومها عاد وزير الدفاع ديان من استطلاع للجبهة المصرية ، وكذا للجبهة السورية منهاراً ،وبعد استعراض الأوضاع على جبهات القتال.
قال ديان: “إنه الأسلوب الروسي ، لقد عبر المصريين في حماية الف مدفع ، ثلاث سنوات يا جولدا من إعداد المصريين والسوريين مع السوفييت”. وأضاف: “نصيحتي هي الانسحاب العام لتقصير الخطوط الإسرائيلية”.
وهى نصيحة رفضتها “جولدا مائير” واستدعت “حاييم بارليف” لكى يساعد في إدارة المعارك على الجبهة السورية أولاً ثم على الجبهة المصرية بعدها قائلة له بمرارة تشوبها السخرية القاتلة:
»ديان..ديان العظيم .. إنه الآن ينصحني أن آمر بانسحاب عام! .. لن يحدث هذا يا جنرال »
وأضافت جولدا مائير رداً على دايان:«أتفهم أنه ليس هناك سبب يمنعهم من الاستمرار . “إنهم ذاقوا طعم الدماء”. هم يريدون القضاء على إسرائيل والقضاء على اليهود ، وخراب الهيكل من جديد. على الأمريكان أن يفهموا ذلك،على كيسنجر أن يعي ذلك إن مستقبل إسرائيل على المحك ، أنا جاهزة لأسافر سراً إلى واشنطن والتقى بنيكسون وكيسنجر ، عليهم أن يعوا خطورة ما نوجهه اليوم».
ثم تكمل مائير وتشير إلى احتمالية استخدام أسلحة نووية قائلة:
«سأقول لهم إن لم تساعدونا فسوف نفتح أبواب الجحيم على الجميع ، وسنهدم المعبد على رؤوس الجميع ، وليس رأسنا وحدنا».
ومرة ثالثة كان السلاح النووي حاضراً بل ومطروحاً كملجأ أخير (في سيناريو ميكرع هاكول الذى وضعه بن جوريون) في حرب أكتوبر(تشرين) 1973 .
وأخيراً :
يقالُ أن «الصورة لا تكذب» ، وأن «الحقيقة المُره خيرٌ ألف مرة من الأوهام الحُلوه» ، إلا أن القيادات العربية استطاعوا أن يثبتوا أن الصورة في الشرق الأوسط أكبر محترف للكذب! ، فقد قلبوا هؤلاء القيادات الصورة ، ورأوا ما لم يراه غيرهم حتى داخل الكيان الإسرائيلي المحتل! ، فأصبح رجال مثل عزرا وايزمان واسحاق رابين وشيمون بيريز وحتى إسحاق شامير و مناحم بيجن وأرئيل شارون وبنيامين نتنياهو (كلهم ارتكبوا مجازر بحق العرب) في نظرهم أنبياء سلام و رسُل محبة وقديسين من أجل رفاهية البشرية!
والثابت أن القيادات العربية فضلوا الأوهام الحُلوه على الحقيقة المُره ، وذلك ثابت بأقوالهم عن: عملية السلام ، وتصفية الأجواء ، و إسقاط الحاجز النفسي. ولعلهم يصدق عليهم قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
« إن الذين آست جراحك حربهم .. قتلك سلمهم بغير جراح».
فى الجزء القادم : تفاصيل الإختلافات الإستراتيجية فى إسرائيل اليوم
المراجع:
الوثائق الإسرائيلية – محمد حسنين هيكل.
سياسة إسرائيل النووية وعملية صنع القرار فيها – د. محمود محارب.
الخيار شمشون – سيمور هيرش.
تقرير لجنة أجرنات (انتصار أكتوبر في الوثائق الإسرائيلية) . إبراهيم البحراوي.
المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (1) – محمد حسنين هيكل.