الاحدثدولي

بايدن يقطع شعرةَ معاوية مع العراق !! | بقلم علي الهماشي

معظمنا يعلم استراتيجية معاوية في الحكم التي أصبحت نهجًا سياسيًا يتبعه الكثير من الحكام، ومنهجًا في العلاقات التي يراد لها أن تبقى على حالها مد وجز ولا فيضان يكتسح كل شيء، أو توتر محدود إنْ جاز التعبير.

الولايات المتحددة تتعامل مع الواقع الموجود :

وتعاملت الولايات المتحدة منذ التغيير 2003 مع الاحزاب الشيعية ومع من وصل الى رئاسة الوزراء كواقع مفروض وليس تعامل حليف مع حليف، وهذا الواقع هو إفراز اجتماعي سياسي للاغلبية، تقبلته الولايات المتحدة، فالإدارات الأميركية لم تشأ أن تفشل تجربتها فيما سمته بالشرق الأوسط الجديد، الى جاءت إدارة الديمقراطيين بقيادة أوباما فأبدلت التغيير العنيف المسلح بتغيير اخر أُطلق عليه (الربيع العربي) مع حماية الانظمة (الحليفة) لها بشتى الطرق كان منها كشف حلقات المتظاهرين أو الاحزاب المعارضة التي حاولت استغلال رياح التغيير التي هبت على المنطقة، ومنها السكوت اعلاميًا وغض الطرف عن العنف الذي مارسته هذه الحكومات ضد المعارضين، وبذلك بقت الانظمة(الملكية) صامدة فيما ترنحت الانطمة الجمهورية تحت شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” وحتى هذه اللحظة لم يُعد أيُ نظام قويًا في جميع الدول التي شملها (الربيع) العربي.

وهذا ما فرض واقعًا جديدًا في الشرق الاوسط تسيدت فيه الدولة العبرية المشهد،وبدأت تتلبس دور شرطي المنطقة، و( الضامن ) للانظمة العربية التي تسابقت في التطبيع معها لأسباب متعددة بالرغم من تمييع مشروع صفقة القرن بسبب (فرض) الرئيس الأميركي السابق (شروطا شخصية) مما أبعدت الدول عن الصفقة،ولم تعد الدولة العبرية بحاجة الى الغطاء الأميركي.

طوفان الأقصى :

ولكن عملية طوفان الأقصى جاءت لتغير خطوط الخريطة السياسية، فعادت الولايات المتحدة بقوة الى المنطقة، وهذا بحاجة الى ثمن كبير منه الوضع في العراق، وسوريا ولبنان.

لقد حاولت الولايات المتحدة ابقاء المعركة في حدود غزة وابقاء قواعد الاشتباك وما مضى عليه الطرفان (حزب الله والدولة العبرية ) ضربة بضربة دون أن تكون حرب شاملة!.

ولكن الولايات المتحدة تواجه في العراق وسوريا نوعًا آخر من التحدي تفرضه الفصائل الرافضة للوجود العسكري الأميركي وإن كان في العراق بطلب عراقي ،وترفض حتى العلاقات السياسية بحجة أنها دولة محتلة متأثرة بالعقلية التي تقول ” إن الاحتلال إذا خرج من الباب سيدخل او سيعود من الشباك ” بغطاء سياسي أو اقتصادي !!.

وكانت ضربات الفصائل محدودة التأثير منذ عدة سنوات ونادرًا ما تنتج هذه الضربات عن قتلى من الجانب الأميركي سواء من الجنود أو من المتعاقدين مع وزراة الدفاع الأميركية، و قد غضت الولايات المتحدة الطرف نوعًا ما أيام الحرب على داعش، ثم جاءت برد مزلزل في اعتداء المطار وذهب ضحيته (سليماني والمهندس)، وثلة من العراقيين من أبناء الحشد الشعبي، لتشهد بعدها (اشتباكا مسيطرًا عليه بين ايران وأميركا) تمثل بضرب قاعدة عين الاسد والحرير في العراق .

لقد الأمور على حالها حينما قررت الفصائل (الهدنة) التي لم تستمر طويلا حتى ابلغت الولايات المتحدة حكومة عبد المهدي ومن بعدها بأن الرد الأميركي سيكون مختلفًا اذا ما استهدفت الضربات الجنود الأميركان، وحدثت ضربات من اطراف اخرى أبان حكومة الكاظمي كان هدفها تعقيد المشهد بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة لتخدم الكاظمي من أجل بقائه وانهاء القوة العسكرية للحشد، لكن هذا المخطط لم يُكتب له النجاح، وفرضية بحاجة لاثباتها، وان كانت معروفة لدى الجانب الأميركي ولدى المحور.

ومع عملية طوفان الأقصى واستمرار الكيان بالإبادة الجماعية للفلسطينين عادت الفصائل لتضرب المواقع الأميركية خارج العراق، وحدث ما لم يكن في بالحسبان لدى الجانبين وسقط عدد من القتلى والجرحى من الجنود الأميركان نتيجة هجوم بطائرة مسيرة في الحدود الأردنية السورية لقاعدة أميركية مهمتها الاساسية مراقبة او الحد من عمليات تهريب المخدرات، وكان مقتل الجنود الأميركان في وقت حرج وصعب على ادارة بايدن وهو عام الانتخابات، وتحاول كل الاطراف من الحزبين الجمهوري والديمقراطي توظيف الاحداث لصالحها، وبدأت تتعالى الاصوات في مطالبة بايدن بضرب ايران وهذه المطالبات يغذيها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فإن أي توسعة للحرب سيفك عن الدولة العبرية تُهم الابادة الجماعية، ويغطي على فشلها العسكري في انهاء الوجود العسكري لحماس في غزة .

قرار بايدن :

لنعد الى قرار إدارة بايدن بتوجيه ضربة انتقامية، وهذا القرار كانت ستتخذه أي إدارة أميركية، وهذا ليس أمرًا جديدًا، بل الاختلاف في نوعية وسرعة الرد ..

لقد حاولت ادارة بايدن عدم الانجرار بسبب الشحن الداخلي، والتزمت الهدوء حتى استقبلت القتلى وجرت مراسيم التشييع ثم قامت بالرد،وهي رسالة بأنها حكومة هادئة غير منفعلة ونجحت في ذلك .

ويمكن أن نُسجل إنَّ ادارة بايدن لم تعد( تُعلِم )الجانب العراقي بما تود القيام به، والضربة الاخيرة في العاصمة العراقية بغداد تعد تصعيدًا خطيرًا ضاربة كل الاعتبارات التي كانت تحافظ عليها فيما سبق حينما تتعامل مع الحكومة العراقية .

تحاول الادارة الأميركية فصل هجماتها على الفصائل المسلحة عن التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، وتحاول شرعنة هذه الضربات تحت مسمى الدفاع عن النفس أو وفق قانون مكافحة الإرهاب او قوانين مجلس الأمن في العراق.

وكلما تكررت الضربات أو الهجمات داخل العراق كلما انفصلت عن العراق وتعلن انتهاء أو فشل مشروعها في العراق، ويعني اتجاهها الى حلول أُخرى ..

فإدارة بايدن تحاول استثمار عدم (رد) الفصائل المقاومة حتى هذه اللحظة بتوجيه ضربات لعناصر من الكادر الوسط ان جاز التعبير (تحفظ به ماء وجهها) وتحاول أن تجعل من الاهداف التي سقطت ضحايا جراء ضرباتها بأنهم أهداف كبرى *من أهم القيادات في الفصائل المسلحة، وهذه تخدم الطرفين وإن لم يتفقا، حيث تحافظ الفصائل المقاومة على قادتها وعلى اسلحتها الستراتيجية وتحقق ادارة بايدن (نصرا ) تقنع به الناخب الأميركي او تلجم الأصوات المنادية برد كبير يصل الى مستوى الحرب تبدأ من ضرب الداخل الإيراني الى إنهاء الوجود العسكري لمحور المقاومة في سوريا والعراق، وتتكفل الدولة العبرية باشعال حرب كبرى مع حزب الله ليتم جر فرنسا وبريطانيا والناتو الى التورط في هذه الحرب.

لكن الامور قد لاتجري وفق ما ترغب إدارة بايدن إن لم تنقطع (شعرة معاوية ) بعد وعليها أن ترسل للحكومة العراقية رسائل ايجابية، لتفلتر ردود فعل العراق رسميًا، فالحكومة لا تستطيع السكوت عن هذه الاعتداءات داخل العمق العراقي وفي العاصمة بغداد.

ان هذه الضربات تشكل خطرا على النظام السياسي في العراق بل على الوضع الاقليمي في المنطقة كلها، وتعيد شبح تجمع العصابات الارهابية “داعش” من جديد، والادارة الأميركية والغربية تعلم ان هذه العصابات مهما كانت لأذرع المخابرات الدولية يد فيها الا انها لا تخضع للسيطرة لكل عناصرها، وتؤرق الشارع الأوروبي والأميركي على السواء، وتعيد الارهاب الى الغرب.

على ادارة بايدن أن تفكر بطريقة أخرى فتوسيع حلقات الانتقام لا يخدم المسار الانتخابي داخل الولايات المتحدة ومازالت ذكريات افغانستان والعراق حاضرة لدى شرائح واسعة من الأميركان .

التساؤل الأهم :

هل ستكتفي إدارة بايدن بضربة بغداد الأخيرة ام تتمادى ؟ هذا ما تجيب عنه الايام المقبلة، أو لأصيغ السؤال بطريقة اخرى هل ستسحب ادارة البيت الابيض تخويل اغتيال المطلوبين من القيادة المركزية الأميركية؟ وتعيد الموافقة الى البيت الابيض،أم تبقيها بيد الجيش ليكمل بقية الاهداف !؟

والإجابة هي التي ستحدد مسار العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، بل تحدد خريطة المنطقة ومستقبل الولايات المتحدة والدولة العبرية أيضًا.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى