الاحدثدولي

الولايات المتحدة : عجوزان متهمان يتنافسان على رئاستها، هل هي بداية الإنحدار؟ | بقلم علي الهماشي

لعلها المرة الأولى في تاريخ هذه الدولة القصير نسبيًا من حيث الإكتشاف والتأسيس أنْ يتنافس رجلان عجوزان على رئاسة الدولة، وقد تعديا العقد الثمانيني من عمرهما، وليس هذا فحسب بل تلاحق كل منهما تهمًا تخل بأهليتهما لرئاسة أقوى دولة في العالم .

وفي الحقيقة إنَّ منصب رئاسة الولايات المتحدة ليس متعلقًا بها بل بالعالم أجمع، ولهذا نرى العالم يترقب انتخابات الرئاسة فيها وفي العقدين الاخيرين حاولت دول عديدة أن تدخل على خط الدعم لهذا المرشح أو ذاك.

هل وجود عجوزين حالة سلبية أم إيجابية؟

والتساؤل الذي نناقشه هنا هل هذه الحالة إيحابية أم سلبية في تاريخ هذه الدولة، ؟ وهل هو في صالح العالم أم لا …

والتساؤل الأخطر أو الفرضية التي يعول عليها أعداء هذه الدولة (الامبريالية)، هل دخلت مرحلة الشيخوخة ؟ وهل هذا مؤشر لبداية اندحار أقوى دولة في العالم؟

الإجابة بنعم أو لا بحاجة الى أن نقدم حيثيات هذه الانتخابات وقد تأتي الاجابة ضمن السطور التي سنناقش فيها أثر الترشيحين وفوز كليهما كممثل عن حزبيهما.

وقبلها نبدأ بعض سريع لحال الولايات المتحدة ومزاجها في التعامل مع مرشحي الرئاسة وحتى مرشحي الولايات الأميركية كحكام او اعضاء للكونغرس و مجلس الشيوخ.

فالمعروف ان المزاج الأميركي يحبذ القوي الذي تظهر عليه علامات الشباب ويعيش الحيوية، وتتدخل مسألة الوسامة والخطابة، وخلفيته العسكرية والى أخره من الكاريزما التي يحبذها المواطن الأميركي والتي زرعها الاعلام في ذهنيته خلال العقود الماضية.

لكننا نرى أنَّ المزاج الشعبي في الولايات المتحدة طرأ عليه تغييرا ما، أو إنَّ الحزبين الوحيدين في الولايات المتحدة قد عجزًا عن تقديم طاقات شابة أو لنقل من هم أصغر سنًا بعقدٍ أو عقدين من المرشحين الحاليين للرئاسة!.

لقد كان الإعلام الغربي سيما اعلام الولايات المتحدة في دعايته المضادة لعدوه الحزب الشيوعي كثيرًا ما يقدح في قيادات الاتحاد السوفيتي السابق وقيادات الصين في هذا المجال حيث لمح و صرح الى أن الولايات المتحدة هي الأُمة الفتية التي تملك الحيوية من خلال تقديم شخصيات قادرة على الحركة، على عكس ما يقدمه الحزبان الشيوعيان في الاتحاد السوفيتي السابق وفي الصين الشعبية، وكانت هذه ضمن البروباغندا المطلوبة ضد البلدين أنذاك. وأنذاك لا تعني أن الحرب الدعائية انتهت بل أخذت أشكالا أُخرى.

وكثيرًا ما كنا نشاهد هرولة المرشحين الأميركان أو الرؤساء خلال النزول من الطائرة أو الصعود الى المسرح لالقاء خطاب سياسي في المهرجانات الانتخابية، إلا أنَّ هذا الأمر قد اختفى بصورة كبيرة في المشاهد الخطابية لكلا المرشحين ترامب وبايدن.

ولنناقش حيثيات الرجلين بطريقة سريعة بما يسمح به المقال، وإنْ كان الموضوع بحاجة الى نوع من التعمق، فدراسة السلوك السياسي لم يعد متعلقًا بالانتماء السياسي فحسب بل بحاجة الى دراسة نفسية معمقة، من خلال التاريخ ومن خلال الاداء، وهذا لا يتأتى الا بالبحث المعمق من خلال الاطلاع على البيئة والتاريخ لكلا السياسين، وهو المنهج الذي أراه قادرا على أعطاء الصورة الواضحة في تحليل الشخصيات السياسية، ومنهم ترامب وبايدن .

الرئيس ترامب :

لقد نجح في الوصول الى الرئاسة ولم يكن ابن الحزب الجمهوري، أو كبقية المرشحين أو الرؤساء الذين ولدوا من رحم المؤسسة الحزبية، فهو شخصية طارئة على العمل الحزبي، وكان من الممولين لمرشحين في كلا الحزبين. ولهذا لم يلتزم بكثير من قواعد العمل الحزبي و تمثل ذلك في فريقه داخل البيت الأبيض ..

وطغت شخصية رجل الاعمال على رجل السياسية التي تبحث عن المنفعة من كل عمل، وقد أُغالي بعض الشيء إنه يرى في كل خطوة سياسية ماذا ستنفعني !؟ وهذا التوصيف يكون لدى الكثير من رجال الاعمال الذين يدخلون عالم السياسية، إضافة الى روح المغامرة التي صقلها عالم المقاولات الانشائية.

على عكس رجال السياسية الذين يدخلون مجال المال والاعمال فيبحثون عن الحلول المرضية لكل الاطراف.

وكانت شخصيته ترفض النقاش بصورة كبيرة، ولا يتورع في نقل الاحداث الخاصة الى الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما دأب عليه منذ خوضه للسباق الانتخابي، ولم يتقيد بالمال الانتخابي، ربما لم يكن بحاجة الى جمع التبرعات، وكان لخطابه الشعبوي من خلال رسائله القصيرة في مواقع التواصل الاجتماعي الأثر الكبير في ايجاد قاعدة متطرفة، أو لنقل ناغم الكثير من الجهات او المنظمات المسلحة التي لها ايدلوجية متطرفة بشأن العنصر الأميركي الذي يعتمد على نقاوته وتفوقه ايضا مع إنَّ الولايات المتحدة كانت تتغنى بأنها بلد المهاجرين، وبلد الفرص لمن لايملك فرصة في بلده !!.

ولا يخفى أنه يميني متطرف أيضا والخطورة تكمن في نشأة الرجل في بيئة لم تسمح لغيره أن تقول له لا، وربما هذا ما جعله كثير الطلاق وهو بخلاف جميع المرشحين لرئاسة البيت الابيض أو من ترأس الولايات المتحدة.

وليس هذا فحسب بل إنَّ ما ينذر بالخطر الحقيقي هو أن تكون لمن يملك مثل هذه العقلية استقلالية في قراراته ولا يخضع للوبيات الضغظ المعروفة داخل الحزب الجمهوري، ولم يكتشف حتى هذه اللحظة ارتباطه بأي مجموعات متطرفة، ولم تستطع (الاف بي أي ) أن تقدم دليلًا على علاقته مع المجموعات المسلحة التي اقتحمت بعض المؤسسات الدستورية الأميركية، كل ما قدمته أنه أيدها بشكل أو بأخر ولم تكف هذه الاتهامات لادانته .

لكنها شكلت خطرًا حقيقيًا على البنية المؤسساتية للدولة الأميركية، والغريب أنها لم تهز الحزب الجمهوري الذي قبل به مرشحًا جديدًا له في سباق الرئاسةداخل الحزب مع منافسته الاخرى السيدة نيكي هايلي .
والتساؤل هل خضع الحزب الجمهوري لسلطة الرجل الواحد !؟هل هناك عقول في هذا الحزب ترى في ترامب ما يحقق امنياتهم المكتومة طيلة عقود مضت ؟

أو لأُوضح أكثر إن ترؤس شخص متطرف يحمل عقيدة او ايدلوجية منحرفة لاكبر دولة في العالم يمثل تهديدًا للسلم العالمي، ولا اكشف سرًا وجود من يؤيد ترامب في المؤسسة العسكرية الأميركية وهنا تكمن الخطورة بأنَّ شبكة اليمين المتطرف بدأت تحكم قبضتها على الحزب الجمهوري، وقد تتحكم بمصير الولايات المتحدة كلها.

فهل هذا هو المسار الحاصل في الحزب الجمهوري أم هي مجرد تحليلات تحاول تكبير الخطر وإرعاب الآخرين ؟

لا نستبق الجواب ونتركها تساؤلات مشروعة، و لكن ما يقوم به ترامب يناسب العقلية الأميركية التي تسعى للتفوق والسيطرة وهو ما ترتأيه المؤسسة العسكرية الأميركية التي صوتت لترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية السابقة، وبعض تأييده جاءت كردة فعل على رئاسة أوباما للبيت الأبيض، بل أيد الكثير من الأميركان خطواته في تقليص الدعم عن المؤسسات الدولية، والدول التي تتنظر مساعدات الولايات المتحدة ماديًا وعسكريًا كهبات تمنحها سنويًا.

ان السلوك السياسي للرجل يكمن في خطورة ردود أفعاله المتطرفة التي أثرت على الجو السياسي العام في العالم وأضرت بالتوازنات أو بالاعراف السياسية المتعارفة دوليًا .

ولاشك أن أعداء الولايات المتحدة يرون في عودته أمرين لا ثالث لهما مزيدا من التوتر والتصادم مع العالم أولًا، وثانيًا إنّها بداية النهاية لهذه الدولة التي ستكون مشاكلها الداخلية أكبر بكثير ولا يمكن السيطرة عليها،
بينما يرى مخالفوه داخل الولايات المتحدة أنَّ وصوله الى البيت الابيض مرة أُخرى سيكون بداية الانقلاب على الديمقراطية الأميركية .وبروز ديكتاتورية جديدة تصل عن طريق الانتخابات وهي العملية السائدة في هذه الدولة وكما أوصلت العملية السياسية في المانيا اودلف هتلر الى الحكم !!!.

ولعل إصرار الرجل على العودة الى الرئاسة أمر غير مألوف في العرف السياسي الأميركي، ولعلها سابقة في أن يخوض رئيس سابق المنافسات الانتخابية وكلهم فضلوا التقاعد أو (أُجبروا) عليه أو إنه تقليد أمريكي لم يكسره إلا دونالد ترامب، وهي مؤشرات خطرة في إصراره على تنفيذ مالم يكمله في ولايته السابقة، وان اصراره على طلب الحصانة للرؤساء السابقين قد تُخفي لديه نزعة التسلط وعدم المساءلة فيما لو وصل الى الرئاسة مرةً أُخرى .

الرئيس بايدن :

على النقيض من منافسه فقد نشأ او تدرج في العمل السياسي، وهو من الطبقة المثقفة إن جاز التعبير وعمل استاذا جامعيًا فامتلك خطابًا عالي المضامين، وكان على قدر كبير من التعامل في الحوارات السياسية، وعندما نقارن بين الخلفية الثقافية بينه وبين ترامب يكون التفوق من نصيبه.

وهو ليبرالي معتدل على النقيض من منافسه اليميني، وبالرغم من قوة خطابه سابقًا، إلا أن مؤشرات الشيخوخة بدت واضحة على تصرفاته الاخيرة، وقيل انه عانى صحيًا وقد أدى ذلك الى تولي نائبه السيدة كمالا هاريس زمام الامور في بعض الاوقات.

وقد انتشر في وسائل الاعلام انه خضع الاسبوع الماضي لفحص طبي ليختبر مدى أهليته للحكم، وهي سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية كذلك .

فما نلاحظه وجود مؤشرات تخل بالمرشحين من خلال تأثرهما بمشاكل صحية نتيجة أعمارهما الكبيرة مع أنه لا يوجد نص قانوني يمنعهما من خوض السباق الانتخابي لمجرد أنهما تقدما في السن، لكن الولايات المتحدة التي كانت تقدح في الدول الاخرى التي تصر على وجود رؤساء دولة أو حكومات كبار في السن ها هي اليوم تقع في المحظور من خلال المرشحين ترامب وبايدن.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى