الاحدثدولي

تموضع جديد للجهاد العالمي بعد مقتل الظواهري | بقلم محمود الحمصي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

قتل الزعيم الاول لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري ولم تقتل معه اهداف التنظيم الارهابية.  وقد تم قتله بغارة اميركية محترفة عن طريق سلاح حديث وحمل مع قتله رسالة طمأنة الى حلفاء الولايات المتحدة الاميركية، واوصل رسالة لاعدائها  مفادها الصريح، لن نترك الساحة لكم.  لم تكن هذه العملية تهدف فقط الى زيادة شعبية الرئيس بايدن بل تتعداها لتشمل خططاً استراتيجية للمنطقة ككل. تكمن هذه الاهداف بخلق سياسة الفوضى الخلاقة التي تنتهجها الادارة الاميركية في التعامل مع القضايا الدولية والفوضى الخلاقة تعني اشاعة الفوضى وتدمير كل ما هو قائم ومن ثم اعادة البناء بما يخدم مصالح الادارة الاميركية، ومن الاهداف ايضا تحقيق انتصار اعلامي بعد الهزائم المتكررة والتي كان اخرها انسحاب القوات الاميركية من كابل، اضافة الى ذلك، تسعى الادارة الاميركية الى استكمال مشروعها التقسيمي ليشمل باكستان هذه المرة. ومع قتل الارهابي العجوز الذي قد يشكل قتله نقطة تحول مهمة في الجهاد العالمي والذي قد يحول مناطق امنة الى ساحات جهاد عالمية جديدة.

غارة جوية غير تقليدية تقضي على الظواهري

اسفرت غارة أميركية من دون طيار على قتل الزعيم الاول لتنظيم القاعدة ايمن الظواهري في العاصمة الافغانية كابل. تم قتل الظواهري وهو جالس مع عائلته في غارة جوية غير متفجرة بل عن طريق صاروخ ينبثق منه شفرات تقضي على الهدف من دون ان تحدث اي اضرار مادية او ضحايا باستثناء ما خطط لقتله. وكان الظواهري من ابرز المسؤولين عن هجمات ايلول عام ٢٠٠١ وقد استلم الظواهري قيادة التنظيم الارهابي عقب قتل اسامة بن لادن في عملية خاصة للقوات الاميركية قبل أحد عشرة عاما في باكستان. استنكرت طالبان الهجوم واعتبرته تعديا وانتهاكا لاتفاق الدوحة الذي لم تتعهد فيه طالبان بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة. فيما اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية تنظيم طالبان بانتهاك اتفاق الدوحة الذي تعهد فيه طالبان بان لا تكون أفغانستان ساحة تخطيط وتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. يشير الكاتب كيم سينغوبتا في صحيفة الاندبندنت البريطانية ان مقتل الظاهري يأتي في مرحلة حرجة من التشدد الاسلامي، مع سعي تنظيم القاعدة لاستعادة قيادتها للجهاد العالمي خاصة مع تعافي تنظيم داعش من فقدانه لمناطق سيطرته، وقد توقع الكاتب ان يقود تنظيم القاعدة بعد الظواهري ضابط سابق في الجيش المصري يدعى سيف العدل ويعتقد الكاتب ان من بين المرشحين ايضا عبد الرحمن المغربي وهو صهر الظواهري ورئيس مؤسسة السحاب الاعلامية التابعة لتنظيم القاعدة.

اهداف قتل الظواهري

ان اهداف عملية قتل الظواهري تتعدى مكافحة الارهاب بل تشمل ايضا صنع انتصار اعلامي للولايات المتحده خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان. في هذا السياق، تحاول الولايات المتحدة ان تظهر للعالم انها ما زالت ممسكة في زمام الامور في افغانستان وما زالت تحافظ على التوازن والتفوق العسكري وهي قادرة على ضرب اي هدف يشكل مصدر تهديد لأمنها. اضافة الى ما سلف، تسعى الادارة الاميركية الى خلق فوضى جديدة في أفغانستان ولكن هذه المرة من دون الغرق في مستنقع هذه الفوضى. ومن بين الاهداف الاستراتيجية من هذه العملية هو تقسيم باكستان الى عدة دويلات تتقاتل في ما بينها لتكون بؤرة جديدة للإرهاب الدولي بعد أفغانستان. في الجهة المقابلة، تسعى الادارة الاميركية من هذه الفوضى ومخطط التقسيم الى خنق جمهورية الصين الشعبية والتي تقع على حدود باكستان التي ينظر لها على انها ساحة الصراع في المرحلة المقبلة.

انتصار اعلامي

ان من الاهداف التكتيكية التي تسعى الادارة الأميركية تحقيقها من خلال قتلها الظواهري هو رفع معنويات جيشها بعد الانسحاب من أفغانستان، اضافة الى سعي الادارة الاميركية صنع انتصار اعلامي للولايات المتحدة الأمريكية خاصة مع استخدام اسلحة فريدة من نوعها لاظهار ان الولايات المتحدة ما زالت تحافظ على  تفوقها العسكري. اضافة الى ذلك، تسعى الادارة الاميركية الى زيادة شعبية الرئيس الحالي جو بايدن بعد انخفاضها مسبقا بسبب ارتفاع اسعار النفط وزيادة التضخم الموجود في الولايات المتحدة الاميركية.

الفوضى الشاملة

قد يكون من اهم اهداف الادارة الاميركية هو نشر الفوضى الشاملة في افغانستان عن طريق الفتنة الداخلية وعرقلة تحقيق اهداف طالبان في السيطرة على البلاد واعادة هيكلة اوضاعه العسكرية خاصة مع تأكيد بعض الصحف الاميركية ان احد مسؤولي طالبان هو من كشف مكان تواجد الظواهري. اضافة الى ذلك، ان قتل الظواهري  يساعد تنظيم القاعدة في تطوير قدراته العسكرية في أفغانستان وباكستان علما ان الظواهري اصبح كبيراً في السن وشخصيته تختلف بشكل كبير عن سلفه أسامة بن لادن الذي يمتلك كاريزما جذب المتطرفين. في هذا السياق، قد لا تقتصر الفوضى عند حدود أفغانستان بل قد تتعداها لتشمل بعض الدول المجاورة مثل باكستان وطاجكستان واوزبكستان.

 

 تقسيم باكستان

لعل من ابرز اهداف قتل الظواهري ايضا تقسيم باكستان، اذا طالبت هيئات اميركية بتقسيم باكستان الى عدة دويلات. و الهدف من تقسيم باكستان يكمن في تأمين نفوذ للولايات المتحده الاميركية داخل باكستان اضافة الى الرغبة في السيطرة على السلاح النووي الباكستاني خاصة بعد الفوضى التي قد تنشأ من خلال نمو خلايا القاعدة داخل باكستان واكتسابهم اراضي مؤهولة فيها. اضافة الى ما سلف، تسعى الادارة الاميركية من خلال تقسيم باكستان الى خنق الجمهورية الشعبية الصينية خاصة بعد توتر علاقة الاخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية ازمة تايوان.

قتل الظواهري نقطة تحول جديدة في الجهاد العالمي

ان تاريخ الجهاد العالمي بدأ مع اغتيال محمد انور السادات في بداية الثمانينات وبات المسؤولين عن اغتيال السادات ملاحقين في مصر فهرب غالبيتهم الى أفغانستان التي أصبحت بعدها مركز الجهاد العالمي لمواجهة الاتحاد السوفيتي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وقد شجعت حينها الاسلاميين من كافة انحاء العالم للقتال ضد القوات السوفيتية والحكومة الشيوعية في كابل. ومع ظهور تنظيم القاعدة بقيادة عبدالله عزام الذي دعا لتأسيس قاعدة للجهاد في أفغانستان انتصارهم فيها تم تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية بما يعرف بالجهاد العالمي لقتال اليهود والصليبيين عام ١٩٩٨ وتوالت العمليات الارهابية في بلد تلو الأخر وصولا الى تفجير مركزي التجارة العالمي في الحادي عشر من ايلول عام ٢٠٠١. على اثر هذا الهجوم اعلن حينها الرئيس الاميركي الحرب في افغانستان والتي استمرت نحو عشرين عاما عندما انسحبت القوات الاميركية منها في اب ٢٠٢١. وقد اعلنت العديد من الجماعات الارهابية تأييدها لتنظيم القاعدة وقد انبثق من تنظيم القاعدة العديد من التيارات الجهادية والتي انشقت عنها واعلنت استقلالها عن التنظيم.

شكلت المرحلة السابقة العديد من الانتكاسات التي ادت الى انقسامات داخل تنظيم القاعدة كان آخرها انشقاق جبهة النصرة في سوريا عن التنظيم خاصة مع نمو تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان وباكستان فيما يعرف بولاية خرسان الذي يتمركز في أفغانستان. قد يشكل مقتل الظواهري نقطة تحول خطيرة في الجهاد العالمي الذي قد يؤدي الى تموضع جديد للتوجه الى باكستان والاقاليم المجاورة والسيطرة عليها خاصة مع التقارير التي تشيرالى استخدام  الطائرات الاميركية اراضي باكستان في الغارة الاخيرة. ومع جهود اسلام اباد في مكافحة الارهاب قد تكون الاخيرة ساحة الجهاد العالمي الجديد والذي قد يؤدي الى صراع دولي اخر بين القطبين مع تقاسم الحصص الجغرافية وتنامي نفوذ دولة على حساب اخرى. ويبقى السؤال الوحيد التي تكفل الايام في الاجابة عليه، لماذا تم قتل الظواهري الذي لا يقدم ولا يؤخر في تنظيم القاعدة وفي هذا الوقت تحديدا؟

محمود أحمد الحمصي

الدكتور محمود الحمصي، باحث ومحلل سياسي، مولود في بيروت حاصل على دكتوراه الفلسفه في الادارة العامة ومحاضر في جامعة بيروت العربية، شارك في العديد من المقالات العلمية والبحثية المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى