اجتماعالاحدث

العراق : الدراما الممسوخة ! | بقلم علي الهماشي

لم أجد عنوانًا أُعبر به عما أشاهده من دراما مصورة تنقل لنا قصصًا غير عراقية لتكون او يُراد لها أن تكون واقعًا عراقيًا..

ما لاحظته أخيرا من نسخ لقصص تركية في مسلسلات عراقية إن جاز التعبير بأنها مسلسلات عراقية ، فلا البيئة عراقية ولا الحوار عراقي ،و كأني أرى ممثلين يحاولون نطق اللهجة العراقية حينما تأتي المفردات الهجينة في الحوار التي لا أسمعها في الشارع العراقي سوى في هذه المسلسلات.

لم أتفاعل مع هذا النوع من المسلسلات اطلاقًا ،رغم إنَّه قدم جيلا جديدا من الممثلين الشباب (ربما هذا ما يُسهل فرض الحوار عليهم بهذه الطريقة)، وأنا لست ضد التقاء الثقافات وتجارب الشعوب والتعلم والتعليم ولكن أن يتم فرض ذلك فهو مرفوض وان كانت بطريقة ناعمة كما يجري في تسويق هذا النوع من الأعمال الدرامية.

أنا على يقين إنَّ لكل عمل تلفزيوني أو سينمائي هدف ورسالة يحاول المؤلف والمخرج والمنتج أو بالأحرى فريق العمل زرعه في وعي المشاهد ،وكثرة هذه الاعمال تخلق جوًا لتقبل مايدور في هذه المسلسلات من طبائع وعادات وحركات وحتى الملبس والمأكل.

ويبدو أنَّ منتجي هذه المسلسلات يسعون من خلال هذه الأعمال الى ما يسمونه (تقبل الاخر) ولكنها طريقة ممجوجة لأن الاعمال والقصص الهجينة بعيدة عن الواقع العراقي وزرع مثل هذه المفاهيم في مجتمعنا تدفع الى تهديم قيمه الأصيلة ،فلا يمكن لمجتمعنا أن يتقبل أن تكون الفتاة صديقة لفتى وتعيش معه في نفس المسكن ،وتنفصل عنه ويتناوله المسلسل وكأنه أمر عادي وليس أمرًا نادرًا أو مستغربا بل لم أر استهجانا أو انتقادًا ولو بكلمة لمثل هذا الأمر في المسلسل ،كما يكون تقديم المشروبات الكحولية في كل البيوت،وان كان فيها مصليًا مثلا ،وهو ما يذكرني بالمسلسلات المكسيكية حينما نرى زعيم المافيا والقاتل يرتاد الكنيسة ويصلي وهو مقتنع أنه مؤمن أو متدين ونرى بعض أفراد العصابة وهم يلبسون الصليب في دلالة على إيمانهم أو يستنجد باليسوع لتمرير صفقة الهيروين أو يُراد للمشاهد أن يفصل بين الايمان والجريمة ،أو يعتقد أن المؤمنين مجرمون.

ونعود للمسلسلات الدخيلة على قيم وأخلاق مجتمعنا ونتساءل ما الغرض من هذه المسلسلات !؟..

والمشكلة أنَّ هذه المسلسلات نسخة طبق الأصل عن المسلسل التركي المنقول عنه من السيناريو الى الحوار ولهذا تجد لهجة غريبة في أفواه الممثلين ،وهم ينطقون بالمفردات دون احساس عميق بها..

فاللهجة العراقية لها وقع خاص ولها طريقة خاصة ،كما للهجة المصرية او اللبنانية والسورية والخليجية والاردنية طريقة خاصة بكل منها.

مع ملاحظة وجود نسخ لمسلسلات تركية بقصصها لسورية لبنانية وهي ممجوجة أيضا.

ونتساءل ماهو الهدف من هذا النسخ الحرفي لهذه المسلسلات حتى في حركات الممثلين !

قد يكون الهدف هو الربح المادي الخالص من خلال جذب أكبر عدد من المشاهدين بالاعتماد على المناظر الطبيعية وأمور أُخرى محبذة عند قسم من المشاهدين ،ولكن الجواب أنَّ هذه المسلسلات تعرض على قنوات مجانية ويشاهدها كل من يرغب بذلك فهي ليست في القنوات المشفرة فقط ، وتشتريها فقط القناة التي يُبثُ منها المسلسل.

ونأتي للنقطة التي ذكرتها في بداية حديثي إنَّ لفريق العمل رسالةً أو هدفًا يحاول تمريرها أو تمريره من خلال ما يقدموه من مفاهيم تدخل في صلب البنية الاخلاقية للمجتمع ،وكل عمل لا يسلط الضوء على القيم الأصيلة في المجتمع ويبرزها بل يحاول طمسها بزرع أمور دخيلة في وعي المجتمع فهو يحاول الاخلال بالمنظومة الاخلاقية والتربوية له ،وهذا ما سجلته عندما شاهدت هذه المسلسلات التي تتبنى قصصًا تركية لتمثل وكأنها قصة عراقية حيث تحاول كسر النمطية الاخلاقية للمجتمع العراقي.

وعلينا كمراقبين متابعين لحركة المجتمع أن ننظر لمسار ومدى امتداد وتأثير ذلك فيه.

وعلى فكرة أنا لست ضد الاعجاب بالمسلسلات التركية ونسبة المشاهدة العالية لها من خلال الدبلجة لها ،ولكنها تبقى مسلسلات تركية ولا تعتبر عراقية ،

اي أنَّ المشاهد او الفئة المستهدفة تتأثر إعجابا بالبطل أو البطلة ،وربما يقوم بعض الشباب بتقليد حركاتهم ولبسهم ، ولكن ذلك لن يُحول قيم المسلسل وما يتناوله الى قيم داخل المجتمع كما يتم زرعه فيما لو جُعلت مثل هذه القصص وكأنها من الواقع العراقي وهنا تكمن الخطورة ،وعلينا أن نضرب حرس الانذار كي ينتبه رواد المجتمع ومفكريه لتسليط الضوء ومعالجة مثل هذه الامور ،وعلى صناع الدراما العراقيين السعي لانتاج ما يمكنه سد الفراغ لدى المتلقي العراقي ، فنحن أما نوعين دراما مستوردة بما فيها ، ودراما لا تحاول إلا تبرز القبيح وتحاول تضخيمه بشتى الوسائل ،

فهل سينتفض مثقفو ومفكرو العراق أما أسجل عليهم ملاحظة الركون والسكوت كما هي ملاحظاتي السابقة

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى