الاحدثالشرق الاوسط

الوثائق الإسرائيلية تُجيب على الأسئلة الحائرة في حرب يونيو67 (1)

كيف حدث ما حدث في 5 يونيو 1967 ؟ لقد اختار الكاتب المصري القدير الأستاذ "مجدى منصور" فقرات فارقة من الوثائق الإسرائيلية عن حرب يونيو(حزيران 67) التي نشرها الكاتب الكبير الأستاذ "محمد حسنين هيكل"(رحمه الله) في سلسلة مقالات بمجلة (وجهات نظر) والتي تم جمعها في كتاب بعد ذلك بعنوان (عام من الأزمات) ، والجدير بالذكر أن الأستاذ مجدى منصور هو أحد تلامذة الأستاذ هيكل رحمه الله.

إن نقاش أي حدث ليس وقتاً ضائعاً نبدده بل هو أمر واجب فحصه ودراسته واستلهام دروسه وعبره … وعلى هذا قررت أن تكون الوثائق الإسرائيلية التي نشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل(رحمه الله) في مرجعه القيم (عام من الأزمات) هي التي تجيب على الأسئلة الحائرة لدى بعض «الجاهلين» أو «الشامتين» أو «الكارهين». وابدأ من اليوم بوضع مساحة مركزة من الوثائق على نقطة كي تقوم بكشفها وتظهر معالمها. 

 

المطارق!

في الساعة العاشرة والربع من ليل ٤- ٥ يونيو ١٩٦٧ أصدر الجنرال موشى «ديان» أول أمر يحمل توقيعه «إلى كل قوات جيش الدفاع على الجبهة الجنوبية:

الهدف: تدمير الجيش المصري في سيناء.

المدى: «احتلال شمال وبطن سيناء والالتفاف حتى شرم الشيخ».

وكان هذا «الأمر الأول» للجنرال «ديان» قبل ساعات قليلة من بدء العمليات متسقاً على نحو كامل مع الاستراتيجية العليا للأمن الإسرائيلي – ومطابقاً لاستراتيجية وضعت مبكراً لضرب مصر بقصد إخراجها من الشام، وحصرها تماماً في أفريقيا بعيداً بالكامل عن آسيا. والدليل المؤكد لهذا الاتساق أن «أمر ديان الأول» اقتصر على الجبهة المصرية.

 وأما على الجبهات الأخرى (السورية والأردنية) – فقد كان ما صدر عنه في اللحظة الأخيرة تعزيزاً للأوامر السابقة (أي دفاع محدود على الجبهة السورية ، مع احتلال المنطقة المنزوعة السلاح إذا اتسع نطاق العمليات قبل أن يتأتى حصرها. ثم إنه لا عمليات على الجبهة الأردنية إلا بإذن، وإذا جرت مفاجأة غير متوقعة فإنه يمكن إلى حين حلها «بخطف» حائط المبكى وما حوله في القدس).

 

كانت الخطة العسكرية الإسرائيلية على الجبهة الجنوبية في أصلها تصميماً كلاسيكياً «التزم بما جاء في الكتب» دون ادعاء بعبقرية ينفرد بها.

ووفق كتابات الجنرال «جودريان» وتطبيقاته لها في الحرب العالمية الثانية فإن الحرب الخاطفة هي الحرب العصرية ، والحرب الخاطفة تبدأ بضربة تقصد بالدرجة الأولى شل أعصاب العدو وإرباكه إلى درجة تدعوه للتخبط في رد فعله بما يشوش تفكيره ويؤثر على قراره.

(وكان ذلك هدف الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى على كل المطارات العسكرية المصرية. وقد أضيف إليه هدف كان هو حماية عمق إسرائيل من احتمال غارات مضادة يكون الطيران المصري قادراً عليها).

ووفق كتابات «ليدل هارت» فإن كفاءة الجيش الحديث مرهونة بخفة حركته، وذلك يتأتى حين تكون تشكيلاته المقاتلة وحدات قادرة على الفعل السريع بما يمكنها بكثافة وتركيز النيران أن تخترق بالحركة الخاطفة أية دفاعات وتلتف حولها.

وكان وليدل هارت ينصح دائماً بأسلوبين:

أن تتحول «الوحدات» إلى «مطارق» تضرب، وللوضع المثالي لضربة «المطرقة» هو أن تنزل فوق الرأس – أي فوق قيادات الجيوش وعقد مواصلاتها.

– أن لا يتوقف تقدم «الوحدات» المتحركة بكثافة النيران كي تحتل وتؤمن أرضاً، وإنما نصيحة «ليدل هارت» إلى كل قائد عسكري بأنه: « لا داعى لتعطيل القوات في احتلال أرض، أكسر الجيش الذى يواجهك تنفتح لك أرجاء الأرض وراءه».

وكان ذلك بالضبط ما فعلته القوات الإسرائيلية في سيناء: ضربات «مطرقة تنزل على الرؤوس – والوية تتحرك بسرعة، وهى لا تحتل أرضا وإنما تمزق خطوطا وتفتح ثغرات، وتلتف وتطوق»، وفى ذلك فإنها تؤكد أيضاً نظرية قديمة لكلاوزفيتز» تعتبر «هدف المعركة قتل اعصاب العدو قبل قتل «أجساده جنوده».

 ولسوء الحظ فإنه بمقدار ما تصرفت القيادة الإسرائيلية في بداية الهجوم وفق ما طلبته «نصائح الكتب الكلاسيكية» فإن القيادة المصرية في مواجهة الهجوم تصرفت بالضبط وفق «نواهي الكتب الكلاسيكية».

Egypt’s Field Marshal Amer Speaking to His Pilots 1967

 وكان تنظيم الجيش المصري وخطة عملياته وخطوط تحركاته على النظام البريطاني الفرنسي الذى اعتمد في معارك الحرب العالمية الأولى ، وكأن تجربة الحرب العالمية الثانية لم تحدث.

والذى حدث أن الضربة الجوية الإسرائيلية شلت أعصاب القيادة العسكرية.

ثم إن «مطارق الألوية» فوق الرؤوس أصابت الجميع بالدوار.

وأخيرا – فإن الحركة السريعة والالتفاف والتطويق لجيش كبير ـ ثقيل بذيل إداري طويل حولت هذا الجيش في ساعات إلى جزر معزولة عن بعضها وعن قيادتها.

…………………………………………………………………..

ثم كان ما سمعته بنفسي عن الجنرال «أندريه بوفر» وهو الخبير العسكري الفرنسي المشهود له دوليا – حين قال لي يوم ٤ سبتمبر ١٩٧٥ ونحن في بيته الواقع على نهاية شارع «فوبورج سانت أونوريه»:

[«إنني درست معارك سنة ١٩٦٧، وناقشت تفاصيلها طويلاً مع القادة الإسرائيليين ومنهم «ديان ورابين، وتقديري أن الجيش المصري اتهزم في حرب نفسية قبل أن ينهزم في حرب عسكرية، القيادة ذُهلت من ضربة الطيران، والقوات في الميدان فوجئت بالتحركات الخاطفة للألوية الإسرائيلية، وتفكك الجيش الكبير نفسيا قبل أن تبدا معارك القتال الحقيقي، وذلك تفسير ظاهرة أن خسائركم الكبيرة في المعركة لم تقع إلا بعد صدور قرار الانسحاب من القاهرة؟ ].

 

الوثائق الإسرائيلية – الأستاذ محمد حسنين هيكل

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى