الاحدثالشرق الاوسط

جمال عبد الناصر .. عندما انتصر بروتوكول الصعيد على بروتوكول أوروبا! |كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

جمال عبد الناصر .. من هو ذلك الرجل؟   

يراه مُحبوه ومؤيدوه «ملاكا رحيماً».

و يراه كارهوه ومُعارضوه «شيطاناً رجيماً».

يراه مُحبوه ومؤيدوه «زعيماً عظيماً».

و يراه كارهوه ومُعارضوه «طاغيةً جباراً».

هو عند مُحبوه ومؤيدوه (الريس).

وعند كارهوه ومُعارضوه (الديكتاتور).

يقول مُحبوه ومؤيدوه: أنهم عاشوا معه حلماً جميلاً عظيماً.

ويرد عليهم كارهوه ومُعارضوه بل كان كابوساً مفزعاً مُخيفاً.  

ولازال السؤال مطروحاً بعد غيابه: من هو جمال عبد الناصر؟

هل هو ساحر استطاع بسحره أن يملك ويأسر قلوب الجماهير قبل عقولها؟

أم هو إنسان أخلص للجماهير العريضة من المحيط للخليج ، فأخلصت له تلك الجماهير ووضعته في قلوبها وأغلقت عليه صدورها؟

ولعلني عزيزي القارئ أعترف مُنذ البداية أنى من مُحبى ومؤيدي الرجل (على المستوى الإنساني والسياسي) ، ولكنه الحب الواعي والمُدرك بأن الرجل على المستوى الشخصي إنسان لهُ ما لُه وعليه ما عليه. 

وعلى المستوى السياسي فهو تجربة إنسانية زاخرة حافلة بالأحداث ، تجربة أعطت وأخذت ، أصابت وأخطأت ،اجتهدت قدر طاقتها وقدرتها ونجحت في أمور وفشلت في أمور أخرى.

وهذا المقال هو مجموعة مواقف لجمال عبد الناصر ربما بعد أن ينتهي القارئ الكريم من قراءتها يُمكن أن تُعطيه صورة ولو تقريبية لجمال عبد الناصر الإنسان والتجربة ، ولعلها يمكن أن تقربه من الإجابة على السؤال الأهم: 

من هو جمال عبد الناصر؟

(1)

بروتوكول الصعيد يتفوق على بروتوكول أوروبا في القصر الملكي اليوناني!

في زيارة رسمية لليونان التقى جمال عبد الناصر مع ملك اليونان “بول” ، وكانت السيدة قرينة الرئيس عبد الناصر (تحية) تصحبه في هذه الزيارة ، وكانت معها الملكة (فردريكا) قرينة الملك بول.

وكان الأربعة يستعدون لدخول قاعة العشاء الكبرى التي امتلأت بالمدعوين يومها ينتظرون دخول الرئيس المصري وقرينته ، وملك اليونانيين وملكتهم. وتولت الملكة فردريكا تنظيم خُطى الدخول إلى القاعة.

وقالت الملكة اليونانية للزعيم المصري جمال عبد الناصر: «إنني سوف اضع يدى على ذراعك وندخل معاً .. ثم تضع قرينتك يدها على ذراع الملك ويدخلان معاً».

وسألها جمال عبد الناصر ببساطة: «لماذا ذلك يا سيدتي»؟  

وقالت الملكة فردريكا مبتسمة: «لأن هذا هو البرتوكول يا سيدي الرئيس».

وضحك جمال عبد الناصر وقال لها: 

« من سوء الحظ أنني لا أعرف إلا البروتوكول الصعيدي في مصر ، الذى يقول أني سأدخل مع الملك أمامكم ، وأنتى تدخلين مع زوجتي خلفنا! »

ولم ينتظر عبد الناصر رد الملكة ولكنه مد يده إلى يد الملك واصطحبه للدخول للقاعة ، وترك الملكة وزوجته تدخلان وراءهما!

وضاع بروتوكول أوروبا ، أمام بروتوكول الصعيد الذى فرض نفسه في القصر الملكي!

(2)

كيسنجر: بعد رحيل عبد الناصر تحرر الحكام الموالون لنا من ضغط جماهير عبد الناصر.

كان هنري كيسنجر نجماً صاعداً لامعاً في عالم الأمن القومي الأمريكي ، وجلس نهاية عام 1975 يعطى أركان الادارة الأمريكية وقتها شرحاً عما حدث في مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر ، وقال:

أنتم تعرفون أيها السادة أهمية العالم العربي ومصر في قلبه لنا ، ونحن لم نكُف يوما عن دراسة ظواهره ، كانت هناك ظاهرة ملفتة للنظر بعد أن اختفى جمال عبد الناصر تبعثرت جماهيره في كل بلد عربي.

كانت خطورة عبد الناصر أنه كان تياراً عريضاً ممتداً عبر كل الحدود السياسية في العالم العربي. إن ذلك كان يدفع بعض الناس إلى أن يقولوا خطأ أن عبد الناصر سيستطيع أن يفعل أي شيء. لم يكن ذلك صحيحاً لأن عبد الناصر كان مسئولاً أمام هذا التيار إلى جانب أنه يقوده.

كانت هناك علاقة جدلية كما يقول الماركسيون بين الاثنين: التيار وقائده.

لأن التيار الناصري كان أبعد من سلطة حكم عبد الناصر يمتد في بلاد عربية متعددة وبعيدة فإن وسيلة عبد الناصر للاحتفاظ بقوة هذا التيار إلى جانبه كانت وسيلة وحيدة ، وهى أن « يلتزم كاملاً بأهدافه المعلنة التي شدت إليه ولاء جماهيره».

 كان هذا الوضع خطراً ، في حقيقة الأمر كان بالغ الخطورة على مصالحنا. لأنه كان يقيد حركتنا.

إذا تحدثنا مع عبد الناصر ، فإن عبد الناصر كان يكفيه أن يُشير إلى جماهيره و إلى التزامه أمامها.

وإذا تحدثنا مع غير عبد الناصر من الملوك العرب ، فقد كان الشعور بالخوف والشلل من عبد الناصر وجماهيره هو أول ما يواجهنا ويقطع الطريق على أي حديث ، ويعيق تنفيذ أي خطط لنا.

بعد اختفاء عبد الناصر وتبعثر جماهيره أصبح الوضع في المنطقة معقولاً.

زالت منه الأسطورة الممتدة عبر كل الحدود. أصبحنا بعد ذلك أمام دول طبيعية.

عندما تكون هناك حركة تاريخية عامة ونشيطة في منطقة من مناطق العالم فإن التعامل معها يكون صعباً. حساب مثل هذه الحركات ليس سهلاً ، لأن عناصر القوة غير المنظورة تُصبح أشد تأثيراً من عوامل القوة المنظورة.

بعد اختفاء عبد الناصر وجماهيره ، أصبحنا أمام مجموعة دول في العالم العربي ، تُمسك بأمورها حكومات مسيطرة بغير اعتراض مؤثر داخل أوطانها. 

بعد رحيل عبد الناصر (خرجت الجماهير من المعادلة) ، وأصبح التفاهم يتم مع حكام تلك المنطقة ، وبعيداً عن شعوبها التي لا يرضيها خططنا.

 

(3)

في القمة العربية: الملك فيصل يرفض الجلوس وسط حاملي المسدسات! .. وعبد الناصر يسأل عرفات: «ما هو الهدف»؟  

حدث في مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في القاهرة 1970، لإنهاء القتال بين الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية ، كانت هناك جلسة بعد الظهر عاصفة ، فقد حضرها الملك حسين لأول مرة.

وكان الجو متوتراً قبل أن يدخل عبد الناصر ، فقد كان الملك حسين مع بعض ضباطه في ركن من القاعة.

وكان ياسر عرفات على مقعد في صدرها يضبط أعصابه بالكاد.

وكان الملك فيصل في مقعده التقليدي في هذه الاجتماعات ، وكان واضعاً يده على خده يفكر وكان ياسر عرفات على وشك أن ينفجر.

ودخل وقتها العقيد معمر القذافي يجلس إلى جوار ياسر عرفات.

وانتقل الأستاذ محمد حسنين هيكل (وزير الإعلام وقتها) إلى حيث كان الملك فيصل جالساً، وقال له:

«ألا تريد جلالتك أن تقوم بعملية نزع سلاح في هذه القاعة؟».

والتفت الملك فيصل إلى هيكل يسأله عما يقصد، وقال هيكل:

« إن الملك حسين يعلق مسدساً في وسطه ، وياسر عرفات يعلق مسدساً في وسطه ، ومعمر القذافي يعلق مسدساً في وسطه… والجو كله مشحون». 

وقال الملك فيصل:

«لا أعرف في الحقيقة… هل جئنا إلى هنا لنتفاهم أو لنتقاتل؟».

ثم استطرد الملك:

«ولكنى لا أستطيع أن أنزع سلاح أحد… ربما يستطيع فخامة الرئيس عبد الناصر… هو وحده الذى يستطيع».

وأشار الملك إلى باب القاعة، وكان الرئيس عبد الناصر يدخل منها في تلك اللحظة ويتجه نحونا، وقال له الملك فيصل:

«فخامة الرئيس… لا أريد أن أجلس وسط كل هذه المسدسات».

وقال الرئيس ضاحكاً من قلبه:

«لا عليك… سوف أجلس أنا وسط هذه المسدسات… وتفضل أنت فاجلس في مكاني».

و بعد انتهاء الجلسة ذهب المجتمعون للراحة ، وجاءه الملك حسين غاضباً مستفزاً مُشتكياً من ياسر عرفات، وقال له عبد الناصر:

أنا أعرف أنهم تطاولوا عليك وعلى الأردن ، ولكنى أمانة أمام الله و أمام الأمة أحذر من اتخاذ اسلوبهم في التعامل معك أو معي رخصة لضربهم. وأنا أفرق دائماً بين قضية فلسطين وهى مسئوليتنا جميعاً ، وبين مواقف أي عناصر فلسطينية بالذات.

ورأيي أن قضية فلسطين أكبر من أي فصيل فلسطيني حتى وإن ادعى بالثورة المسلحة للتحرير.

ملحوظة:

(هذا كان في الماضي حينما كان عرفات والمنظمة يرفعون شعار «إنها لثورة إلى نصر»! ، وقبل ان يدخلوا الى طريق و دهاليز «سلام الشجعان» كما ردد عرفات!).

انتهى التعليق وعودة للسياق من جديد.

ويضيف عبد الناصر: ولهذا فإن علينا مسئولية المحافظة عليهم وحمايتهم حتى من أنفسهم!

 وبعد فترة قليلة من خروج الملك حسين، جاء السيد محمد أحمد(سكرتير عبد الناصر الشخصي) يُسلم الزعيم عبد الناصر رسالة بعث بها ياسر عرفات، الذى كان يقيم في الدور الرابع من الفندق.

وسأله الرئيس عما بها، ورد محمد أحمد:

«إن ياسر تلقى معلومات من عمان بأن الجيش الأردني يكثف هجماته، لتتم له السيطرة على عمان الليلة، وهو يريد تعليمات تصدر إلى ضباط المراقبة المصريين الذين سافروا هذا الصباح إلى عمان، لكى يباشروا عملهم، وبالذات في منطقة الأشرفية».

وقال الرئيس: « فلنطلب ياسر عرفات نبحث معه مشروع الاتفاق قبل الجلسة… واسألوا أيضاً إذا كان معمر القذافي قد وصل… وينضم إلينا هنا».

وجاء ياسر عرفات ، وكان منفعلاً، وبادر إلى القول، موجهاً حديثه إلى الرئيس:

« سيادة الرئيس… كيف نستطيع أن نأتمن هؤلاء الناس وهم هناك مصرون على التصفية… بينما نحن هنا نتباحث…لا فائدة، وليس أمامنا إلا أن نهد الدنيا على رءوسهم ورؤوسنا، ولتكن النتيجة ما تكون».

وقال الرئيس:

« ياسر… لا يجب لأى شيء الآن أن يجعلنا نفقد أعصابنا… لابد أن نسأل أنفسنا طول الوقت: ما هو الهدف؟.

الهدف كما اتفقنا هو وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن.

إنني تحركت من أجل هذا الهدف، بناءً على تقديري للظروف، وبناء على طلبك أنت لي من أول لحظة.

إن موقفكم في عمّان مرهق ، ورجالكم في أربد عرضة للحصار.

ولقد قلت لك من أول دقيقة إننا لا نستطيع مساعدتكم بتدخل عسكري مباشر من جانبنا، لأن ذلك خطأ، لأن معناه إنني سأترك إسرائيل لأحارب في الأردن.

كما أن ذلك إذا حدث سوف يفتح الباب لتدخلات أجنبية تنتظر هذه اللحظة.

إنني أحاول أن أكسب وقتاً لكى أستطيع زيادة قدرتكم على المقاومة، ولتصلوا إلى حل معقول.

إنني خلال الأيام الأخيرة فتحت لكم أبواب كل ما اردتموه من سلاح وذخيرة.

كما أننى أرسلت لكم بالطائرات رجال الكتائب الفلسطينية الثلاث من جيش التحرير التي كانت موجودة على الجبهة المصرية لكى تعزز موقفكم.

وأنت تعرف أنني بعثت إلى بريجنيف لكى يضغط الاتحاد السوفيتي بكل قوته على الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تتدخل… ولقد بعثت أنت لي تطلب منى أن أفعل ذلك وقد فعلته.

كل ذلك في سبيل أن نكسب وقتاً نحول فيه دون ضربة قاصمة توجه للمقاومة، وتعوق كذلك وحدة قوى النضال العربي».

واستطرد عبد الناصر:

«إنني حرقت دمى خلال الأيام الأخيرة لكى أحافظ عليكم، وكان أسهل الأشياء بالنسبة لي أن أصدر بياناً إنشائياً قوياً، أعلن فيه تأييدي لكم، ثم أعطيكم محطة إذاعة تقولون منها ما تشاؤون ضد الملك… ثم أريح نفسي واجلس لأتفرج.

لكنى، بضميري، وبالمسئولية لم أقبل ذلك”.

واستطرد عبد الناصر:

«إنني أستطيع أن أنهى المؤتمر هذه اللحظة… إن المؤتمر من وجهة النظر السياسية قد حقق كثيراً.

ذهب الأخ النميري أول مرة وعاد بأربعة من زعماء المقاومة استخلصهم بالضغط من السجن.

وذهب الأخ النميري مرة ثانية وعاد بك.

ثم صدر عنا بتقرير النميري والبعثة التي رافقته إلى عمان، تقرير أوضح الحقيقة كلها، وشكل قوة ضغط سياسية هائلة.

أستطيع أن أترك الأمور على هذا الحد وأستريح.     

ولكنى أسأل نفسى وأسألك: ما هو الهدف؟

هذا هو السؤال الذى يجب ألا ننساه.

هدفنا ومازال هو وقف إطلاق النار، لإعطائكم فرصة لإعادة تقدير موقفكم ، وإعادة تجميع قواكم.

ونحن الآن أمام فرصة للاتفاق.

هل نحاول؟ أو نسكت وننسى هدفنا.

لك القرار، لأن موقفي منذ اللحظة الأولى كان من أجلكم ، من أجل حمايتكم وحماية الناس الذين لا ذنب لهم، والذين هم الآن قتلى لا يجدون من يدفنهم… وجرحى لا يجدون من يعالجهم… وشاردون بين الأنقاض، أطفالاً ونساء، يبحثون في يأس عن أبسط حق للإنسان وهو حق الأمن على حياته» .

وسكت عبد الناصر… وساد الصمت لحظة.

ودخل العقيد معمر القذافي وجاء بعده السيد محمد أحمد يقول إن كل الملوك والرؤساء بدأوا يفدون على القاعة في انتظار بدء الاجتماع.

وقال الرئيس عبد الناصر:

– هل نذهب؟.

وأردف:

– هل نذهب لنفض الاجتماع… أو لنواصل الحديث، سعياً وراء هدفنا؟.

وقال الرئيس نميري:

– على بركة الله نذهب.

وقام الجميع إلى المصعد… نازلين إلى قاعة الاجتماعات في الدور الثاني، وكان ياسر عرفات يقول:

« له الله… كُتب عليه أن يحمل هموم العرب كلهم… وخطاياهم أيضاً».

(4)

عندما انحاز الزعيم جمال عبد الناصر للموظفين بعد النكسة ضد وزرائه

عقب نكسة يونيو وتحديدا في اجتماع لمجلس الوزراء بتاريخ (2 يوليو 1967) ، وأثناء النظر في الاجراءات التقشفية لمواجهة أثار النكسة على الحالة الاقتصادية ، و قرر وزراء الاقتصاد والتموين والخزانة والتخطيط عدد من الإجراءات ، ومنها زيادة أسعار بعض السلع ، و إلغاء المنحة و تخفيض العلاوة للنصف ، وجرى الحوار التالي بين عبد الناصر ووزراءه:

 

المهندس صدقي سليمان (نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والكهرباء

السد العالي) :

«بعتقد إن ديه فرصتنا إننا تخفض العلاوة للنصف».

عبد المنعم القيسوني (وزير التخطيط):

«العلاوة تقدر ب 14 مليون جنيه للحكومة والمؤسسات».

الزعيم جمال عبد الناصر(رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء):

«لا موش هاخدها.. يعنى الكلام إلى قلته هيجيب كام مليون»؟

عبد المنعم القيسوني (وزير التخطيط):

«إن هناك فرصة الآن أن نأخذ هذا الإجراء في ظل حماس المعركة ، موضوع ال50% بتاع العلاوة هي حل مشكلة بالنسبة للمستقبل ، ويمكن إحنا نظرتنا للمستقبل نظرة بعيدة».

الزعيم جمال عبد الناصر(رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء):

«أنا بتكلم سياسياً عن الموضوع ، موش ال5 مليون جنية . نضع قانون جديد نحدد فيه العلاوة .لكن النهاردة أرفع السجائر وازود ضريبة التلفزيون ، وكمان أنزل من العلاوة ، كُل ده هيخلى الموظفين (يسبوا ويلعنوا(.

وفر يا أخ ضيف (يقصد الوزير نزيه ضيف وزير الخزانة) ال7 مليون جنيه من حتة تانية».

وتدخل حسن عباس زكى (وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية) في الحوار

قائلاً :

«هو كان في ناس بيقولوا بلاش علاوة خالص يا ريس ».

عبد الناصر مستنكراً غاضباً:

«مين دول إلى بيقولوا ، أنا فاهم الموقف السياسي في البلد كويس ، في رأيي هذا البند بالذات هيعمل مشاكل كبيرة ، لكن هيقعدوا يتكلموا عن ارتفاع سعر السكر والزيت شوية ويخلصوا ، لكن  (القاهرة هي للموظفين).

أنا عارف الموظف بيقعد يقول لمراته ولأولاده أول ما هاخد العلاوة هجيب كذا وكذا ، وتلاقيه حاسب على قد العلاوة عشر مرات ، طبعاً الحقيقة قطاع الموظفين قطاع تعبان جداً.

الغوا البند ده ، أنا فاهم إن العملية بالنسبة لكم صيده يعنى! أنا عارف إن الجنيه بالنسبة للموظف الى بياخد 60 جنيه يؤثر عليه كثيراً ، يبقى نزود البريد وضريبة الدمغة أحسن.

 ويُضيف عبد الناصر:

افهموا إن البلد مليانه كلام وانتقادات فنيجي النهاردة على الموظفين؟! ، والحقيقة هي (أكبر طبقة بتتكلم) ، فإنت موش هتديهم منحة ال12 جنيه ، وكمان متدهمش نص العلاوة!

أنا بتكلم عن الاعتبار السياسي ، (الموظفين أكبر طبقة لسانها طويل)، خلوا بالكم الموقف هيسوء في الست أشهر الى جايه ، الفترة الجاية ، و هيكون في ضغط خارجي أكبر علينا ، فليه اخذ الاجراء ده؟

ويُضيف عبد الناصر:

وبعدين إذا كنت هرفع الأسعار أنزل الأجور إزاى برضوا؟!

افهموا إن المسألة موش تظبيط أرقام وبس في الميزانية ، لكن الموضوع

حياة ناس واحتياجات بشر ومعنويات شعب.

ممكن السنة ديه منديش منحة ، لكن أخفض العلاوة للنُص موش داخله مخي الحقيقة. صدقوني هنتصاب بأضرار أكبر من ال7 مليون إلى هنلمهم.

عبد المنعم القيسوني (وزير التخطيط):

«أنا كنت عاوز أقول يا ريس»

عبد الناصر مقاطعاً القيسونى:

«قلت خلصنا ياقيسونى ، اقفل الموضوع خلاص».

 (5)

لأنك أبو أفريقيا كُلها

حدث في المؤتمر الأفريقي الذى انعقد بعد الانقلاب على الرئيس الغاني “نكروما” أن جاء قائد الانقلاب لمصافحة الزعيم “جمال عبد الناصر” ، ودار الحوار التالي بينهم:

قائد الانقلاب: لماذا يا والدي تُعادينا ونحن نُحبك؟

عبد الناصر: إنني لا أعاديكم.

قائد الانقلاب: ولكنك كنت تحب نكروما يا والدى؟

عبد الناصر: هذا صحيح ، إنني كنت اعتبر نكروما ابنى.

قائد الانقلاب: و نحنُ أيضاً نُحبك يا والدى ونتمنى ان تعتبرنا أبنائك.

عبد الناصر:  ألا تلاحظ أنك منذ بداية حديثنا تناديني يا والدى ، ألا تلاحظ أنك أكبر مني عمراً؟

قائد الانقلاب: أنا أقول لك يا والدى لأننا جميعاً نعتبرك أبو أفريقيا كُلها.

وأخيراً – يتبقى سؤال: 

لماذا لا زالوا يعادون الرجل ويحاولون تشويه حتى بعد وفاته بأكثر من ثماني وأربعين عاماً؟

ربما يعادون شخصه ، ولكن شخصه قد مات.

ربما يعادون دوره ولكن دوره  قد انتهى لنفس السبب بالوفاة.

أغلب الظن أنهم يعادون شخصه ودوره والأهم مبادئه و حلمه ومشروعه الذى جسده بشخصه و بقيادته.

إن ذلك هو ما يخشونه.

ولو أزدت ولعل الزيادة لا تكون تزيداً فلو قدر لي أن أقول كلمة للزعيم جمال عبد الناصر لقلت له ما قاله ستالين وهو يقبل رأس فلاديمير لينين بعد موته: «عشت عزيزاً ومُت طيباً أيها الرفيق ».

ولكنى سأقبل رأسهُ وأقول له :

«حُربت حياً وشُوهت ميتاً أيها الرفيق».

ولكن هيهات فلا زلت منتصراً عليهم وراياتُك ترفرف في قلوب عشاقك.

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى