الاحدثالشرق الاوسط

من سيكتب تاريخ العراق ؟ | بقلم علي الهماشي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

التاريخ يكتبه المنتصرون دائما وتكتبه الحكومات ولذلك تختفي الكثير من الاحداث وتُقلب الكثير من الامور لصالح من يكتبه.

تاريخ العراق الحديث تعرض للتشويه وحاول النظام البائد كتابة تاريخ العراق الحديث بطريقته الخاصة وبسبب طبيعته الانفرادية وخوفه من الابطال طمس الكثير ومنع الكثيرين من أرشفة تاريخ العراق الحديث.

وإنني من المطالبين دوما بأرشفة الاحداث وكتابتها وخصوصا من الذين مازالوا معاصرين لنا وقد طلبت من أحد الفنانين ((لاحاجة لذكر الاسم)) وجرى بيننا لقاءً على غير موعد وكان ذلك قبل سقوط النظام بسنتين أو أكثر وتحدث كما هي عادة الرجال الكبار في السن عن ذكرياته وعلاقاته منذ الملكية حتى ((صدام حسين)) وأصغيت له باهتمام مما شجعه على الاسترسال ،وطالبته بكتابة ذلك فما كان منه الا أن قال لي :إني أخاف!!!.
فقلت له إنه تاريخ العراق وهو ليس ملكك لوحدك والامانة تتطلب كتابة ذلك لنطلع عليه وتطلع عليه الاجيال من بعدنا فكان جوابه الصمت المطبق!!!.
وعندما كان بعض الاخوة يذكرون لنا معاناتهم في سجون الطاغية وما جرى عليهم من فنون التعذيب ،وذكروا لنا القصص المضحكة المبكية التي جرت لهم ،كان مطلبي الوحيد هو أن تُكتبْ هذه الامور.

نعم إن من يملك المعلومات والحقائق عن تاريخ العراق الحديث لابد له من نشرها لانها ليست ملكه إنها إرث العراقيين وإن كنا نتحسر على فقدان أثارنا من متحافنا بسبب ماجرى بعد إنهيار النظام السابق،ثم ما جرى في الموصل بفعل عصابات داعش، فإنني أتحسر لطمس الكثير من المعلومات عن تاريخ العراق الحديث .

وحذارِ من أن يكتب غير العراقي تاريخنا من خلال أعمال درامية تلفزيونية أو سينمائية ستنطبع في وجدان العراقي قبل العربي وكما نعرف فإن المواطن العربي ثقافته مازالت تلفزيونية ،ويبقى للتلفزيون والسينما دورهما في ترسيخ الحوادث في عقل المتلقي .

وعندما كنت أسأل بعض الطلبة عن التاريخ الاسلامي سرعان مايتبادر الى ذهنه الاحداث في فلم الرسالة!!!بغض النظر هنا عن صحة الاحداث في الفلم أم لا ، لكنهم كانوا يجيبون بما شاهدوه في هذا الفيلم.

وبعد التغيير التي جعلت من العراق محط أنظار الجماهير العربية وأصبح مادة درامية دسمة للاعمال السينمائية والتلفزيونية ،فقد وجدت أن الاعمال التي كتبت كانت لاُناس لم يطلعوا على الحقائق وإنما ستكون الكتب المتداولة وما تتناقله الوسائل الاعلامية مصدره في كتابة أعماله،وبعضهم كتب أو يكتب لإرضاء المنظومة التي تعاقدت معه فنرى أن هذه الاعمال كتبت بعين واحدة وأغمضت الأُخرى تعمداً وتغافلا لكي تكون مقبولة لدى الجهة التي طلبت منه الكتابة .

إنها دعوة لكل الكتاب والمؤرخين العراقيين الشرفاء لكتابة تاريخ العراق الحديث بيد عراقية دون تأثير الوضع الجديد عليه ، ليكتب لنا تاريخا حقيقيا يؤرخ بموضوعية للاحداث التي مرت على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية حتى يومنا هذا.

ولا أخفي المطلعين سرا إنَّ بعض الكتاب العرب يحاول أرشفة بعض الاحداث العراقية في أعمال تلفزيونية أو سينمائية وقد أطلعت على النقص الهائل في المعلومات التي يريدون تناولها عن العراق ومع ذلك فهم ماضون في مشروعهم ،ولا أدري هل ستحفز هذه المعلومة كتابنا ومؤرخينا أم نبقى نعظ أصابع الندم بعد أن تنطبع في ذهن المواطن العربي والعراقي هذه المعلومات الخاطئة او الناقصة !!.

فعندما شاهدنا فلم ((المسألة الكبرى)) الذي تناول ثورة العشرين وتلك الفترة الزمنية المهمة في مقاومة الاحتلال البريطاني أنذاك تحسر الكثيرون لطمس الدور الحقيقي لقادة هذه الثورة وما جرى فيها ، واليوم تتاح الفرصة للكثير من أصحاب الاختصاص فهل سينتهز كتابنا الفرصة وكما قيل :الفرصة لمن يستحقها فهل نجد من يستحقها ؟ أم تذهب الكلمات في فضاء الشبكة العنكبوتية ولانجد من يتصدى لذلك.

نعم القضية بحاجة الى عمل مؤسسي ضخم ولكن المحاولات الفردية مطلوبة لوضع الأُسس في هذا المجال فهي دعوة لكتابة تاريخ العراق بيد عراقية نزيهة موضوعية لتطلع الأجيال على الحقائق فهذا من العوامل المهمة في بناءِ مجتمع سليم حينما يتعرف على ذاكرة أجداده دون تشويه ، وتحفظه في ذاكرتها كثروة من ثروات العراق التي لابد من الحفاظ عليها.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى