الاحدثدولي

ما بين سيد اللعبة وسيد التحليل (1) | كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الكاتب السياسي مجدى منصور يكتب درس جديد من علم إدارة الصراع: 

ما بين «سيد اللعبة» هنري كيسنجر و«سيد التحليل» محمد حسنين هيكل؟!أولاً – «سيد اللعبة» هنري كيسنجرصدر حديثًا كتاب مارتن إنديك الجديد عن «هنرى كيسنجر» ودوره فى المفاوضات التى أعقبت حرب أكتوبر 1973( فض الاشتباك). ومن بين العديد من الكتب التى تناولت دور وإرث وسجل كيسنجر ، ينفرد هذا الكتاب بالتركيز على تفاصيل مهمة كيسنجر عقب حرب أكتوبر (١٩٧٣) التى أفضت لبناء آلية لما سُمي بعملية سلام الشرق الأوسط والتى استمرت لعدة عقود.

ويعد هنري كيسنجر من أكثر الشخصيات تأثيراً فى تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية فى النصف الثانى من القرن العشرين ، والتى كان لها تأثير واسع على الشأن المصرى والعربى والعالمى.فى كتابه «سيد اللعبة.. كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط» (Master of the Game: Henry Kissinger and the Art of Middle East Diplomacy)ويقول إنديك فى مقدمته أنه يتناول تفاصيل هامة أتاحتها له القدرة على الإطلاع على آلاف الوثائق التى رُفعت عنها السرية من الأرشيف الأمريكى والإسرائيلى ، ومقابلات واسعة ومتكررة مع كيسنجر نفسه ، بالإضافة إلى لقاءات جمعت الكاتب بكبار مسئولى ملفات عملية السلام فى الدول المعنية.ويذكر أن إنديك شغل سابقا منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل مرتين ، ومساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى والمبعوث الأمريكى الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.وحتى الأن لم يصلنى الكتاب مترجم ولكن وصلنى «موجز سريع» عن الكتاب من مركز الابحاث المشترك به.وما بالملخص السريع رغم أنه قصير في مساحته إلا أنه فى الوقت ذاته عميق وخطير فى معانيه ودلالاته.فى كتابه يعود إنديك بالقارئ إلى حقبة السبعينيات ، حين أجرى كيسنجر مفاوضاته مع قادة المنطقة “أنور السادات” ، “جولدا مائير”، “حافظ الأسد” ، “حسين بن طلال” ، “فيصل بن عبدالعزيز آل سعود” ، “الحسن الثاني”.و يسرد إنديك بكتابه تفاصيل الطريقة التى تمكن بها هنري كيسنجر من المناورة مع قادة الشرق الأوسط نحو ما يسميه هو (السلام).ويرى إنديك أن كيسنجر نجح فى التوصل إلى 3 اتفاقيات ــ اثنتان بين مصر وإسرائيل ، وواحدة بين إسرائيل وسوريا عقب حرب أكتوبر ــ و من ثم إنهي بذلك حرب أكتوبر.ويرى كيسنجر أن الاتفاق بين إسرائيل وسوريا حافظ على السلام فى مرتفعات الجولان لمدة 40 عاما، ومهد بذلك لوقف أى اشتباك عسكري مستقبلاً ، والهدف الأكبر والأسمي لذلك هو «إخراج مصر من الصراع مع إسرائيل» ، وأن كيسنجر بذلك أرسى الأسس الأولي لمعاهدة سلام بين البلدين.كما لعب كيسنجر عقب حرب أكتوبر دوراً رئيساً ممهداً بذلك لعملية سلام الشرق الأوسط ، و من ثم «سيطرة» واشنطن على «مساراتها» و«طبيعتها» و«نتائجها».وينقل الكتاب عن كيسنجر قوله: إن «السلام فى الشرق الأوسط كان «مشكلة» وليس «حلاً» ، والرغبة فى السلام تحتاج إلى إيجاد «نظام مستقر» فى هذا الجزء الشديد التقلب من العالم».وبينما عانت أمريكا (وقتها) من تبعات تدخلها المكلف فى «فيتنام» من ناحية ، ومن ناحية أخرى تدهور مكانة الرئيس ريتشارد نيكسون بسبب فضيحة ووترجيت ، فقد استخدم كيسنجر دبلوماسيته الماهرة «لتهميش» الاتحاد السوفياتى فى خضم الحرب الباردة وبناء نظام شرق أوسطى جديد بقيادة الولايات المتحدة.وبدلاً من محاولة حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بضربة واحدة ، كما كان يأمل الرئيسان جيمى كارتر وبيل كلينتون بعده ، كتب إنديك:«أن وساطة كيسنجر لوقف إطلاق النار والوصول إلى اتفاقيات محدودة مؤقتة كانت أسلوباً حكيماً ، لأنها حافظت على استقرار هش من دون أن تهدف إلى الكثير».(أى أن كيسنجر كان يقوم «بإدارة الصراع» وليس «حله» ، وتلك هي استراتيجية كافة الادارات الأمريكية من يومها و حتى اليوم ، إن كنا من الممكن أن نبعد إدارة الرئيس بيل كلينتون عن ذلك الإسلوب).ثم يؤكد إنديك أن «واقعية كيسنجر» هى الحل لمعضلة السياسة الخارجية الليبرالية الطموحة التى انتهجها ، ويقول:إن «التدرج الواقعى لكيسنجر وفر طريقاً وسطاً بين الطموح فى السلام الشامل من جانب ، واليأس والجمود وبقاء الأوضاع كما هى عليه من جانب أخر». ويضيف أنديك: «أن كيسنجر آمن بأن الطريق نحو السلام لا بد أن يبقى تدريجياً وبطيئاً ، وقد يكون غير متكافئ فى كثير من الحالات».ويوضح الكتاب (وتلك نقطة هامة للغاية لأنها تتعلق «بإعادة صياغة البعد المعرفي من جديد عند المفاوض العربي» من قبل سيد اللعبة هنىري كيسنجر) : «أن كيسنجر آمن بأن السلام سيتحقق عندما يستنفد العالم العربى كل البدائل ، ويعتاد مع مرور الوقت وجود إسرائيل». (وهو ما نراه متحققاً اليوم بشكل لم يكن يصدقه عقل وقتها).ويضيف أنديك: «ومن خلال اختيار عملية تدريجية ، بدلاً من الاندفاع السريع نحو تسوية شاملة ، قدمت دبلوماسية كيسنجر اعتماداً على طريق طويل نحو السلام».(أى التركيز على نفس المعني وهو «إدارة الصراع» وليس «حل الصراع»)وفى غضون ذلك ، كان «الهدف» هو «الاستقرار» ، واقامة نظام مستقر فى هذا الجزء الشديد التقلب من العالم ، وتجنب أى شىء يمكن أن يعكر صفو عملية السلام مع تعليم الطرفين الصبر وبناء بعض الثقة المتبادلة.إن كل ما قاله إنديك (وهو المتاح بين أيدينا حتى الان لحين نزول الكتاب للأسواق) عن أفكار ورؤى «سيد اللعبة» “هنري كيسنجر” قد «لمحه» و«راءه» رؤى العين «سيد التحليل» الأستاذ “محمد حسنين هيكل” (رحمه الله) قبل 48 عاماً.وقد قاله للسادات ، و كتبه أثناءها في الأهرام مما سبب خلافه الشهير مع أنور السادات حتى أخرجه السادات من الأهرام في النهاية ، وهو يقول له:

‏« محمد… إنت عاوز تفرض عليا رأيك».

و تفاصيل و رؤى «سيد التحليل» محمد حسنين هيكل لمواقف وأهداف وخطط «سيد اللعبة» هنري كيسنجر سنسردها في الجزء الثاني بإذن الله تعالى.فانتظروني

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى