الاحدثدولي

ما بين سيد اللعبة وسيد التحليل (2) | كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الكاتب السياسي مجدى منصور يكتب درس جديد من علم إدارة الصراع

 

ما بين «سيد اللعبة» هنري كيسنجر
و«سيد التحليل» محمد حسنين هيكل؟!
أولاً – «سيد اللعبة» هنري كيسنجر (2)
خطر على بالي أن إيضاح رؤية «سيد اللعبة» ” هنري كيسنجر” كما أطلق عليه “مارتن إنديك” في كتابه عنه للاستراتيجية العامة للعالم.
 ومن ثم تفصيل رؤيته لعملية التفاوض التي أسسها و أرساها في منطقتنا العربية منذ عام (1974) وحتى اليوم أمراً يستحق منا «الوقوف» أمامه «بفهم» و«التعرض» له دون «خوف» من «إعادة» أو «ملل» التكرار.
 لأن جوهر استراتيجية هنري كيسنجر لا زالت باقية معنا حتى اليوم على المسرح «العبثي» في الرواية «الميلودرامية» الهزلية للمفاوضات العربية الإسرائيلية بالرعاية الأمريكية!!
أولاً – الرؤية العامة لأوضاع العالم من وجهة نظر كيسنجر:
رأى كيسنجر (وقتها) أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي على رأس العالم عامةً والمعسكر الغربي خاصةً – تواجه تحدياً من قوتين ثورتين:
قوة «الثورة الشيوعية» وعلى رأسها (موسكو).
وقوة «حركة الثورة الوطنية» في العالم الثالث ، وهي في غالب الأحيان تجد نفسها لعوامل كثيرة أقرب لموسكو.
إن كيسنجر «كأستاذ تاريخ» استشعر في ذلك الوقت أن الغرب الرأسمالي يواجه تراجعاً تاريخياً».
ولكنه «كأستاذ علوم سياسية» يدرك في الوقت نفسه أن الغرب لا يستطيع أن «يحل» مشكلة «تراجعه» التاريخي «بالحرب».
فالحرب ضد الاتحاد السوفيتي (وقتها كما في كل الأوقات بعدها حتى بعد تغير الاسم والنهج والأسلوب والأشخاص من الاتحاد السوفيتي لروسيا الموحدة)
عملية مستحيلة ، إلا في حالة خطر موجه إلى قلب الولايات المتحدة ذاته ، لأنها ستكون حرباً نووية مدمرة لكل العالم.
كما أن الحرب في العالم الثالث صعبة ، وإن لم تكن مستحيلة ، ففي الإمكان أن تجرى الحرب هناك محدودة ، إلا إذا أدت إلى تأثيرات غير محتملة على العلاقات بين الكتلتين الكبيرتين (كما حدث في حرب السويس 1956 ، وكما حدث في حرب أكتوبر 1973).
ثانياً – مفاتيح تفكير هنري كيسنجر
ومن هنا نصل إلى المفاتيح الرئيسية في فكر و أسلوب كيسنجر «كأستاذ لعلم إدارة الصراع السياسي»:
1- استبعاد الحرب كملجأ أخير وحين يكون التهديد موجهاً إلى قلب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
2- التخلي تماماً عن فكرة التفوق لأن التفوق في العصر النووي خرافة بعيدة المنال فضلاً عن أنها فكرة بالغة الخطورة.. فالسعي وراء التفوق لن يؤدي إلا لسباق تسلح مرهق للقوتين العظميين (أمريكا وروسيا).
تعليق:
كان كيسنجر «بتصوراته» تلك يخالف ويختلف مع المبادئ الأساسية للأمن القومي الأمريكي التي وضعها فريق إدارة “جون كنيدي” وعلى رأسهم (روبرت ماكنمارا) و(آرثر شليزنجر).
فقد كان الرؤساء الأمريكيون قد ترددوا تعثروا في اختيار الأسلوب الأمثل الذى تستطيع به الرأسمالية الأمريكية أن تنافس وتقهر الشيوعية السوفيتية.
• اتجه الرئيس (“هاري ترومان” 1945 – 1951) إلى «المواجهة العسكرية» فوقعت الحروب المحلية في البلقان ، وفى إيران وفى كوريا وكان التورط في كوريا هو الذى قاد فيما بعد إلى (فيتنام).
• واتجه (“أيزنهاور” 1952 – 1960) إلى أسلوب «الردع النووي الشامل» ، ولكن هذا الأسلوب فقد مصداقيته لأن أحداً لم يكن مستعداً للوصول إلى «حافة الهاوية» كما سمونها وقتها.
•ثم جاء (“كينيدي” 1961) واعتمدت إدارته أسلوباً آخر لا هو «الحرب» ولا هو «الردع» ولكن «سباق التسلح».
وكان (ماكنمارا) وزير الدفاع الأمريكي وقتها هو من شرح الفكرة قائلاً:
[«علينا أن نرغم الاتحاد السوفيتي على ترتيب أولوياته ، إن النظام الشيوعي يعد جماهيره بمجتمع من الرفاهية ينتفي فيه الفقر ، ومجتمع من المساواة ينتفي فيه التمايز الطبقي».
« ولتحقيق هذه الأهداف فإن الاتحاد السوفيتي مُطالب بأن يضع التنمية كأولوية أولى قبل الأمن ، وعلينا أن نُرغمه على أن يرفع أولوية الأمن ويضعها قبل التنمية».
ويضيف ماكنيمارا:

«وعلينا أن نشده إلى سباق سلاح يقطع أنفاسه ويرهق موارده ويتركه في النهاية ترسانة نووية بدون رغيف خبز أو قطعة لحم».

ويكمل قائلاً:

«وكذلك فأن غلبة الأمن على الأولويات السوفيتية سوف تنعكس من الخارج الى الداخل فيزيد تركيز السلطة في يد المسئولين عنه في أجهزة الحزب والدولة مما يباعد بينهم وبين عامة الناس ويعزلهم».

 وسار خُليفة كنيدي ، جونسون على نهجه.
و لكن كيسنجر وقتها مع الرئيس (نيكسون) كان يريد أن «يجدد» فى أسلوب المواجهة (ويضع بصمته الخاصة عليها) بدون تغيير الاستراتيجية.
 هو ما عارضه بعدها وإزاحة (زبيغنيو بريجنسكي) مع ادارة “كارتر” ومن بعده (ريتشارد آلن) في إدارة “ريجان”.
 (انتهى التعليق).
3- أنه لا بد إذن من السعي إلى تحديد الأسلحة النووية ، وهذا لا يحدث إلا في ظل ضمانات متبادلة ، لا يمكن الوصول إليها إلا في ظل جو من «الوفاق».
4- وهنا (النقطة الهامة الفارقة والجوهرية) في استراتيجية سيد اللعبة هنري كيسنجر.
هي أن تحديد الأسلحة النووية ووقف السباق إلى تطويرها وتخفيف حدة التوتر بعد ذلك في جو الوفاق ، سوف تؤدى جميعاً إلى [تحويل موارد ضخمة في الاتحاد السوفيتي من بند الإنتاج الحربي والدفاع الى بند الانتاج المدني والاستهلاك].
وهذا وهو (بيت القصيد في نظرية كيسنجر) 

ذلك لأن كل هذا سوف [ يفتح «شهية» شعوب الشرق لمطالب «استهلاكية» ناعمة «تتآكل» معها «نزعات الثورة» عندها و يتحول لهيبها إلى رماد ، كما أن تحول المجتمعات إلى الطرف الاستهلاكي يؤدى إلى تغيرات سياسية تمس نظام الحكم وتغيير طبائعها].

وهكذا فإن أسلوب كيسنجر في الوفاق لا يستهدف منع «الحرب» فحسب ولا منع «سباق التسلح» فحسب ، ولا منع «تكديس الأسلحة المتطورة» فحسب ، ولكن مطلبه النهائي هو:
[ تغيير المجتمع الشيوعي عن طريق الاغراء بالاستهلاك ، حتى يتفسخ ذلك المجتمع من داخله ويتحلل من تلقاء نفسه].
 ‏
وكيسنجر كان يعتقد أن ذلك ممكن خصوصاً إذا أتيحت للعملية كلها فسحة وقت كافية لتنفيذ مخططه.
أى أن سياسة كيسنجر مع الإتحاد السوفيتي كانت استخدام «الصبر الإستراتيجي» حتى يتمكن من تغيير المكون «السلوكي» و «المعرفي» للسوفييت من دولة «ثورة» لدولة «ثروة» ، ومن كيان «انتاجي» لمجتمع «استهلاكي» وبذلك يكون «فكك» أسس «تماسك» مجتمع البروليتاريا من الصميم! 
كانت تلك رؤية سيد اللعبة هنري كيسنجر للتعامل مع الخطر الدولي الشيوعي ..
الحلقة القادمة –  نستعرض رؤية كيسنجر في التعامل مع خطر الثورة الوطنية على امتداد العالم الثالث طوله وعرضه.
انتظروني.

 

لمن فاتته متابعة الجزء الأول :

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى