ازمة لبنانالاحدثالصورة الكبيرة

سنة على اغتيال المدينة (٦): مجدي منصور يكتب لبنان من موطن لوطن

الكاتب السياسي مجدى منصور- يجيب على السؤال الأهم: متى تعلن الحقائق الخفية فى انفجار مرفأ بيروت؟

لعل الكتابة عن الأحوال في لبنان اليوم تُشبه السير على حد السكين المسنون ، أو الرقص على الزجاج المدبب المكسور ، فالاستقطاب الحاد في لبنان اليوم أصبح هو السمة الأساسية التي تطبع المجتمع بصورتها فالتعبئة الزائدة من قبل أمراء الطوائف ومشاريعهم في لبنان قد حولت أسلوب ولغة الخطاب بين أبناء الوطن الواحد إلى علاقات سجال بين الأطراف تؤدى إلى زيادة التطرف في المواقف وذلك بحكم احتكاك الآراء وتصادم الاجتهادات دون الوصول إلى اتفاق أو شبه اتفاق، وذلك أمر يجمع بين الخطأ و الخطر.

وفى جو مملوء بالمخاوف والشكوك والآمال والتطلعات يعيش لُبنان فترة أزمة حقيقية تطال عقله وقلبه وأعصابه و مشاعره وتفكيره.

لقد مشي لبنان وشعبه في طريق طويل و صعب و شاق ومرهق وعنيف.

فمن الحرب الأهلية التي ارتكب فيها الجميع ضد الجميع كل ما هو ممنوع و محرم في كل الأديان وكافة الشرائع ، وسالت الدماء فيها أنهاراً ، وأزهقت فيها الأرواح بدون حساب ، وخرجت في تلك الحرب كل الرغبات الحيوانية المكبوتة ، وتساوى فيها الانسان في المدينة مع الحيوان في الغابة.

مروراً بالغزو الإسرائيلي الذى أتى به بعض أبناء لبنان (الموطن وليس الوطن) ليخلصهم من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية المُحتلة للإرادة اللبنانية! (على حد وصفهم وقتها).

وحتى اليوم بكل ما يحمله اليوم من صعوبات ومشاق ومآسي كان أخرها انفجار المرفأ في بيروت.

وكان ذلك الانفجار مشهداً مرعباً ومريعاً وحزيناً ، لم يهز بيروت ولا لبنان وحده ، بل هز الضمير الانساني كله.

وانتظر بعدها الجميع أن يجدوا إجابات على أسئلتهم ومنها :

لماذا حدث؟ و كيف حدث؟ وكيف سيتم عقاب المتسببون عما حدث؟

وبعد مرور عام على الانفجار الرهيب لم يجد اللبنانيون أجوبة على أسئلتهم الحائرة.

وكانت كل تلك الأحداث وضغوطها (السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، بل والثقافية) عبئاً مضاعفاً على قلب وعقل وروح ووجدان الشعب اللبناني المثقل أصلاً بالأعباء ، والمحمل بحمولات من المشاق التي تهتز تحتها الجبال ، فما بالك بالبشر، وذلك أمر يدعوا إلى الحزن ويبعث على الإحباط ويثير الشجن إلى حد الألم.

و اليوم نحن نرى نظاماً طائفياً يسد كل الطرق ويغلق كافة الأبواب، ويمنع ويُقصى كل الآراء التي تتحدث عن الإصلاح و العدالة الاجتماعية  بل ليس ذلك فحسب بل ويعمل بجد وهمة ودأب ليعيد الحاضر إلى الماضي ، استبقاءً لنفوذ طبقة معينة على المجتمع وحفاظاً على ممتلكات ومكتسبات تلك الطبقة.

هذه هي الصورة بكل ما فيها من سخرية الواقع الحزين وعبث الأقدار الأليم!

ولكن تلك الصورة ليست وليدة اليوم كما يتصور بعض الحالمين بالأمس الذى كان ، أو الواهمين بالغد الذى سيكون ، أو السابحين في مشقة اليوم العصيب!

ومن أجل فهم الصورة الكبيرة في لبنان اليوم يجب تقسيمها لعدة صور صغيرة ، والقاء الضوء على كل صورة منها على حدى.

الصورة الأولي في الألبوم اللبناني

من الخمسينات وحتى أواخر السبعينات:

كان هناك فريق في لبنان يرى ويأمل ويتمنى ويعمل على أن تكون لبنان قاعدة للأسطول السادس الأمريكي ومنطقة نفوذ روحي ومادى لفرنسا.

وكان ذلك الفريق يأمل ويعمل لأن يكون لبنان مركز التهريب والتجسس على العالم العربي.

وكان نفس الفريق يريد أن يصبح لبنان ملهي ليلياً لكل المنطقة المحيطة به.

 وكان نفس الفريق يريد أن يصبح لبنان هو عش الغرام لشيوخ البترول وأثريائه.

وكانت تلك رؤية الغرب الاستعماري وعلى رأسه أمريكا وفرنسا وحلفائه في الداخل (المارونية السياسية) والخليج العربي لدور لبنان في المنطقة.

وعلى الرغم من وجود معارضة قوية لهذا التوجه ببروز التيار القومي العربي وبزوغ نجم الزعيم “جمال عبد الناصر” ، إلا أن المعارضة لذلك المشروع ولتلك الرؤية ضعفت وخفتت بعد حرب يوينو67.

وظلت تلك الرؤية سارية والعمل عليها جارى حتى الحرب الأهلية اللبنانية عندما خطر ببال بعض القيادات المسيحية المارونية حزب الكتائب الذي يرأسه الشيخ «بيار الجميل»، وحزب الأحرار الذي أسسه «كميل شمعون» أن الوقت قد حان لتطبيق مقولة: «الاستعانة بالشيطان نفسه لتخليص لبنان» ، وكانت الإشارة واضحة إلى (إسرائيل).

ومن بعد غزو إسرائيل للبنان بناء على طلب زعماء الموارنة تغيرت الصورة كلياً وانقلب السحر على الساحر.

 

الصورة الثانية في الألبوم اللبناني

بعد خروج مصر من معادلة القوة العربية بتوقيعها معاهدة كامب ديفيد قررت إسرائيل أن تمارس دور الدولة الإمبراطورية فقامت بغزو لبنان في 3 يونيو 1981.

وكانت مطالب إسرائيل في تلك العملية العسكرية كبيرة وظاهرة لا تحتمل التأويل:

1-  فهي في لبنان تستطيع أن تثبت أنها قوة عظمى إقليمية regional) (superpower.

2-  وهى تستطيع أن تؤكد ذلك بتحطيم القوة العسكرية لمنظمة التحرير وتفقدها بذلك استقلالها السياسي.

3-  وهى تقدر على إعادة ترتيب أوضاع لبنان وتحوله إلى تابع عربي لإسرائيل.

4-  وهى بذلك تستطيع أن تمارس ضغطاً أكبر على سوريا سواء عن طريق إثبات عجزها عن حماية لبنان ، أو عن طريق إرغام (دمشق) على أن تسير على طريق التسوية.

5-  إن بلوغ ذلك كله يقدر في نفس الوقت أن يساعد على تثبيت معاهدة السلام مع مصر التي ظهر عليها بعض التردد بعد اغتيال الرئيس المؤمن (السادات)!.

والغريب أن دخول إسرائيل إلى لبنان كان السبب الأساسي والرئيسي في خلق الكيان الذى يؤرق منام إسرائيل اليوم ويجعلها تصحوا على كوابيس مزعجة يومياً (حزب الله).

وذلك للأسباب التالية:

·      لأن خروج الفلسطينيين من لبنان أعاد أهله طرفاً في تقرير مصائرهم.

 

·      إن قوى القاع اللبناني كانت كتلاً إنسانية ضخمة لها جذورها التاريخية والثقافية في تاريخ لبنان وكانت لها قيادتها التي تستطيع أن تثبت في لحظة من اللحظات أنها في معاقلها أكبر من قمة الدولة ذاتها وأقوى (الدروز) مثالًا واليوم ( الشيعة – حزب الله وقيادته مثالاً أخر).

 

·      إن الحرب الأهلية انتهت وقد تغيرت موازين القوة على الأرض لصالح (القوى الشيعية) الذين كانوا دوماً عنصر من عناصر التركيبة اللبنانية ولكنهم باتساع الحجم وباتساع الدور مع المقدرة على التضحية إلى درجة الاستشهاد أكدوا أنهم ليسوا عنصرا في التركيبة فقط وانما هم ركن من أهم أركانها وببروز الثورة الايرانية تعزز دورهم أكثر و أكثر.

·      إن قوى الطائفة المارونية الحاكمة قبل ذلك ضعفت. فبحكم أنها كانت الطائفة الأغنى مالياً في لبنان قبل الحرب الأهلية فإن ألمع العناصر بين الموارنة آثروا مبكراً أن يبتعدوا عن حريق حرب أهلية لا تصلح لها مستويات المعيشة والترف المعيشي و الفكري التي تعودوا عليها.

وهكذا فإن الصفوة المارونية ابتعدت وغابت ، في حين ظهرت وبرزت عناصر جديدة مختلفة لم تكن على نفس كفاءة العناصر القديمة الراحلة.  

·      ومع كل تضحيات حزب الله من التحرير حتى القتال الشرس في حرب عام 2006 أصبحت قوى الشيعة عنصراً وازناً من المستحيل تجاهله ليس فقط في لبنان وإنما امتد دوره على المستوى الإقليمي (من لبنان للعراق لليمن).
إن قوة الثورة الإسلامية في إيران كانت إضافة للطائفة الشيعية عكس نفسه على الواقع السياسي اللبناني والإقليمي كذلك. وكان الرئيس اللبناني الأسبق “الياس سركيس” لا يمل من القول: «أن موجة الخمينية في إيران جعلت المسلمين أشد أصولية والمسيحيين اكثر صليبية ، والشرق الأوسط لم يعد حرباً بين الرجال ولكنه تحول لصراعاً بين الآلهة».
 

الصورة الثالثة في الألبوم اللبناني 

ومع كل هذا وذاك يستجد عدد من الرتوش على الصورة اللبنانية:

الأولى – أن حجم النفوذ والاختراق الأجنبي للبنان صار طاغي وغالب ، وأكثر من ذلك فإن الاعتماد على ذلك الأجنبي لم يعُد يُدارى نفسه بدواعي الكبرياء والكرامة كما كان يحدث في مراحل سابقة ، وإنما هو الأن ظاهر بالابتذال والمهانة يعلن عن نفسه مُختالاً فخوراً!(فهذا تبع الإيراني ، وذلك تابع للفرنساوى ، وذاك تابع للأمريكاني ، وأخر تابع للسعودي لدرجة حولت المشهد اللبناني لمشهد سوريالي مختلط الألوان والمعاني متشابك التفاصيل عصى على الفهم في أحيان كثيرة)!

الثانية – إن ذلك البلد لأسباب تاريخية وسياسية ودولية لم يمارس استقلاله السياسي إلا نادراً ، ولعل أكبر دليل على ذلك أن رؤساء جمهورياته لا يجلسون على كراسيهم إلا بتوافق دولي إقليمي.(من الشيخ بشارة الخورى وحتى الجنرال ميشيل عون).

 

 

الثالثة – إن طبيعة السلطة في لبنان لم تعد فقط  ذات طبيعة «فردية» ، وإنما أصبحت ذات طبيعة «شخصية» كذلك (ومن يريد تأكيداً على ذلك فلينظر على مساعي تشكيل الحكومة الأخيرة في لبنان ، وكم الكراهية والمكايدة الذى ظهر بين أشخاص الفرقاء السياسيين).

الرابعة – أن طبيعة البلد وطبيعة موقعه وطبيعة تقسيماته على المستوى الطائفي حولته «أسيراً» لدى أمراء الطوائف فيه ، ومن ثم نشأت طبقة (أوليجاركية) حاكمة للبلد ، وتشعب من خلالها الفساد وترعرع لدرجة محزنة مبكية لم تُدمى فقط قلوب اللبنانيون وإنما جيوبهم أيضاً.

وجاء ذلك وسط حالة اقتصادية صعبة مع جائحة صحية عالمية (كورونا) مع تراجع في خدمات أساسية (كالكهرباء) في جو شديد الحرارة مما رفع الضغط على المواطن اللبناني المسحوق أساساً بين شقى الرُحى.

الخامسة – أن من أثر الحكم الأوليجاركى أن تراجعت قيمة وفكرة (الدولة) وتقدمت معنى و قدرة (الطائفة) ، ومن ثم قل معنى الوطن في نفسية وعقلية المواطن ، لأن الولاء لم يعُد «للدولة» ولكن «للطائفة».

لأن الطائفة أصبحت هي الحامي وهى المُساعد الاجتماعي والاقتصادي وهى الموفر للخدمات وليست الدولة.

ورغم وجود أرض مشتركة يعيش عليها الجميع ، ونشيد واحد يحفظه الجميع ويقولون فيه (كلنـا للوطـن للعـلى للعـلم) ليردده الجميع أمام علم واحد ، ولا ينسى الجميع في ختام النشيد الوطني أن يهتف (عاش لبنان العظيم) ، ولكنه لبنان (الطائفة) وليس لبنان (الوطن) وهناك فرق كبير بين المعنيين.

السادسة – ولكن في الاحتجاجات اللبنانية الأخيرة تغيرت الأمور لأن المواطن (الطائفي) جوهر و مبنى و معنى سأم الجميع ، الطائفة والدولة ، السياسي والبيروقراطي والحزبي ، سأم حتى من نفسه و من ثم خرج بشعار فاجأ الجميع وأقلق أمراء الطوائف على ثرواتهم و امتيازاتهم والشعار كان (كُلن يعنى كُلن).

أي بدون استثناء أو قداسة لأحد لا لعمة أو لطربوش ، لا لشيخ أو قسيس، لا لزعامة مدنية أو دينية ، والغريب أن أمراء الطوائف لم يتوحدوا في ظرف كما توحدوا يومها أمام مطالب الجماهير العريضة وذلك طبيعي لأن «المصائب تجمعن المُصابينا»!

السابعة – إن ما يدعوا للاستغراب والاندهاش حقاً أنه رغم كل تلك الفرق السياسية والطائفية المتصارعة في البلد المتلوم إلا أنه لا يوجد فريق من تلك الفرق قادر على تقديم «رؤية» مدروسة وعاقلة وممكنة للخروج من المأزق الذى يعيشه لبنان منذ فترة طويلة.

فهناك قحط فكرى على مستوى الرؤى.

وعجز عملي على مستوى السياسة.

وبين الاثنين (القحط والعجز)

حالة «احتقان وطني» يجب أن يخشاها الجميع في ذلك الظرف الدولي المفتوح على كل الاحتمالات والسيناريوهات.

خصوصاً وأن حالة الاحتقان تلك قد تُعرض (السلم الأهلي) لذلك الوطن لمنزلق (الحرب الأهلية) وقد جربه لبنان من قبل وعانى وقاسى منه واكتوى بناره وشاهد ويلاته.

في حين أن لبنان كان يجمع في الماضي بين فوران الفكر و قوة الفعل وحضور الإرادة.

فإنني اليوم أشعر به «مقيد» الفكر و«أسير» الفعل و«مسلوب» الإرادة.

الثامنة – أن لبنان حدث لديه نوع من أنواع ضياع الهوية بل والهجرة منها لقطاع عريض فيها ، وكأنما هوية أي فرد أو شعب أو أمة ، أرضاً واسعة للسياحة يمكن استعارتها وتبديلها بين ليلة وضحاها ، وكأن الجذور الثقافية والحضارية للمجتمعات حزمة نباتات زينة يُعاد وضعها وترتيبها في أي مكان يناسبها حجماً ونوعاً ولوناً!

التاسعة – والأسوأ أن البعض في لبنان لا ينزع الهوية العربية عن حاضره ومستقبله فحسب ، وإنما يعود بأثر رجعى إلى خلع هويته عن ماضيه وكأن التاريخ يمكن تبديله وتعديله باللعب فيه عن طريق برامج الفوتوشوب!

العاشرة – (وتلك الملاحظة تنطبق على العالم العربي كله وليس لبنان فحسب) أن هناك فراغ في المؤسسات التي تقوم بدور الحافظ والموجه والمحرك للوعى العام والمسئولية العامة والدور الاجتماعي للشعوب ، وبالتالي فإن الإرادة الجماعية للشعب اللبناني لا تجد ما يستوعب تدفقها ، ومن ثم تتحرك تياراتها الجارية إلى مستنقعات راكدة عفنة عطنه ، ويتسرب كثير من طاقتها بالبخر أو بالتسرب.

 

وبعد – ماذا يُخبأ المستقبل للبنان؟

 
تظل هناك احتمالات كبرى للبنان معلقة بالمستقبل ، كما أن المستقبل اللبناني بدوره معلق بها:
ولعلنا يمكن أن نستشف المستقبل اللبناني إذا استطعنا أن نجيب على أسئلة المستقبل ، مثل:

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة التعليم التي شهدها لبنان في العقود الأخيرة؟

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة النمو الطبقي والاجتماعي والتي تبدت معها امكانية ظهور طبقة متوسطة لبنانية يتسع نطاقها رغم الضغوط الشديدة الواقعة عليها؟

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة كتل الشباب في لبنان ، وهو شعب عموده الفقري ما بين الثلاثين والأربعين؟

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة مشاركة المرأة في الداخل اللبناني وهى كبيرة؟

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة الثروة في لبنان (عربية أو غير عربية)؟

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة الأفكار والتجارب التي نثرت بذورها في أرجاء لبنان في الفترة الأخيرة؟ 

وإذا كانت القوى التي نثرت هذه الأفكار قد شاخت بالزمن ، فإن الأفكار لها القدرة على إعادة بعث نفسها من جديد مرة أخرى.

ما هي التأثيرات المحتملة لحركة الصراعات الدولية ، سياسية أو اقتصادية ، والتي يمكن أن تأتى بتوازنات جديدة في العالم والاقليم ومن ثم ينعكس على التوازنات الداخلية اللبنانية؟

إن هذه الاحتمالات كلها تبدو وكأنها رهان على «المجهول» ، وإلى حد ما فإن ذلك صحيح!

ومع ذلك فإن الرهان على «المجهول» ليس «وهماً» أو رهاناً على «المعجزة» كما يتصور البعض ، لأن «المجهول»  موجود حقيقي، حتى وإن تعذر تحويل وجوده إلى حقائق وأرقام.

وذلك لأن ما هو عملي قابل للحساب بسهولة.

وأما ما هو إنساني وتاريخي وحضاري ، فإن تقديره صعب بقواعد الحساب لأن مجاله هو عالم التفاعلات والتداعيات.

وظني أن لبنان كما العالم العربي بأسره وسط حالة من هذا النوع.

ولعل لبنان في حاجة إلى صيحة تنبيه عاقلة ، أو إلهام فكرة مبدعة تقود بطريقة تختلف عما يجرى اليوم فيه وفى غيره من البلدان العربية.

تلك البلدان التي يتصرف قادتها وفق النموذج السوفيتي القديم ، فهم يحاولون المحافظة على الوضع القائم:

كما فعل الواقعي “برجينيف” «بالتحنيط».

أو كما فعل المتسرع “جورباتشوف” بإضاعة الأمر كله «بالتفريط».

أو كما فعل السكير “يلتسن” حيث شدته المغامرة مع المجهول دون «تخطيط».

ولا زال هناك سؤال هام يطرح نفسه في قلب وعقل ووجدان اللبنانيين:

متى يتم الكشف عن خفايا انفجار المرفأ في بيروت؟

وأتجاسر وأجيب:

يتم الكشف عن خفايا تفجير المرفأ – عندما يستطيع اللبنانيون أن يحولوا لبنان من «موطن» يعيشون عليه إلى «وطن» يتشاركون فيه المشاعر و الأحلام والأهداف والتطلعات والحقوق والواجبات.

حينها فقط – سيتم الكشف عن كل الخفايا الغاطسة  و الأسرار المخفية في سراديب الصمت المعتمة.

أما قبل ذلك : «أشك»!

المراجع:

المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل – محمد حسنين هيكل(3).

حرب الخليج – محمد حسنين هيكل.


لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى