ازمة لبنانالاحدث

ملف سنة على اغتيال المدينة (١٦): لا عاصمة إلا أنتِ | بقلم أميرة سكّر

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

بيروت بضفائرها العسلية وخدودها الوردية ورقتها الأبدية.. جلست قرب مياه البحر..  والقت براسها على كتف الجبل
بيروت بحلم العاشق المتيم الناسك المتعبد تسترجع ذاكرتها  وهي تيقن أنه قد كتب عليها ان تسدد كل فواتير الخيانة والتواطؤ والاهمال..
كالعادة من كل يوم، طربت بيروت لصوت ارتطام امواج البحر فوق شواطئها..  راقبت زيارات السفن اليومية لرصيف مينائها.. بضائع تفرغ وأخرى تُحمّل وغيرها ينتظر….
لكنها كانت تتوجس من العنبر رقم ١٢، كانت تعلم ان هذا العنبر  يحمل سرا.. دفينا.. فجلالة الرقم ايقوني بكينونته…  الاشهر اثنا عشر، تلاميذ المسيح ١٢، الائمة ١٢، …
في الرابع من  آب ٢٠٢٠  كانت بيروت تستشعر ما يدور في فلكها.. فقد تراشقت وتناثرت الاخباريات والشائعات وكثرت البرقيات والتحذيرات…… كانت تنتظر حدثا عالميا…. تنتظر قرارا دوليا..
كانت بيروت قد تلقت رسائل عديدة من فعاليات عليا دولية وكانت تعلم أنها ضحية للغدر لا محالة… بيروت التي كانت منهكة.. لم تعد تحتمل ظلم كل من حولها وتواطئهم عليها..  بيروت كانت متأهبة مترقبة….
في الرابع من آب سمعت بيروت اصوات الطائرات الثلاثة التي استهدفت مينائها.. سمعت صوت الهدير….
عاصمة .. شاهدت الصاروخ  والصاعق وهما يتجهان صوب العنبر رقم ١٢ في مينائها …  مدت ذراعيها إلى السماء لتلتقط طائرات العدو  المحلقة في سماءها .. لكن ومضة القدر حكمت….
طلقة غدر في زمن الخيانة.. في سرعة الصوت.. وعزم قاتل.
هزة طالت الجو قبل أن  تطال الارض.. ذبذاتها ارتدت ذهابا وايابا.. ثم ذهابا وايابا.. وخفق قلب بيروت دما وثورة ووطنية..
تروما عاطفية نفسية ألمت بها.. فاجتاحتها برا وبحرا وجوا..
َاستفاقت من غيبوبتها
نظرت إلى ميناءها المتفجر دخانا  مشتعلا في السماء..
نظرت الى اهراءات القمح العتيدة التي صدت وصمدت..
نظرت إلى أشلاء ابنائها..
بيروت الأم الثكلى.. توعكت ومرارة في قلبها ثم ابتسمت  دموعها لتغسل دموع الامهات والقلوب المفجوعة.. والسواد الشجين.
لم ترتدِ بيروت ثوبا اسودا .. فبيروت دائما اتشحت بالنور والحياة…..
بيروت العنيدة الرشيدة الشامخة المذهلة والرائعة المخلصة رغما عن كل أنف.. بيروت الرافضة لكل ظلم تعاني اليوم من التهاب في الأوتار الصوتية ولا تقوى على الكلام، ..
  وتعلم ان السر يكمن في البحث والتحري والتحقيق في مكان آخر… وتعلم ان كل ما يجري في التحقيقات هو لطمس ما قد جرى..
بيروت ارسلت ذراعيها شمالا وجنوبا وتماسكت بقدرة خالقها وموجدها وبشموخ أهلها وابنائها وعزتهم..
بيروت اليوم تومئ براسها ولا تنكسه لئلا يقع طربوشها.. بيروت تحدثنا بلغة الاشارات ويقين العيون.. لتشهدنا على انفسنا.
في الزمن المتحور.. تحورت كل القواعد وتقاعدت كل الكلمات آبية الا ان تنكفئ..
كل المحاور تحورت ولن نرضى  إلا محورك ليكون محورا لنا يا بيروت.
سنة كاملة مضت يا بيروت.
مضت ومضينا جميعنا على ميثاق شرف موحد.. لنشهد معا
ولا رفيقة لعمرنا الضائع إلا أنت.
نشهد بأنك سيدة العواصم في قلوبنا وأنك بيروتتنا ومدينتنا وضيعتنا عاصمتنا وكل تناقضاتنا أنت يا بيروت..
نحن في اشتياق لموجك ومينائك.. نحن في عناق يومي مع كل مفاصلك نتأهب اشاراتك.. ننتظر صفارات حراس بلديتك. َ
بيروت رفيقة العمر وحلمنا الأبدي.

لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

 

السيدة اميرة سكّر، اكاديمية وتربوية وناشطة اجتماعية

السيدة أميرة سكر، تربوية واكاديمية. حاصلة على دبلوم في التعليم من الجامعة الأميركية في بيروت.أمينة سر نقابة أصحاب الحضانات المتخصصة في لبنان. مديرة مدرسة وحضانة . ناشطة في المجال التربوي والاجتماعي وحماية مصالح الطفل الفضلى.رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان. امينة الصندوق في الإتحاد اللبناني لرعاية الطفل. عضو مجلس اداري في جمعية الشراكة الشرق اوسطية. عضو مؤسس في الإتحاد الاهلي البيروتي. عضو مؤسس في الحوار للمواطنة. عضو مؤسس في ودائعنا حقنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى