سنة على اغتيال المدينة (٢٩) : الدوران في حلقة مفرغة | بقلم إيناس الشوادفي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
عامٌ مَر على الفاجعة الكبرى التي حلت بأرض لبنان المباركة، ولازال الجميع يطالبون بكشف الحقيقة دون جدوى. اعتبره البعض الحدث الذي بدل مصائر الشعب اللبناني، ولكن حقيقة الأمر أن انفجار المرفأ في الرابع من آب/ أغسطس 2020 لم يكن سوى حلقة جديدة في مسلسل الفساد السياسي الذي ظل ينهش في مفاصل الدولة منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990. هذا البلد الذي لم ينعم يوما بالاستقرار فما بين انتداب فرنسي، لوصاية سورية، لحرب أهلية واستيطان يهودي ونفوذ شيعي وفساد سياسي، تم تطويق لبنان فلم يتسنَ للشعب اللبناني أن يستشعر خيرات وطنه المسلوبة أبدا.
وجاءت الطامة الكبرى استكمالا للمسيرة المأساوية فوق الأراضي اللبنانية، مئات القتلى والجرحى والمشردين منذ انفجار أطنان هائلة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ورغم انقضاء عام بأكمله إلا أن الجرح لازال غائرا ينزف بقوة في بلد يقبع تحت ظلمة الانهيار الاقتصادي ويعاني شعبه من نقص موارد الطاقة والدواء وغيرها من ضروريات المعيشة. حتى الأطفال لازالوا عاجزين عن تجاوز الأزمة العصيبة، فمشاهد النوافذ المحطمة والركام وألسنة اللهب لازالت تطوق مخيلتهم حتى يومنا هذا.. فماذا يتوقعون من مستقبلهم في حاضر صنوه الانهيار المالي والاقتصادي والخدماتي والتعليمي!
صحيح أن المجتمع الدولي قد بات مشغولا بالأزمة الوبائية العالمية التي هزت جميع أرجاء المعمورة، ولكن ذلك لا يشفع له التخلي عن أرض الأرز من خلال التعتيم المتعمد على خلفيات الحادث المأساوي. ويمكننا القول هنا إن الوضع في لبنان لا يقف عند ذكرى الرابع من آب/ أغسطس المؤلمة فذاك البلد الغارق في الفساد لديه العديد والعديد من الملفات الشائكة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، والتي لازالت بحاجة إلى الطرح والمناقشة حيث تدور في مجملها حول جرائم من يعرفون بأمراء الحرب الأهلية والذين حصلوا على جوائز ترضية في أعقاب اتفاقات الطائف 1991 التي أنهت الصراع الطائفي بدلا من تقديمهم لمحاكمة علنية جراء تعمد إبقاء نيران الحرب مستعرة. فالمساعدات الدولية كانت ولازالت تقدم للسياسيين والنخبة في لبنان فترتفع أرصدتهم البنكية داخل البلاد وخارجها ويزداد الشعب تعسرا حتى بلغ الأمر حد الانهيار الاقتصادي في بلد عُرف عنه قوة وصلابة نظامه المصرفي.
فالأموال التي كان من المفترض بها أن تذهب لإعمار لبنان وإعادة بناء مؤسساته بعد دمار الحرب الأهلية قد تم تقسيمها بين كبار رجالات الدولة وكان ذلك بمثابة انطلاقة لتفشي الرشوة والمحسوبية والتوظيف غير القانوني وغيرها من أوجه الفساد التي تسببت في اختلال النظام الاقتصادي والاجتماعي اللبناني. ورغم تفاقم الأوضاع المأساوية في لبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، إلا أنه لم يخضع أحد للمساءلة حتى الآن، لازالت العتمة والضبابية تخيم على المشهد بأكمله، فكيف لجريمة مثل هذه أن تمر مرور الكرام! تخزين أطنان من مواد كيماوية شديدة الخطورة في المرفأ منذ عام 2013 بشكلٍ مخالف لقواعد السلامة في أحد عنابر المرفأ أليس أمرا يستحق جلب المفسدين ومحاكمتهم! أليس من حق مئات الضحايا والجرحى والمشردين أن يتعرفوا إلى هوية القاتل! لازال الشعب اللبناني يطالب بحقه في كشف المستور ومحاسبة المخطئين، ولكن لا أحد يحرك ساكنا..
فما بين الانشغال بتشكيل الحكومة، ومحاولة رأب الصدع الناجم عن الانهيار الاقتصادي، والشلل الذي أصاب الأنشطة المصرفية في بلد قائم في الأساس على المحاصصة الطائفية، يظل ملف انفجار المرفأ عالقا ليصبح مصيره مثل غيره من ملفات الاغتيالات والتفجيرات التي وقعت على مدار العشرين سنة الماضية دون أن يكشف النقاب عن الفاعلين الأصليين. فلا يكفي إعلان الحداد من قبل الحكومة في الذكرى الأولى لانفجار المرفأ، كما أن تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون حين توعّد بملاحقة الجناة وإخضاعهم للمحاكمة يراها البعض مجرد نوع جديد من المُسكنات ووسائل تهدئة الرأي العام ليس أكثر.
هذا ما دفع الشعب اللبناني نحو إطلاق دعوات للتظاهر السلمي والمطالبة برفع الحصانة عن بعض المسؤولين والذين تدور حولهم الشبهات كي يتم استجوابهم أمام العدالة. كما انتشرت الوسوم المطالبة بحق ضحايا الانفجار عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل “#بدنا_نحاسب”، و”كلنا ضحايا، كلهم مسؤولون”، و”ارفعوا_الحصانات_الآن”، و”لن_ننسى”. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن إلى متى سيظل لبنان في معاناة من تردي الأحوال المعيشية فما بين تراجع العملة المحلية، واستمرار الغلاء، ونقص الغذاء والدواء، يدور المواطنون في حلقة مفرغة . فهل ستبقى الآمال معلّقة على مساعدات دولية آتية.. أم سيظل لبنان الحبيب في صعود نحو الهاوية!
لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:
- سنة على اغتيال المدينة (١) د. عدنان منصور يكتب: من ٤ آب إلى ٤ آب، تخاذل سلطة وعجز قضاء…
- سنة على اغتيال المدينة (٢): تنهض بيروت فينهض لبنان… وإلّا | بقلم توفيق شومان
- سنة على اغتيال المدينة (٣): في ذكرى الجريمة | بقلم د. حسن احمد خليل
- سنة على اغتيال المدينة (٤): بيروتشيما… انفجار مرفأ بيروت…| بقلم د.أحمد عياش
- سنة على اغتيال المدينة (5): لا حقيقة غير حقيقة الموت في حقول القتل | بقلم د. بيار الخوري
- سنة على اغتيال المدينة (٦): مجدي منصور يكتب لبنان من موطن لوطن
- سنة على اغتيال المدينة(٧): زمن التخبط والضياع، قراءة قانونية للعميد عادل مشموشي
- سنة على اغتيال المدينة (٨) : عام على “بيروت-مونيوم” … نكبة لبنان الحديث !! | كتب د. محي الدين الشحيمي
- سنة على اغتيال المدينة(٩): د. علوان أمين الدين يكتب عن إعادة إعمار المرفأ بين النفوذ والإقتصاد والسياسة
- سنة على اغتيال المدينة (١٠): إضافة الإهانة إلى الأذية | بقلم د. بولا الخوري
- سنة على اغتيال المدينة(١١) : انفجار المرفأ، الفساد يعادل الاحتلال | بقلم قاسم قصير
- سنة على اغتيال المدينة(١٢) : القضاء اللبناني هو صاحب الصلاحية للوصول الى مرتكبي جريمة المرفأ | بقلم المحامي عمر زين
- سنة على اغتيال المدينة (١٣) :التَّداعيات الاقتصادَّية والجيوسياسيَّة لتفجير وجه لبنان | كتب البروفسور مارون خاطر
- سنة على اغتيال المدينة(١٤): 4 آب الحقيقة لم تعد خافية على أحد! كتبت الأميرة حياة ارسلان
- سنة على اغتيال المدينة (١٥) : تفجير المرفأ وتدمير لبنان؟ | كتب أكرم بزي
- سنة على اغتيال المدينة (١٦): لا عاصمة إلا أنتِ | بقلم أميرة سكّر
- سنة على اغتيال المدينة (١٧): مدينة خانتها شجاعة الرحيل | بقلم دلال قنديل
- سنة على اغتيال المدينة (١٨): لا أحد أكبر من بيروت الوطنيّة | بقلم د. رنا منصور
- سنة على اغتيال المدينة (١٩): كي لا ينسوا هم | بقلم حسّان خضر
- سنة على اغتيال المدينة (٢٠): يا ويلكم من تلك الساعة | بقلم د. سلام عبد الصمد
- سنة على اغتيال المدينة (٢١): لبيروت ايضاً بيرمودا | بقلم فؤاد سمعان فريجي
- سنة على اغتيال المدينة (٢٢): بيروت من ضوضاء المدينة إلى أشباحها | بقلم علي الهماشي
- سنة على اغتيال المدينة (٢٣): اليوم المشؤوم في التاريخ | بقلم فريهان طايع
- سنة على اغتيال المدينة (٢٤): لبنان مُصادر في قبضة من اللامسؤولين |بقلم القاضي حسن الحاج شحادة
- سنة على اغتيال المدينة (٢٥): إن غابت عدالة الأرض فعدالة السماء لا تغيب | بقلم المهندس طوني أبي عقل
- سنة على اغتيال المدينة (٢٦): إعادة الاستيلاد على جثث الشهداء | بقلم د. مازن مجوّز
- سنة على اغتيال المدينة (٢٧) : ذكرى و رجاء | بقلم الأب طوني بو عساف
- سنة على اغتيال المدينة (٢٨): كي لا تضيع دماء الشهداء هباءً منثورًا | بقلم د. محمد زكور