ازمة لبنانالاحدث

سنة على اغتيال المدينة (٢٨): كي لا تضيع دماء الشهداء هباءً منثورًا | بقلم د. محمد زكور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

عامٌ مرٌ قد مر على حادثة انفجار المرفأ التي فتكت بالبلاد و بالعباد، والمواطنون يترقبون و يراقبون أعمال المحقق العدلي عن كثب متسائلين حول ما اذا كانت أشلاء أجساد شهدائهم التي تطايرت بالانفجار المشؤوم قد تذهب سدى كما ذهبت سابقاتها من مئات الشهداء الذين قضوا على مذبح وطن غال جدًا لكنه قاس جدًا جدًا اسمه لبنان.

وبعيدًا عن أي تحليل عاطفي أو شعبوي قررت أن أكتب في الذكرى السنوية الاولى للمجزرة سطور قانونية ودستورية تعكس واقع عمل المحقق العدلي طارق البيطار من الناحيتين القانونية والاجرائية وتفند الصعوبات والعراقيل، التي يمكن بل من شبه المؤكد أنها ستقف حجر عثرة في طريق تحقيقاته، كذلك في طريق محاكمة مستقبلية عادلة.

بالنسبة لاولى الصعوبات التي تعتري عمل بيطار فهي الضغط الشعبي من جهة والسياسي الموجه والمغرض بغالبيته من جهة أخرى.

 

ولتفادي ما سلف ذكره يجب علينا معرفة طبيعة عمله كأي قاض تحقيق التي تتسم وفق الاصول الجزائية والاجرائية بالسرية المطلقة التي تجعل كل تحليل يصدر عن جهابذة السياسة أو الاعلام الموجه عار عن الصحة، كالتساؤلات التي تدور حول نوعية المسؤولين الذين يتهمهم المحقق دون سواهم من أقرانهم، و حول ما اذا كانت هنالك ثمة إستنسابية وإنتقائية سياسية في إختيار المتهمين أم لا ؟ كذلك حول ما اذا كان بيطار يدور لغاية الآن في حلقة مقفلة إسمها ( التقصير الوظيفي ) مهملاً ملاحقة من قام باستقدام سفينة الموت ( روسوس ) و من قام بتفريغ الحمولة ومن قام باستعمالها ؟

 

أما الجواب القانوني والوحيد على جميع هذه التساؤلات فهو أنه ( أحد ) لا يحق له طرح مثل هذه الاسئلة، أو محاكمة بيطار على عمله الفائق السرية قبل صدور القرار الاتهامي المعلل من قبله، والذي يفند من خلاله جميع الاسباب الواقعية والقانونية، التي يكون قد بنى على أساسها قراره الاتهامي النهائي.

 

فقد ينتقي المحقق اسم معين للايقاع باسم آخر، وقد يوقف شخص حماية له ولمعلوماته الخطيرة حول القضية، وقد يبدأ بمرحلة ما ليصل لأخرى غير متوقعة، وقد يسلط الضوء الى وقائع غير ذات أهمية تضليلاً للوصول لحقائق مخفية، لذلك كله، يا سادة يا كرام لننتظر قرار الرجل الاخير عند صدوره ومن بعدها فلنثني عليه أو فلنجلده !!

 

أما بالنسبة للنوع الثاني من العراقيل فهي مسألة الحصانات النيابية للنواب المتهمين و التي بعيدًا عن الشعبوية لا ترفع الا من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب أو بتعديل المادة ٤٠ من الدستور التي أعطت النواب هذه الحصانات الجزائية.

 

ولدينا أيضًا شبه الحصانة المعطاة للرؤوساء والوزراء والتي تتطلب إتهامهم من قبل ثلثي أعضاء مجلس النواب بناءً على عريضة موقعة من خمس المجلس طبقًا للقانون رقم ١٣/٩٠ المنظم لعمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤوساء والوزراء، ناهيك عن محاكمتهم أمام محكمة نصفها سياسي من النواب الا وهي المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤوساء والوزراء المنصوص عليه في المادة ٨٠ من الدستور .

 

أخيرًا، لدينا وجوب أخذ الاذن بالملاحقة للموظفين، والذي لم يعطَ بقرار مبرم من قبل النيابة العامة التمييزية بالنسبة للواء عباس ابراهيم، والذي لن يعطى بالتأكيد بناءً على قاعدة ال ٦ و ٦ مكرر الطائفية بالنسبة للواء طوني صليبا.

 

أما النوع الثالث من العراقيل هو وصول الدعوى الحتمي بعد التحقيق الى ٣ محاكم في مرحلة المحاكمة وذلك اذا ما استمر الواقع الدستوري والقانوني على ما هو عليه!! المحكمة الاولى هي غرفة من غرف محاكم التمييز بالنسبة للقضاة المتهمين، والمحكمة الثانية هي المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤوساء والوزراء بالنسبة للرؤوساء والوزراء اذا ما جرى اتهامهم، أما المحكمة الثالثة فهي المجلس العدلي بالنسبة لباقي المتهمين، الامر كله غير القانوني و غير المنطقي لأنه لا يجوز أن تطرح قضية ما أمام أكثر من محكمة نظرًا لحتمية تضارب المسارات القانونية و بالتالي صدور أحكام متضاربة ومتناقضة!!

 

ازاء هذا الوضع القانوني البالغ التعقيد، واذا ما ارادت السلطة الحاكمة الاستحصال على صك براءة ذمتها فيجب عليها المسارعة لاتخاذ الخطوات التالية:

أولاً: تعديل المادتين ٤٠ و ٨٠ من الدستور لالغاء الحصانات النيابية الجزائية والغاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرووساء و الوزراء.

ثانيًا: الغاء القوانين ذات الصلة والتي تقضي بوجوب الاستحصال على إذن من المرجع المختص في ما يتعلق بملاحقة الموظف.

ثالثًا: تعديل قانون اصول ملاحقة ومحاكمة القضاة لتتم ملاحقتهم أمام القضاء العدلي العادي و بالتالي أمام المجلس العدلي.

 

ومن هنا فإن كل كلام خارج هذا السياق هو من قبيل الشعبوية السياسية ومحاولة إمتصاص غضب الجماهير. فاما أن تتخذ الخطوات المفصلية سالفة الذكر، وإما فإن ارواح الضحايا التي ازهقت غدرًا و ظلمًا تكون قد ذهبت هباءً منثورًا .

لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

الدكتور محمد زكور

الدكتور محمد زكور، مدير مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى