ازمة لبنانالاحدث

سنة على اغتيال المدينة (٢٦): إعادة الاستيلاد على جثث الشهداء | بقلم د. مازن مجوّز

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

عام مر على هذا الحادث الاليم بكل المقاييس، ذكرى ” بيروت شيما ” كما يسميها البعض، مشهدية فريدة بنوعها وحجمها وأبعادها على أذهان وقلوب اللبنانيين الذين لم يختبروا مثيلا لها حتى في أصعب الأحداث وأكثرها دموية، تاركة الحزن والأسى واللوعة في قلوب أهالي الشهداء والجرحى، هذه الكارثة التي حلت بشكل مفاجىء وغير متوقع على اللبنانيين حملت معها مصادفة غريبة وهي أن وقوع الانفجار حدث عشية الذكرى ال 75 على القاء قنبلة هيروشيما .

“انفجار يفوق اقوى الاسلحة التقليدية غير النووية التي اخترعها البشر” يقول الباحث في التاريخ البشري للاسلحة النووية مارتن فايفر، وبعد مرور عام كامل لا يزال الغموض يلف الكثير من التفاصيل المحيطة بهذا الإنفجار -الذي يعد من أكبر الإنفجارات غير النووية عبر التاريخ- على الرغم من الكثير من التسريبات الصحفية والإعلامية عما وصلت إليه التحقيقات التي يقودها المحقق العدلي طارق البيطار الذي تسلم هذه المهمة من القاضي فادي صوان بعد إصطدام الأخير بمعوقات يمكن وصفها بأنها “إلتفاف على العدالة وتحقيق المحاسبة”.

في بلد الأرز، المطالبة بكشف الحقيقة وهوية الجناة الكامنة وراء “نكبة العصر” أمر شبه مستحيل إذ أن جميع القضايا الجنائية وغير الجنائية التي شهدها هذا البلد سجلت ضد مجهول، على الرغم من وجود دلائل وبراهين على الجناة، لكن احزاب السلطة لا تريد أن تفضح نفسها، إذ سرعان ما اصطدم هذا التحقيق بمعوقات ظاهرها قانوني ودستوري، لكنها في الواقع إلتفاف وهروب إلى الأمام، والمجال ليس واسعا هنا لنتحدث عن إبداعات المنظومة الحاكمة في اللعب على عامل الوقت الورقة الأكثر شيوعاً وربحا لها، تعتمدها في مناوراتها السياسية لعدم الكشف عن حقيقة موقف من قضية ما، في ظرف زمني غير مواتٍ لإعلانه.

في مثل هذا اليوم من السنة الماضية حوّل إنفجار 4 آب العاصمة اللبنانية الى مدينة منكوبة كارثة هزت مشاعر كل اللبنانيين، ولا زالت حتى اليوم شهادات أهالي الشهداء والجرحى تصدح من رحم الجحيم والدمار على عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية ليبقى السؤال إذا كان 20% فقط من حوالي 2755 طنًا من نترات الأمونيوم وصلت إلى المرفأ في عام 2013 قد انفجرت بالفعل فأين ذهبت الكمية الباقية ؟ وعلى يد من ؟ ولأي هدف ؟ .

بالطبع العشرات من الأسئلة البديهية لا يزال/ تزال اللبنانيون و/ اللبنانيات يبحثون/ تبحثن عن أجوبة بديهية ، لكن لنتصور ولو لمرة واحدة إذا كان 551 طنا من هذه النيترات أسفرت عن مقتل 217 شخصا ( بعضهم لم يستدل على أثره حتى الآن ) وجرح أكثر 7000 شخص

وتشريد 300 ألف مواطن ٬ وتدمير أجزاء واسعة من العاصمة حيث تضرر أكثر من 73 ألف شقة فماذا كانت فعلت ال 2755 طنا منها بالعاصمة لو إنفجرت في نفس العام أو الشهر الذي دخلت فيه المرفأ ؟ .

بين الجلاد والضحية والوسيلة ( النيترات) ستبقى ” الطاسة ضايعة ” باللهجة العامية، وستبقى الصور والفيديوهات وملابس الشهداء لدى ذويهم وآخر voice أرسله كل واحد منهم عناصر تخلد ذكراه في وجدانهم وعقولهم، أما الحرقة الممزوجة بالغضب والحزن على فراقهم/ فراقهن التي عبر عنها ذويهم وعائلاتهم/ تهن في هذه الذكرى الأليمة والمأساة التي لا تنتسى فيبدو أنها ستستمر سنوات طويلة قبل أن يصلوا/ تصلن إلى نصف الإجابات التي تشفي غليلهم/هن عن حقيقة ذلك اليوم المشؤوم.

ويكفي التوقف عند الإتهامات التي أطلقتها منظمة العفو الدولية بأن “الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية بلا كلل ولا ملل طوال العام لحماية المسؤولين من الخضوع للتحقيق عرقلت على نحو متكرر سير التحقيق”، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”، بأن” السلطات اللبنانية بالإهمال “جنائيا” وانتهاك الحق بالحياة والتقصير في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم التي أدت إلى وقوع الانفجار” في بيانين منفصلين بمناسبة مرور عام على هذا اليوم الأسود والمفصلي في تاريخ لبنان واللبنانين لنتلمس كم هو مليء بالألغاز والطلاسم التي يصعب فكها ، وبعبارة أفصح “ممنوع فكها” .

فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته التحقيقات القضائية حتى اليوم، فإن خشية الكثير من اللبنانيين كبيرة من عدم جلاء ملابسات الانفجار، في ظل فقدان الثقة بين المواطنين والمنظومة الحاكمة حالٌ باتت برأي الكثيرين سمة متأصلة في الوعي الجمعي للبنانيين.

وأذا ما تحدثنا بعيداً عن عقلية الكيد والإنتقام وعقلية المؤامرة، وقريباً من المنطق والموضوعية لوجدنا أن الطبقة الحاكمة، وتلك التي تعاقبت على الحكم منذ دخول هذه المادة الخطرة وحتى اليوم بمسؤوليها كافة مسؤولة عن هذه الجريمة وعن نتائجها الكارثية ولو كانت هذه المساءلة نسبية إنطلاقا من أن أفرقاء معينين إستفادوا من وجودها أكثر من غيرهم لكنها كانت تحصل بالتكافل والتضامن، فهناك من تنطبق عليه سمة ” المتورط” وآخر “المشترك” وثالث ” المهمل ” وتكر سبحة السمات لتبقى الجريمة جريمة لا يسقطها تقادم الزمن إلا أنه على الأرجح لن يكون كفيلا بكشف مآربها .

في الختام، علينا أن لا نبرىء طبيعة النظام السياسي المتوارث أقله منذ إتفاق الطائف وحتى اليوم من المردود الكارثي لهذه الجريمة، لكن وللأسف هذا النظام يبدو أنه يعيد إستيلاد نفسه مجددا على جثث الشهداء وأوجاع الجرحى وآلام ذويهم والدمار الهائل الذي حل بالعاصمة والخسائر المباشرة وغير المباشرة ، والأنكى أنه يسعى إلى إستيلاد نفسه ليستمر وعلى إمتداد الوطن …… المكسور بمصائبه التي لا تعد ولا تحصى ، مصائب تزداد بشكل يومي على كاهل اللبنانيين الذين بات حال لسان كل منهم يقول كلمة واحدة ” بكفي “.

لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

الدكتور مازن مجوّز اعلامي وباحث

الدكتور مازن مجوز ، باحث وإعلامي . يشغل منصب مسؤول الإعلام والعلاقات الخارجية في الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال، ونائب رئيس مجموعة " الصحافة العربية " للتواصل الإعلامي، وأحد مؤسسي شركة Beyond the stars للخدمات الإعلامية اللبنانية ، يعمل حاليا في ال new media في أكثر من مؤسسة إعلامية ، وهو باحث متخصص في شؤون الاقتصاد البيئي والإدارة، ومدير مكتب مجلة "أسواق العرب" في بيروت ، لديه مئات التحقيقات والمقالات في مجالات : السياسة، الإقتصاد، البيئة ، والمجتمع المنشورة في صحف لبنانية وعربية ومواقع إخبارية إلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى